خطر ليبيا

خطر ليبيا


15/01/2020

أحمد مصطفى

اجتماعات موسكو بين الليبيين، وبعدها مؤتمر برلين المتوقع قريباً، تعيد الوضع في ليبيا إلى ما كان عليه قبل خمس سنوات، قبل اتفاق الصخيرات الذي انتهت صلاحيته بعد عامين من توقيعه أي في 2017.
وإذا كان التدخل الروسي نجح في التوصل لوقف إطلاق النار على أبواب طرابلس، أو بمعنى آخر، وقف حملة الجيش الوطني الليبي لإخراج الميليشيات من العاصمة الليبية، فإن الحديث عن تسوية سياسية فيه قدر من التفاؤل لا يقابله مبرر على أرض الواقع.
ومن المهم تذكّر أن من عطّل المسار السياسي بعد انتخابات عام 2014 هم «الإخوان» وجماعاتهم الإرهابية المرتبطة بالقاعدة، وغيرها، حين خسروا الانتخابات التي أسفرت عن مجلس النواب الحالي في طبرق. ولا تريد تلك الميليشيات الإرهابية أن يكون في ليبيا جيش وطني، لأن ذلك يتعارض تماماً مع أيديولوجية «الإخوان» وجماعاتهم الإرهابية. وبدعم من إسطنبول، وغطاء دولي يريد للإخوان وجماعاتهم سلطة في بلد في المنطقة، كان مسار اجتماعات مالطة برعاية من سفيرة الرئيس الأمريكي أوباما وقتها. واستخدمت أموال النفط، وذهب البنك المركزي في دعم وتسليح الميليشيات، إلى جانب عائدات تجارة «اللاجئين بحراً إلى أوروبا».
وبقي الخطر الأساسي لليبيا أنه لا توجد فيها سلطة وطنية، وإنما جيش وميليشيات. وإن ما كان يسمى «المجتمع الدولي» يعتبر تلك الميليشيات «فصيلاً سياسياً» فذلك أخطر من تدمير البلاد في جهد القضاء على نظام القذافي قبل عقد من الزمن.
تلك الميليشيات التي ارتكبت مجازر لا تقل بشاعة عن «داعش» و«القاعدة»، ليس بذبح مصريين وغيرهم فقط، بل بتفجير السفارة الأمريكية في بنغازي، وقتل السفير، وغيره، لا يمكن أن تكون طرف تسوية سياسية. فكل الهدف النهائي هو حكومة «إخوانية» تجعل من ليبيا قاعدة انطلاق للدول المجاورة وإفريقيا جنوب الصحراء، وأيضاً غرب آسيا.
ومنذ خسر «الإخوان» حكم مصر وانحسار فرصهم في سوريا، رغم التدخل العسكري التركي لدعمهم، وصعوبة سيطرتهم الكاملة على تونس وهم يسعون، بدعم إقليمي ودولي، لأن تكون ليبيا قاعدتهم. وللأسف، ما زال هناك في الغرب من يصدّق فرية «الإرهاب المعتدل» المتمثل في ما يسمونه «الإسلام السياسي»، وأنه قد يكون الأقدر على رعاية مصالحهم، وأن يقيهم شر وصول الإرهاب إليهم. وكأننا لا نتعلم من الدروس القريبة، فمن خصال تلك التنظيمات والجماعات المتأصلة أن «تعض اليد التي تحتضنها»، وتنقلب غدراً أولاً على من يساعدها. ميليشيات ليبيا، ومن يمثلونها في طرابلس ومصراتة، حولوا البلد إلى محطة «ترانزيت» لتجميع الإرهابيين من إفريقيا وآسيا في طريقهم إلى سوريا والعراق عبر تركيا قبل سبع سنوات، وكانوا المدد الأساسي لتكوين «داعش» من «فلول القاعدة» وغيرها. ومنذ هزيمة «داعش» تعيدهم تركيا إليها ليكونوا رأس حربة إرهابية جديدة.
أي تسوية سياسية في بلد، للأسف لم يترك النظام السابق فيه أي بنية قوية للدولة والمجتمع تسمح بالاستناد إليها في تأسيس حكم مدني حديث يتفادى خطر التنظيمات الإرهابية وميليشياتها؟ وبافتراض النوايا الحسنة، ماذا يمكن لروسيا، أو ألمانيا، أن تفعلا في ليبيا؟
المعني مباشرة بالخطر من وجود الميليشيات في ليبيا وسيطرة «الإخوان» عليها هم جيرانها مباشرة، وأكثرهم مصر والجزائر. «فالإخوان» لا ينسون أنهم فقدوا فرصة السيطرة على الجزائر مطلع تسعينات القرن الماضي، وبعدها أدخلوا البلاد في عقد دموي حصد أرواح الآلاف. وهذا ما يفعلونه، وإن بوتيرة أقل حدة، في مصر منذ 2013 خاصة في سيناء.
لتستعد برلين دور مالطا، وليذهب الفرقاء إلى صخيرات جديدة، ولتعمل بيروقراطية الأمم المتحدة غير المؤثرة في قرارات واتفاقات يصوغها البريطانيون والإيطاليون، ويباركها الأمريكيون. لكن كل ذلك لن يغير كثيراً في واقع ليبيا، ما لم يتم إقصاء الميليشيات تماماً.
نعم «إقصاء»، فليس هناك فرقاء سياسيون إنما نواة جيش وطني، وميليشيات إرهابية. وأي تعامل على غير هذا يزيد من الخطر المحدق بالجيران المباشرين كمصر والجزائر وتونس، وبالمحيط الأوسع في المنطقة، وبالعالم كله. فمن فجّر إرهابيوه حفلاً موسيقياً في بريطانيا لن يوفروا برلين، أو باريس، أو نيويورك. وإذا كان العالم يريد «داعش» جديداً في إفريقيا بعد نهاية تلك في غرب آسيا، فإن دول المنطقة يجب ألا تنتظر حتى تعلن «الخلافة» في ليبيا، بل عليهم قص برعم الشر قبل نموه.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية