كيف نقرأ التصعيد بين إيران وأمريكا في العراق؟

كيف نقرأ التصعيد بين إيران وأمريكا في العراق؟


02/01/2020

شنّت مقاتلات أمريكية من طراز "إف 15" هجمات ضد أهداف مرتبطة بحزب الله العراقي في مناطق الحدود العراقية - السورية، أسفرت عن مقتل العديد من قادة وكوادر الحزب الأبرز بالحشد الشعبي العراقي والأكثر ولاءً للقيادة الإيرانية.

اقرأ أيضاً: أزمة تشكيل الحكومة العراقية تتفاقم وتهديد إيراني بقلب الطاولة
وجاء ردّ الحشد الشعبي، الذي لم يتأخر، في محطتين: الأولى؛ بإطلاق 4 صواريخ كاتيوشا على محيط قاعدة التاجي التي تضم جنوداً أمريكيين، دون وقوع ضحايا، والثانية: في الهجوم على مقر السفارة الأمريكية، الواقعة داخل المنطقة الخضراء في بغداد، والمؤمنة بحماية خاصة ونوعية من الأجهزة الأمنية العراقية المدربة أمريكياً.


ولا يمكن عزل توقيت التصعيد بين طهران وواشنطن عن 3 حقائق، وهي:
أولاً:
أنّ الهجمات الأمريكية جاءت رداً على هجوم سابق شنّه حزب الله العراقي بتوجيهات إيرانية ضد قاعدة أمريكية في كركوك أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وأسفر عن مقتل متعاقد مدني مع الجيش الأمريكي، وهو ما يعني أنّ إيران هي من فرضت شروط وحدود التصعيد والهجمات المتبادلة، وأتت الهجمات الأمريكية في إطار رد الفعل وليس البدء بالتصعيد.

جاءت الهجمات الأمريكية رداً على هجوم سابق شنّه حزب الله العراقي ضد قاعدة أمريكية في كركوك

ثانياً: في إطار سياقات الثورة الشعبية العراقية التي تستهدف إيران ووكلاءها في العراق ومحاولة إيران صياغة الصراع على أُسس مذهبية، تحديداً في مناطق جنوب العراق حيث الأغلبية من الشيعة العرب، وفي ظل التصعيد غير المسبوق الذي تشهده مناطق محسوبة "مذهبياً" على إيران، كان الحشد الشعبي العراقي الموالي للقيادة الإيرانية يستجدي مثل هذه الضربة، خاصة بعد فشله في وقف الثورة، واستخدامه أساليب قتل وقنص وخطف للمتظاهرين.
إنّ إفشال الثورة العراقية بالنسبة للقيادة الإيرانية، إضافة لكونه مرتبطاً بأسباب استراتيجية بالنسبة لإيران، يبدو أكثر أهمية من إفشال أيّ ثورة داخل إيران.

اقرأ أيضاً: 2020: دخان أسود من العراق إلى ليبيا
تتم محاولة إخماد الثورة العراقية عبر مراحل وخيارات؛ من بينها "التحرّش" بالقواعد الأمريكية في العراق بما يضمن التركيز على التصعيد بين أمريكا والحشد الشعبي، بالإضافة إلى فتح الآفاق أمام "داعش" الجريحة بفقدان زعيمها "أبو بكر البغدادي" لتنفيذ عمليات نوعية في العراق، تأخذ طابعاً مذهبياً، فضلاً عن خيار إقناع سنّة العراق والأكراد، أو أطراف منهما في الانخراط بالثورة للإيحاء بأنّها ضد شيعة العراق.
ثالثاً: لم تخض إيران تصعيدها "العسكري"مع أمريكا وحلفائها على الأراضي الإيرانية؛ حيث إنّ كافة "الاحتكاكات" تجري خارج إيران عبر حزب الله اللبناني، وجماعة الحوثي في اليمن، والحرس الثوري والميليشيات التابعة له في سوريا. وكان هناك ما يشبه اتفاق "الجنتلمان" على تحييد العراق كي لا يكون ساحة صراع، إلا أنّ الثورة الشعبية العراقية، التي تقول إيران إنّها "صناعة أمريكية شأنها شأن الثورة اللبنانية"، وركون القيادة الإيرانية إلى تقدير مفاده أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليس بوارد شن حرب على إيران لأسباب داخلية أمريكية مرتبطة بالتحضير للانتخابات، بدلالة امتناعه عن الردّ على إسقاط طهران لطائرة أمريكية مسيرة من قبل طهران، وامتناعه عن الردّ على قيام إيران بهجمات على المنشآت النفطية السعودية "أرامكو" في أيلول (سبتمبر) الماضي، وهي أسباب دفعت القيادة الإيرانية للذهاب إلى خيار تحويل الحراك العراقي إلى مواجهة مع أمريكا.

كان الحشد الشعبي العراقي الموالي للقيادة الإيرانية يستجدي مثل هذه الضربة خاصة بعد فشله في وقف الثورة العراقية

ورغم كل ما يمكن أن يُقال في هذا التصعيد إلّا أنّ المرجّح أنّه يتم تحت عنوان استمرار معركة "عض الأصابع بين واشنطن وطهران" ورهانات أمريكا بأنّ القيادة الإيرانية ستتراجع بفعل المزيد من الضغوط خاصة الاقتصادية عليها، ورهانات إيرانية بقدرتها على الصمود ومواجهة الضغوط، واحتمالات فشل الرئيس الأمريكي بالفوز بولاية ثانية، بما يفتح آفاقاً جديدة في حال فوز الديمقراطيين، وربما كان في البيانات الأمريكية والإيرانية الصادرة بعد تبادل الضربات، ما يؤكد حدود التصعيد وأنّه لن يذهب باتجاه حرب شاملة وتصعيد أوسع.

اقرأ أيضاً: 2020 سنة العراق... وإيران أيضاً
لن تخرج الضربات المتبادلة عن كونها رسائل مشفرة قاسية بين طهران وواشنطن، يطرح كل طرف فيها إمكاناته وقواه على الأرض العراقية، التي تم تقاسمها بين طهران وواشنطن منذ عام 2003، إلا أنّ الأهم هو انعكاساتها على مستوى الداخل العراقي؛ حيث الثورة العراقية، التي لن تستطيع إلا أن ترفع شعارات الرفض للضربات الأمريكية إلى جانب رفضها للاحتلال الإيراني للعراق، وانعكاساتها على حلفاء أمريكا وتحديداً في منطقة الخليج؛ حيث تُقدّم الإدارة الأمريكية يوماً تلو الآخر، دليلاً على أنّ إجراءاتها "خاصة العسكرية منها"، وسياستها تجاه طهران ما زالت في إطار رهانات على صفقة مع الأخيرة، وذلك رغم خطابها الإعلامي التصعيدي ضد القيادة الإيرانية، ومن غير المعروف حدود التنازلات التي ستُقدم عليها إيران، وفيما إذا كانت تُلبي متطلبات الأمن القومي لدول الخليج العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية