لماذا يسعى أردوغان لإقحام تونس في الأزمة الليبية؟

تونس

لماذا يسعى أردوغان لإقحام تونس في الأزمة الليبية؟


06/01/2020

ما زالت مستمرةً تداعياتُ زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، غير المعلنة، إلى تونس، ولقائه بالرئيس التونسي قيس سعيّد؛ إذ ما انفك الجدل واسعاً لدى الرأي العام التونسي، ويشكل صدمةً لدى الأوساط السياسية، خاصّة أنّها كانت معلومةً لدى الجهات الرسمية، وليست مفاجئة، وفق ما أكدته مصادر دبلوماسية خاصّة لـ "حفريات".

اقرأ أيضاً: هل أحرجت زيارة أردوغان تونس؟
زيارة أردوغان رفضتها مختلف أطياف المشهد السياسي والحقوقي في البلاد، من الذين أجمعوا على أنّها مشبوهةً وتمثّل خطراً على الأمن القومي، في ظلّ الظرف الدقيق الذي تمرّ به الجارة ليبيا، والتصعيد العسكري الذي يتبادله فرقاؤها السياسيون، محذّرين من الزجّ بتونس في سياسة المحاور التي باتت تهز المنطقة، وتوريطها في النزاع في ليبيا.
ويحذّر مراقبون من استغلال تركيا لتونس، التي تشترك مع ليبيا بحدودٍ تمتد على نحو 500 كيلومتر، وتعدّ شريكاً اقتصادياً مهماً، في مساعيها لتوسيع نفوذها في ليبيا وجعلها حديقةً خلفيةً لمخططاتها.

 

تحذيرات من الاصطفاف وراء المحور التركي
مباشرةً بعد هذه الزيارة المثيرة للشكوك، نظّمت مجموعةٌ من السياسيين والناشطين من المجتمع المدني، نهاية الأسبوع الماضي، وقفة احتجاجية أمام مقرّ سفارة تركيا بتونس، تنديداً بما اعتبروه "محاولة من الرئيس التركي لاستعمال تونس منصة للعدوان ضدّ ليبيا مثلما فعل سابقاً مع سوريا"، وفق تقديرهم.

أيمن العلوي: نحذّر من إقحام تونس في أيّ محورٍ من محاور الصراع في المنطقة لما لذلك من انعكاسات سلبية

وطالب المحتجون الرئيس التونسي باتّخاذ موقفٍ واضحٍ، وألا يبقى على الحياد في مثل هذه القضايا، خاصّة أنّ البيانات الصادرة عن رئاسة الجمهورية، وتصريحات الرئيس كانت "مبهمةً"، وهو ما أثار "قلق الشعب".
كما رأى حزب حركة "مشروع تونس"؛ أنّ زيارة الرئيس التركي توحي باصطفافٍ رسمي تونسيّ لصالح محور تركيا وحكومة "الوفاق" الليبية، الذي أنتج اتفاقية هي محلّ رفض أغلب العواصم العربية والأوروبية، داعياً رئاسة الجمهورية إلى النأي بتونس عن هذه الاصطفافات، وأن يكون موقفها معتدلاً ومحايداً.
وحذّر القيادي بحزب الوطد اليساري، أيمن العلوي، الرئيس التونسي من إقحام تونس في أيّ محورٍ من محاور الصراع الدائرة في المنطقة، لما لذلك من انعكاساتٍ سلبيةٍ على مصالح الشعب التونسي، وعلى تونس التي اعتادت انتهاج مبدأ الحياد، والنأي بنفسها عن التحالفات الإقليمية.

اقرأ أيضاً: أردوغان في تونس محاولة لإنقاذ إخوان ليبيا
وقال العلوي في تصريحه لـ "حفريات": إنّ "زيارة أردوغان إلى تونس تندرج في إطار الصراع الدولي للسيطرة على الثروات، وضمن سعي تركيا لإقحام نفسها في الشأن الإقليمي، عبر التغلغل في الشأن التونسي، والتدخّل العسكري في ليبيا، وهذا ما ستكون له نتائج خطيرة على تونس".

اقرأ أيضاً: هل تورّط الرئيس التونسي باستقبال أردوغان بضغط من النهضة؟
من جهتها، ندّدت حركة "الشعب" بتحويل تونس مرّةً أخرى إلى "منصة للعدوان على ليبيا على غرار ما حصل عام 2011، وقاعدةً خلفية للجيش التركي واستخباراته لدعم الجماعات الموالية له، وتهديد أمن دول الجوار"، محذّرةً مما وصفته "المسار الخطير الذي تسير فيه السياسة الخارجية التونسية، في ظلّ وضعٍ إقليمي ودولي شديد الخطورة".
 وقفة احتجاجية أمام مقرّ سفارة تركيا بتونس

دعوات لإنقاذ السياسة الخارجية
وأعرب حزب "آفاق تونس" عن رفضه إقحام تونس في صراعات إقليمية وأيديولوجية وطائفية يكون لها الأثر السلبي على المصالح الإستراتيجية وأمن البلاد القومي، داعياً إلى الالتزام الدائم بالثوابت التقليدية للديبلوماسية التونسية القائمة على مبادئ عدم الانحياز.
كما حذّر حزب العمال من "أيّ اصطفاف وراء تركيا، أو تسخيرٍ تونس في أيّ شكلٍ من الأشكال لخدمة أهدافها في ليبيا"، معتبراً أنّ "مصلحة تونس تكمن في عدم الانخراط في أيّ محورٍ من المحاور الإقليمية والدولية المتنازعة في ليبيا، ولا في مساندة أيّ طرفٍ من الأطراف الداخلية المرتبطة بهذه المحاور".

اقرأ أيضاً: ليبيا وتونس واختيال أردوغان
من جانبه، دعا الحزب "الدستوري الحر"، رئاسة الجمهورية إلى اعتماد الشفافية في مجال السياسة الخارجية، وتوضيح الخيارات المتبعة في هذا الشأن، وإطلاع الرأي العام على مثل هذه المسائل السيادية، محذّراً من اتّخاذ خطواتٍ أو إصدار أيّة قراراتٍ باسم الشعب التونسي، لها علاقة بالملف الليبي، ومن شأنها أن تمثل انحرافاً عن ثوابت السياسة الخارجية التونسية، التي تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، وعدم إقحام تونس في محاور، وتجاذباتٍ دولية أو إقليمية قد تمسّ السيادة الوطنية والأمن القومي.

اقرأ أيضاً: 2020.. عام مليء بمزيد من الأزمات والفشل لأردوغان
ويرى الدبلوماسي السابق، أحمد ونيس، أنّ تونس، ورغم اعترافها بالحكومة الشرعية المعترف بها دولياً (حكومة السراج) إلّا أنّها ظلّت متمسّكةً بحيادها تجاه الفرقاء الليبيين، وبضرورة فرض الحلّ التفاوضي بينهما، وذلك عبر الحوار.
وأكّد ونيس في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ تونس حافظت على سياستها الخارجية التقليدية، ولم تبادر بدعوة أردوغان إلى تونس، وأنّ السرّاج هو من دعاه إلى توضيح الاتفاقية التي وقّعها معه، وأنّ أردوغان حاول طمأنة التونسيين عبر إقناعهم أنّ التدخّل التركي في ليبيا، لن تكون له عواقب سلبيةٌ على تونس.

اقرأ أيضاً: أردوغان… والأحلام والأوهام
في المقابل؛ وصف المحلّل السياسي المختصّ في الشأن الليبي، الموقف التونسي بـ "المبهم"، و"غير الواضح"، معتبراً أنّ دورها كان ضعيفاً فيما يحدث في ليبيا، ولم تقدّم إلى اللّحظة ورقةً سياسيةً واضحةً بخصوص التدخّل في ليبيا، عكس الجزائر التي كان موقفها واضحاً في رفض أيّ تدخّل خارجي، مهما كانت أطرافه.
طالب المحتجون الرئيس التونسي باتّخاذ موقفٍ واضح

الرئاسة التونسية تكذّب الوزير الليبي
ومع تواصل الانتقادات التي رافقت الزيارة غير المعلنة لأردوغان إلى تونس، وبعد تصريح وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية، فتحي باشاغا، الذي قال فيه إنّ حكومته ستكون في حلفٍ واحدٍ مع تركيا وتونس والجزائر، أصدرت الرئاسة التونسية بياناً أكّدت فيه أنّ "تونس لن تقبل بأن تكون عضواً في أيّ تحالف أو اصطفاف، ولن تقبل بأن يكون أيّ شبرٍ من ترابها إلّا تحت السيادة التونسية".

رافع الطبيب: التصعيد العسكري في ليبيا سيغرق القبائل الليبية في المعارك ويقود بعض الشباب التونسي للقتال في ليبيا

ورأت الرئاسة في البيان؛ أنّ التصريحات والتأويلات والادعاءات الزائفة التي تتلاحق تصدر إمّا عن سوء فهمٍ وسوء تقدير، وإمّا أنّها تنبع من المصادر ذاتها التي دأبت على الافتراء والتشويه، مشدّدةً على أنّ "رئيس البلاد حريصٌ على سيادة تونس واستقلالها وحريّة قرارها، وهو أمرٌ لا يمكن أن يكون موضوع مزايداتٍ أو نقاش، ولا توجد أيّة نيّةٍ للدخول في تحالف ولا في اصطفاف".
استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيّد، للرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، وصفه القيادي بحزب الوطد، أيمن العلوي، بـ "السلوك المغامر"، خاصّةً في هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به ليبيا، ورأى أنّ هذه الزيارة وكيفية إدارتها لم تكن موفقةً؛ لأنّ الرأي العام التونسي لم يكن على علمٍ بها ولا بتفاصيلها، وهو ما أثار الريبة والشكوك من إقحام تونس في تحالفاتٍ غير مدروسةٍ.
وشدّد العلوي في حديثه لـ "حفريات" على "ضرورة أن تواصل تونس دعمها للحلّ السلمي في ليبيا، وأن يكون الاتّفاق ليبياً- ليبياً للحفاظ على مصالح الشعب الليبي الشقيق، وتجنّب إحداث حروبٍ في المنطقة".

استنفار دول الجوار

وقد دفعت التطورات التي شهدتها ليبيا الوحدات الأمنية والعسكرية التونسية بمختلف تشكيلاتها في محافظة تطاوين بالجنوب إلى تعزيز انتشارها على امتداد الحدود بين البلدين، ورفع درجة التأهب واليقظة تحسباً لأيّ طارئ.
وتواصل لجنةٌ محليةٌ لمجابهة الكوارث في تطاوين استعداداتها، بالتنسيق مع وزارتَي الداخلية والخارجية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لاستقبال لاجئين من ليبيا، باعتبار أنّ تونس تعدّ أكثر دول الجوار تأثراً بالوضع الأمني في ليبيا؛ لذلك تبدي حرصاً شديداً على تأمين حدودها وتعزيز التواجد الأمني فيها.

اقرأ أيضاً: هل يردع الموقف العربي أطماع أردوغان في ليبيا؟‎
هذا وقد عقد مجلس أمن الجزائر، الذي يجمع أعلى السلطات المدنية والعسكرية، جلسةً لمناقشة الوضع على الحدود، لا سيما بعد تلويح تركيا بتدخلها عسكرياً، واتخذ تدابير لحماية حدودها وإقليمها الوطنيين، وإعادة تفعيل وتنشيط دور الجزائر على الصعيد الدولي، كما قرّر رئيس البلاد، عبد المجيد تبون، عقد اجتماعاتٍ للمجلس الأعلى للأمن بصفةٍ دورية وكلّما اقتضى الوضع ذلك.
وحذّر المحلل السياسي المختصّ في الشأن الليبي، رافع الطبيب، في تصريحه لـ "حفريات"، من أنّ "التصعيد العسكري في ليبيا سيؤدّي حتماً إلى إغراق القبائل الليبية في المعارك، وهو ما سيعطي حجماً أكبر للصراع حول طرابلس، وقد يؤدّي لذلك، إذا وجِدت الشبكات ذاتها التي نشطت أعوام 2011-2012-2013 في تسفير الشباب إلى سوريا، إلى تسريب بعض الشباب من تونس للقتال في ليبيا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية