اقتحام السفارة الأمريكية ببغداد: سيناريو طهران 1979 أم مجرد رسالة إيرانية لواشنطن؟

العراق

اقتحام السفارة الأمريكية ببغداد: سيناريو طهران 1979 أم مجرد رسالة إيرانية لواشنطن؟


01/01/2020

لم يتردد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في القول إنّ الهجوم على سفارة بلاده ببغداد هو هجوم دبّرته إيران، وأكد في تغريدة له صباح أمس "قتلت إيران مقاولاً أمريكياً، وإصابت الكثيرين (الهجوم على قاعدة كي وان بكركوك العراقية). لقد استجبنا بقوة، وسوف نفعل دائماً (القصف الأمريكي على منشآت كتاب حزب الله). الآن تقوم إيران بتنظيم هجوم على السفارة الأمريكية في العراق. وسوف يتحملون المسؤولية الكاملة. بالإضافة إلى ذلك، نتوقع أن يستخدم العراق قواته لحماية السفارة، وهو ما أبلغنا به".

هادي العامري (زعيم بدر) وقيس الخزعلي (زعيم العصائب) أمام السفارة الأمريكية

حسم ترامب التأويلات التي حاولت قوى عراقية إضفاءها على هجومها على السفارة، بالقول إنّ الهجوم جاء "غضباً شعبياً عراقياً على قصف أمريكا لمواقع الحشد الشعبي". وأكد ذلك الحسم أنّ "الغاضبين" تقدمهم اثنان من الموالين الأقوياء لطهران من زعماء المليشيات: هادي العامري (زعيم بدر) وقيس الخزعلي (زعيم العصائب) فيما انضم إليهما لاحقاً القائد الفعلي للحشد الشعبي وزعيم "كتائب حزب الله" ورجل سليماني القوي في العراق أبو مهدي المهندس.

اقرأ أيضاً: هل تشن ميليشيات الحشد هجوماً على سفارات أخرى في العراق؟

اللافت في المشهد المتفجر أمام السفارة التي أحرقت مداخلها هو وجود رئيس هيئة الحشد الشعبي ومستشار الأمن الوطني، فالح الفياض، الذي استقبلته واشنطن بترحاب قبل شهرين؛ كونه "الرجل المعتدل" في الحشد الشعبي ويمكن "الوثوق به"!

 

 

وعد العراق، الذي أشار إليه ترامب، جاء عبر بيان لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، وفق ما أورد موقع "الحرة"، فقد طالب رئيس الوزراء العراقي المستقيل، عادل عبد المهدي، عناصر المجموعات الموالية لإيران بالمغادرة فوراً من أمام السفارة الأمريكية، بعد اقتحام الباحة الخارجية.
وأضاف عبد المهدي أنّ "أي اعتداء أو تحرش بالسفارات والممثليات الأجنبية هو فعل ستمنعه بصرامة القوات الأمنية وسيعاقب عليه القانون أشد العقوبات".

اقرأ أيضاً: 2020 سنة العراق... وإيران أيضاً
تعهّد عبد المهدي تمثل بوصول وزير الداخلية، ياسين الياسري، إلى مقر السفارة الأمريكية في بغداد، في مسعى للتهدئة.

القائد الفعلي للحشد الشعبي وزعيم "كتائب حزب الله" أبو مهدي المهندس أمام السفارة الأمريكية

رسالة طهران المعلنة

هي رسالة إيرانية لواشنطن نقلها الأمين العام لـ "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، الذي قال في تغريدة له، إنّ "العراقي لا ينسى وعده. عشر سنوات مرت على اتفاقية جلاء القوات الأمريكية من العراق، ولا زالت دماء أبنائنا تراق بدم بارد من قبل صواريخ الحقد الأمريكي".

اللافت بالمشهد أمام السفارة التي أحرقت مداخلها وجود رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض الذي استقبلته واشنطن بترحاب قبل شهرين

وأضاف "لكن هذه المرة سنقول لكم إنّنا موجودون ولن نسمح لكم بالرعونة مرة أخرى وإن عدتم عدنا".
ويبدو أنّها رسالة إيرانية لوشنطن مفادها: ها نحن نحكم قبضتنا ليس على العراق وحسب بل على سفارتكم المحصنة التي نستطيع أن نحرقها وقتما نشاء ولن تنفعكم حينها لا صواريخكم ولا أسلحتكم.

اقرأ أيضاً: كيف ستكون تداعيات القصف الأمريكي لقواعد "كتائب حزب الله" في العراق؟
وثمة أمر مثير للاستغراب في هذه "الصولة" الإيرانية على السفارة الأمريكية، فهي جاءت بعد أقل من 24 ساعة على استقبال رئيس الجمهورية، برهم صالح، للسفير الإيراني، إيرج مسجدي، في محاولة واضحة للتهدئة بين واشنطن وطهران بغير إبعاد العراق عن الصراع.

تغريدة قيس الخزعلي
صالح الذي أكد لمسجدي على "أهمية دعم الاستقرار في العراق واحترام الإرادة الوطنية العراقية في الإصلاح دون تدخلات خارجية" وجد نفسه لاحقاً وسط نداءات أمريكية بوقف "الهجوم الإيراني" على السفارة في بغداد، لتذهب كلماته مع السفير مسجدي هباءً منثوراً.

اقرأ أيضاً: أزمة تشكيل الحكومة العراقية تتفاقم وتهديد إيراني بقلب الطاولة
لكن اعتبار الهجوم مجرد رسالة لواشنطن وليس عملاً يستلهم ما فعلته إيران الخميني بالسفارة الأمريكية في طهران 1979، ينفيه أحد قادة الميليشيات الموالية لإيران "كتائب سيد الشهداء"، إذ يؤكد أبوالولاء الولائي، أنّ الحدث متصل بذلك الذي نفّذه شباب الثورة الإيرانية بل هو امتداد لذلك التاريخ.

رئيس هيئة الحشد الشعبي ومستشار الأمن الوطني فالح الفياض أمام السفارة الأمريكية

ظلال السفارة في طهران 1979 وشبح العقوبات؟

ولكن إشارة الولائي الذي صرّح سابقاً أنّ "مسألة إطلاق طائرات مسيرة لاستهداف القواعد أو السفارة الأمريكية في بغداد، هو أسهل إجراء يُمكن أن تتخذه الكتائب" لا تبدو ممكنة مع قدرة عراقية شبه غائبة على مواجهة عقوبات أمريكية شاملة في حال مضت حكومة عبدالمهدي بموقف المتفرج حيال نفوذ الميليشيات وسيطرتها المطلقة على الدولة، وأبرزها عقوبات تطال الرصيد المالي للحكومة العراقية.

المثير للاستغراب بهذه "الصولة" الإيرانية على السفارة الأمريكية، أنّها جاءت بعد أقل من 24 ساعة على استقبال برهم صالح للسفير الإيراني

وفي هذا الصدد، سبق للخبير الاقتصادي والمالي العراقي، صفوان قصي، أن قال، على قناة "cctv": "ما نقترحه حقيقة، أن يكون هناك نظام مراقبة مزدوج بين الخزانة الأمريكية والبنك المركزي (العراقي) لتتبع حركة الأموال. وبالتأكيد الحكومة غير قادرة على خرق هذه العقوبات ويُفترض الالتزام بمثل هذه العقوبات؛ لأنها تمس حياة الناس حقيقة، وخاصة أنّ العراق لا يمكن أن يعرض اقتصاده للخطر مع ضرورة أن تكون هناك نافذة للحاجات الإنسانية لجمهورية إيران الإسلامية وبإشراف الخزانة الأمريكية."
إلى ذلك، يؤكد الخبير الاقتصادي العراقي، باسم جميل أنطوان، لقناة "cctv" أنّ "العراق يجب أن يتعامل بحذر. وقد نبّه كافة المصارف واتخذ بعض الإجراءات بحق من تجاوز منها. والمصارف الحكومية من المستحيل أن تخرق هذا الحصار، وحالة (العراق) حال باقي الدول- الالتزام لمنع أي تجاوز على أرصدته ولمنع الخرق؛ لأنه مرتبط مع الولايات المتحدة باتفاقيات واسعة."

عبارة "سليماني قائدي" على مدخل السفارة الأمريكية ببغداد
وقد تأتي تلك العقوبات لتتوسع باستهداف شخصيات محددة إلى عموم الحكم العراقي، ولا تتوقف عند تلك التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية، الشهر الماضي، على عقوبات على 4 شخصيات عراقيين، بينهم 3 من قادة "الحشد الشعبي" متهمين بـ"التورط في قتل متظاهرين"، والرابع رجل أعمال متهم بـ"الفساد"، وفق ما أوردت وكالة "الأناضول".
حينها قالت الوزارة الأمريكية، عبر بيان، إنّه من بين العراقيين الأربعة المشمولين بالعقوبات 3 من قادة ميليشيات "الحشد الشعبي" التي لها صلات بإيران، هم زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، وشقيقه ليث الخزعلي، ومدير أمن الحشد الشعبي حسين فالح المعروف باسم أبو زينب اللامي.
واتهمت الوزارة الأمريكية الثلاثة بإعطاء توجيهات مباشرة لهذه الميليشيات بـ"فتح النار على المتظاهرين السلميين؛ ما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين الأبرياء" خلال الاحتجاجات الحالية التي يشهدها العراق. يأتي ذلك فيما تنفي ميليشيات "الحشد الشعبي" أي دور لها في قتل المحتجين.

وزير الداخلية العراقية ياسين الياسري أمام السفارة الأمريكية

خيبة أمل في واشنطن من بغداد

لكنّ شعوراً أمريكياً واسعاً بخيبة الأمل من مواقف المسؤولين العراقيين بات واضحاً أكثر في الأيام القليلة الماضية، فقد نقلت الصحفية في موقع "المونيتور" الأمريكي، لورا روزن، تصريحاً لمسؤول كبير في وزارة الخارجية.
وفي التصريح يعبر المسؤول عن شعور بخيبة أمل من "التصريحات العراقية التي تدين الضربات الأمريكية، بينما لم نسمع بإدانة لاستفزازات الجماعات المدعومة من إيران (كتائب حزب الله)".
وختم المسؤول تصريحه بالقول "إنّها لحظات كهذه عندما ترى اللون (الوجه) الحقيقي للناس".
هو الوجه الحقيقي للسلطة العراقية، وجه الولاء التام للحكم في طهران حتى وإن بدا بارعاً في القول للأمريكيين إننا "حلفاء موثوق بهم في الحرب على الإرهاب" وتجمعنا اتفاقيات أمنية استراتيجية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية