هل كان غياب قاسم سليماني مطلباً إيرانياً وأمريكياً؟

هل كان غياب قاسم سليماني مطلباً إيرانياً وأمريكياً؟


05/01/2020

بعد اغتيال أمريكا، قبل أيام، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، غابت، وبشكل ربما مقصود، إيرانياً بالدرجة الأولى، العديد من الإجابات للأسئلة التي طرحت نفسها، لصالح أسئلة أخرى، تستجلب إجابات "متسرّعة" حول طبيعة الرد والانتقام الإيراني من الولايات المتحدة أو حلفائها، ومكان وتوقيت هذا الرد الانتقامي المفترض أن يكون "مزلزلاً".


إنّ اغتيال الرجل، الذي يتولى منذ أعوام ملف إدارة المشروع الإيراني في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مهام "فيلق القدس" الداخلية، ذات الطبيعة الأمنية، وما أصبح يمثّله سليماني من "رمزية" في النظام الإيراني، بوصفه الرجل الثاني، بعد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، يبدو هذا الاغتيال، للوهلة الأولى، أنّ المستفيدان منه هما: الولايات المتحدة وإسرائيل؛ بسبب الأدوار والتهديدات التي يمثلها سليماني لمصالحهما، من خلال سطوته وقدرته على إدارة العديد من الملفات الإيرانية في المنطقة، بما فيها إدارة "الدولة العراقية" وليس الحشد الشعبي العراقي فقط، وحزب الله اللبناني، فضلاً عمّا يُنسب إليه بإنقاذه النظام السوري من الانهيار، ومقارعة السعودية من بوابتها الجنوبية عبر الحوثيين، وما يتردد أمريكياً عن مسؤوليته عن عدد من العمليات التي استهدفت مصالح أمريكية في آسيا وأوروبا.

أصبح سليماني صاحب سطوة والرجل الأول في النظام الإيراني وتأثيره ربما يفوق تأثير المرشد الأعلى نفسه

ورغم وجود مصلحة استراتيجية لأمريكا بغياب سليماني، إلا أنّ ما لا يشار إليه وما لا يتم التوقف عنده؛ إذا ما كانت لأطراف إيرانية في أوساط قيادة الثورة مصلحة بغياب سليماني، وهو ما تدل عليه مؤشرات كثيرة، أبرزها؛ أنّ سليماني أصبح صاحب سطوة، والرجل الأول في النظام الإيراني، وتأثيره ربما يفوق تأثير المرشد الأعلى نفسه في بعض المحطات، وهو ما يطرح تساؤلات فيما إذا كان سليماني يهدد المرشد نفسه، خاصة وأنّ سليماني تفوّق على الأخير في ضبط إيقاع الثنائي؛ "حسن روحاني وجواد ظريف" ومواقفهما اللينة تجاه أمريكا والتفاوض معها، في الوقت الذي كان فيه المرشد يبدي مواقف أقل تشدداً منه.

اقرأ أيضاً: اغتيال سليماني ومقامرة أردوغان

إنّ الفرضية القائلة بأنّ غياب سليماني يُحقق مصلحة لأمريكا، دون ربط ذلك بمصلحة متزامنة للقيادة الإيرانية، جديرة بالتوقف عندها مطولاً، والتعامل معها بحذر شديد، خاصة في ظل سياقات تهيئة الأرضية لمفاوضات إيرانية - أمريكية تشمل الملفات الرئيسية الثلاث؛ "النووي الإيراني، الصواريخ الباليستية، والتدخل الإقليمي وحروب الوكالة".

اقرأ أيضاً: بعد مقتل قاسم سليماني.. المنطقة على صفيح ساخن!
كما إنّ فرضية تغيير قواعد الاشتباك بين أمريكا وإيران، بتنفيذ أمريكا لعملية بحجم اغتيال سليماني، جديرة هي الأخرى بالتوقف عندها؛ إذ تدل معطيات ما بعد مقتل سليماني وردود الفعل من الجانبين أنّهما ليسا بوارد الذهاب إلى حرب شاملة؛ لأنّ سقف الصراع الأمريكي الإيراني ما يزال في إطار عض الأصابع، والرهانات الأمريكية على قبول القيادة الإيرانية بمفاوضات مع أمريكا بفعل الضغوطات والعقوبات الاقتصادية، بالإضافة إلى رهانات إيرانية على الصمود أمام تلك الضغوطات.

تدل معطيات ما بعد مقتل سليماني وردود الفعل من أمريكا وإيران أنّهما ليستا بوارد الذهاب إلى حرب شاملة

لا شك أنّ عملية بحجم مقتل سليماني، والإعلان أمريكياً أنّها جاءت بقرار من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مرتبطة بخطط الأخير لحرف الأنظار عن تفاعلات إجراءات عزله بالكونغرس الأمريكي، واستخدام رأس سليماني في حملته الانتخابية، إلى جانب رأس البغدادي، بالإضافة إلى الضغوطات التي يتعرض لها ترامب بأنّه قاصر عن  الرد على التجاوزات الإيرانية؛ كإسقاط طائرة الاستطلاع الأمريكية، وضرب أرامكو السعودية، كما أنّ توقيت العملية جاء بالتزامن مع ما تتعرض له إيران من ضغوط في العراق ولبنان جراء الثورات الشعبية، وضغوط أخرى في سوريا وما ظهر من "خفوت" للدور الإيراني بالملف السوري، الذاهب باتجاه اللجنة الدستورية، بتوافق أمريكي روسي، سيمكّن روسيا من أن تكون يدها الأطول في سوريا على حساب إيران، وهو ما يعني فشل المخطط الإيراني في سوريا.

اقرأ أيضاً: قاسم سليماني وأبومهدي المهندس.. غياب الضرورة
خلافاً لما تنشره الماكينة الإعلامية الإيرانية وأدواتها في المنطقة من رد إيراني "مزلزل" وانتقامي قادم، والتساؤلات التي تُطرح حول مكان وزمان هذا الرد، وفيما إذا كان في العراق أو اليمن أو سوريا أو من لبنان، أو حتى في استهداف ناقلات النفط والبوارج والقواعد والجنود الأمريكيين في مضيق هرمز، فإنّ تطورات رد الفعل الإيراني تدل على حذر شديد لدى القيادة الإيرانية، وإدراك أنّ أي ردة فعل متهورة ستكون عواقبها وخيمة، قد تصل للإطاحة بالنظام الإيراني، خاصة وأنّ القيادة الإيرانية ستوازن بين رد فعل انتقامي لأجل قائد إيراني كان معروفاً أنّه هدف لأمريكا وإسرائيل وأنّ مقتله مسألة وقت، وبين الحفاظ على النظام الإيراني، ثم إنّ ردود الفعل الرافضة لمقتل سليماني لم تتجاوز حلفاء طهران "بغداد، دمشق، حزب الله، والحوثيين".

الإعلان أمريكياً أنّ الضربة جاءت بقرار من ترامب مرتبط بخططه لحرف الأنظار عن تفاعلات إجراءات عزله بالكونغرس

وأكّدت التصريحات الرسمية المتوالية حدود الرد الإيراني، الذي بدأ بالتهديد والوعيد، و"جعجعة" الانتقام المدوّي، وسرعان ما انتقل للتأكيد على أنّ إيران لا تتطلع إلى حرب ولا إلى معارك مع أمريكا، حتى انحسر الأمر بأن يُبلغ مندوبها في مجلس الأمن أنّ الجمهورية الإسلامية تحتفظ بحقها بالرد في الزمان والمكان الذي تحدده، بالتزامن مع تسريبات حول رسالة أمريكية "ترجو" القيادة الإيرانية أن يكون ردها محدوداً، وختم الرد "المزلزل" قائد الجيش الإيراني بإعلانه أنّ إيران ستمتنع عن أي رد متهور ومتسرع، فيما تمت ترجمة تهديدات قيادة حزب الله بحرق العلم الإسرائيلي من قبل العشرات من شبان الحزب في الضاحية الجنوبية ببيروت، ومع ذلك فإنّ رد فعل إيراني، يحفظ ماء وجه القيادة الإيرانية يتم تنفيذه باتفاق مع أمريكا سيكون احتمالاً وارداً، دون أن يصل لمقتل أي جندي أمريكي، لتقام بعده الاحتفالات بأنّ الانتقام وقع.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية