لماذا رأى حزب التحرير الفلسطيني أنّ "اتفاقية سيداو" تهدم البيوت؟

اتفاقية سيداو

لماذا رأى حزب التحرير الفلسطيني أنّ "اتفاقية سيداو" تهدم البيوت؟


15/01/2020

تغريد علي

تسود حالة من الجدل الأوساط المجتمعية الفلسطينية، حول تطبيق "اتفاقية سيداو" للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة؛ حيث أثارت عدة مواد في الاتفاقية، تتعلق بالزنا والمثليين وزواج المسلمة من غير المسلم، جدلاً كبيراً، باعتبارها مخالفة للشريعة الإسلامية، ما حدا بالمحكمة الدستورية الفلسطينية العليا، أن تقرر، عام 2018؛ أنّ أيّ تعارض للاتفاقية مع الهوية الوطنية تطبيقه غير ملزم. ورأى حزب التحرير الفلسطيني الإسلامي أنّ "اتفاقية سيداو": "تهدم البيوت وتهتك الأعراض".

"سيداو" وقعت عليها أكثر من 195 دولة، وجاءت بعد نضال نسوي عالمي، تجسد فيما يسمى بعقد المرأة، عام 1975

وتطالب الاتفاقية بضرورة مساواة الرجل والمرأة في الحقوق، دون أيّ تمييز، وبحقّ المرأة بالتمتع بجميع "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية".

وصادق الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على اتفاقية سيداو، بتاريخ 8 آذار (مارس) 2009، وبعدها تم التوقيع رسمياً على الاتفاقية في الأمم المتحدة، في الأول من نيسان (أبريل) 2014، دون أيّة تحفظات عليها، وهو ما أثار استغراب واستهجان الكثير من المؤسسات والشخصيات الدينية.

وتبع ذلك إعلان رئاسي، عام 2018، بتشكيل الفريق الوطني لمناقشة التقرير الأولي لدولة فلسطين الخاص باتفاقية سيداو، وتبعه تحديد سنّ الزواج لأكثر من 18 عاماً، كأول البنود التي تنفذ بضغط من الاتفاقية في المجتمع الفلسطيني، وهو ما فتح الباب على كثير من النقاشات والاستفسارات حول الاتفاقية، وصدرت عدة مواقف وفتاوى رأت صعوبة تنفيذ الاتفاقية في فلسطين، كونها تتعارض مع مصادر التشريع وتخالف قانون الأحوال الشخصية والقانون الأساسي الفلسطيني.

تطالب الاتفاقية بضرورة مساواة الرجل والمرأة في الحقوق

رفض عشائري وحزبي للاتفاقية
وأعلنت عشائر الخليل، في 21 كانون الأول (ديسمبر)، براءتها التامة من الاتفاقية، مبيّنةً أنّ على السلطة الفلسطينية الانسحاب منها وإلغاءها، والدعوة إلى إغلاق جميع المؤسسات النسوية وما يدور في فلكها بفلسطين وإلغاء عقود إيجارها.

ورأى حزب التحرير الفلسطيني الإسلامي؛ أنّ "السلطة الفلسطينية باتت نموذجاً يفتخر به الكافر بتمسكها بالاتفاقية التي تنخر في الأسر، وتهدم البيوت، وتهتك الأعراض".

اقرأ أيضاً: معاهدة سيداو: هل هي مؤامرة تغريبية؟

وسبق أن قال قاضي قضاة فلسطين، محمود الهباش، إنّ الشريعة الإسلامية فوق القانون، وفوق أيّ التزام سياسي، أو أيّ التزام بقوانين أو معاهدات دولية.

وأضاف في تصريحات صحفية، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي: "مع احترامنا لكلّ القوانين الدولية، ولكلّ المعاهدات الدولية؛ إنّ أيّ تعارض مع ما شرعه الله لن نقبله".
كما رفضت نقابة المحامين الفلسطينيين تطبيق ونشر اتفاقية "سيداو" بشكلها الحالي، دون أيّة تحفظات، وفي بيان لها، في 18 كانون الأول (ديسمبر)؛ أكدت النقابة وجوب التقيد بما جاء في قرار المحكمة الدستورية العليا، بشأن تطبيق الاتفاقيات الدولية على نحو لا يتعارض مع القيم الدينية والأخلاقية.

اقرأ أيضاً: سيمون دي بوفوار تستعرض تاريخ اضطهاد النساء: هل المرأة جنس آخر؟

في المقابل، طالبت مؤسسات حقوقية ونسوية السلطة الفلسطينية بالتطبيق الحرفي لبنود الاتفاقية ونصوصها، بدعوى توفير الحماية والإنصاف للمرأة، ووضع تشريعات أكثر صرامة لحماية الأسرة من العنف، والحدّ من حالات قتل النساء بداعي "الشرف".

وأعدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ومركز المرأة للإرشاد القانوني، ورقة توصيات، وطالبتا بنشر نصّ اتفاقية "سيداو" في الجريدة الرسمية، الأمر الذي لم يحدث بعد وهو ما تطالب به الجمعيات والمؤسسات النسوية.

أجندات سياسية

بدورها، تقول مديرة جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية، آمال خريشة، لـ "حفريات": "حملة التشويه التي تثار ضدّ سيداو تنمّ عن رفض العشائر المحافظة لمبدأ المساواة؛ حيث تفرض الاتفاقية على الدول الموقّعة عليها اتخاذ إجراءات مؤقتة، من أجل إقرار المساواة بين الرجل والمرأة، ولا يتحقق إقرار المساواة بين الجنسين إلا بتغيير الأنماط الثقافية في المناهج بما يحقق المساواة"، مشيرةً إلى أنّ "استخدام الاتفاقية لأجندات سياسية من قبل "حزب التحرير الإسلامي" و"تحالف العشائر"، والقوى المحافظة، هدفه الانقضاض على مبدأ المساواة".

غيث الضابوس: الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في فلسطين، بحسب ما أقرّ به القانون الأساسي الفلسطيني

وتضيف: "الدور المتعاظم للحركة النسوية الفلسطينية نتج عنه طرح قضايا مهمة مرتبطة برفع سنّ الزواج، وقوانين حماية الأسرة من العنف، وحقوق أخرى كثيرة، ليعلو صوت الحركة النسوية من أجل الضغط على أصحاب القرار لنشر اتفاقية "سيداو" في الجريدة الرسمية، كي يتمّ تطبيقها في القوانين والتشريعات الوطنية".
وتابعت خريشة: "الجدل الذي حصل ضدّ الاتفاقية يهدف لتنازل المرأة عن مكاسب فرضها النظام الذكوري في المجتمع، وقد تمّ استخدام أحد التقارير، الذي قدمته مؤسسة نسوية للجنة "سيداو"، لتشويه الاتفاقية واتهامها بأنّها تتحدث عن الزنا وزواج المثليين وحقّ المرأة في إنشاء عائلة واختيار شريكها وإقامة علاقات خارج إطار الزواج، وهو غير وارد في الحركة النسوية"، مبينةً أنّه "جرى تقديم عدة تقارير، من 74 مؤسسة، جميعها طالبت بسنّ قوانين تحترم مساواة المرأة في حقوقها؛ ذلك لأنّ قانون العائلة والعقوبات الفلسطيني يعود إلى أكثر من نصف قرن، بالتالي كان من أسباب ذلك تعرض اتفاقية "سيداو" لهذه الهجمة العنصرية".
اتفاقية تناسب نساء العالم
وأشارت إلى أنّ "اتفاقية سيداو" وقعت عليها أكثر من 195 دولة حول العالم، وجاءت بعد نضال نسوي عالمي، تجسد فيما يسمى بعقد المرأة، عام 1975، وركّزت على قضايا التنمية والمساواة والعدالة، بالتالي؛ فالاتفاقية تناسب كلّ امرأة في أيّة بقعة حول العالم؛ لأنّ أساس العدالة والمساواة هي الكرامة"، مؤكدةً أنّ "المساواة تعتمد على مرجعيات، أبرزها ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بخصوص عدم التمييز بين الجنسين واحترام الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمرأة".


ويعدّ التمييز ضدّ المرأة، وفق خريشة، من أبرز أسباب العنف الذي يقع ضدّها في المجتمع؛ لذلك تعدّ الاتفاقية مهمّة بشكل كبير لكافة النساء، من خلال اعتمادها على المواطنة الكاملة للمرأة كما هو الرجل، وتعني في جوهرها المساواة والعدالة، ليكون من حقّ النساء المشاركة في الحياة السياسية وتمثيل البرلمان بنسبة 50%، إضافة إلى حقهنّ في الاستفادة من موارد الدولة المختلفة".

اقرأ أيضاً: كيف خلط خطاب السلطة بين حقوق المرأة و"الرفق بالقوارير"؟
وترى خريشة أنّ "تقصير السلطة الفلسطينية في الوصول إلى القاعدة الأساسية للمجتمع، بعد توقيعها أكثر من 90 اتفاقية، وقرارات تتعلق بمختلف أنواع الحقوق، كان له دور كبير في عدم إيصال الاتفاقية وشرح أهدافها لدى الرأي العام"، مبينة أنّه "يتوجب على الإعلام الرسمي ومؤسسات المجتمع المدني أن توضح جميعها الحقوق والمعاهدات ومضامين حقوق الإنسان لجميع أفراد المجتمع".
لا تتوافق مع المحكمة الدستورية
من جهته، يقول أستاذ القانون الدستوري، غيث الضابوس: "السجال الحاصل حول اتفاقية "سيداو"، منذ توقيعها من قبل السلطة الفلسطينية خلال العام 2014، يدور حول موادها رقم (2، 9، 15، 16)، وهي التي تتحدث عن التمييز ضدّ النساء وحضانة الأطفال والقوامة والولاية والوصاية عليهم، والمساواة بين الجنسين في عقد الزواج، وهي مواد لا تتوافق مع قرار المحكمة الدستورية الفلسطينية، التي أكّدت أنّه لا يوجد تعارض بين الاتفاقيات الدولية والقيم والديانات على الأراضي الفلسطينية".

حملة التشويه التي تثار ضدّ سيداو تنمّ عن رفض العشائر المحافظة لمبدأ المساواة

ويضيف في حديثه لـ "حفريات": "الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في فلسطين، بحسب ما أقرّ به القانون الأساسي الفلسطيني، وبحسب وثيقة الاستقلال الفلسطينية، والتي تعدّ من أهم المنظومات الدستورية في فلسطين، وبناءً عليه؛ فإنّ المعاهدات الدولية تأتي في مرتبة أقل من القانون الأساسي"، مشيراً إلى أنّ "اتفاقية "سيداو" تتعارض وتخالف نصوص المحكمة الدستورية، بالتالي؛ فإنّ تطبيقها يعدّ أمراً مستحيلاً، طالما لم ينظَر في هذه الاتفاقية، ولم تعدَّل موادها محل الخلاف والجدل".
مشكلات كثيرة
وتابع الضابوس: "المشكلة الأبرز كانت عدم تحفّظ فلسطين على المواد التي تتعارض مع الدستور الفلسطيني، في حين أنّ هناك دولاً عربية امتنعت عن التوقيع عليها كدولة السودان والصومال، واحتفظت المملكة العربية السعودية بأكثر من 37 مادة فيها؛ لأنّها تخالف قيم وعادات المجتمع السعودي؛ لذلك كان يجب الأخذ بعين الاعتبار من قبل السلطة الفلسطينية بالتحفظ على المواد المثيرة للجدل والخلاف قبل التوقيع على الاتفاقية بشكل كامل".

اقرأ أيضاً: تونس: من يوقف الانتهاكات ضد النساء في "عاصمة المرأة العربية"؟
وطالب الضابوس السلطة الفلسطينية بتعديل قانون العقوبات والأحوال الشخصية بدلاً من التوجه لتنفيذ مواد اتفاقية "سيداو"، مشيراً إلى أنّ القوانين المعمول بها بالأراضي الفلسطينية هي قوانين قديمة؛ كقانون العقوبات الأردني لعام 1960 الذي يتمّ العمل به في الضفة الغربية، وقانون العقوبات المصري الذي يجري العمل به في قطاع غزة"، مؤكداً أنّ فتح المجال للعمل باتفاقية "سيداو" سيخلق مشكلات كثيرة في فلسطين، نتيجة إضرارها بالنسيج الاجتماعي الفلسطيني، وبالنصوص الواضحة للشريعة الإسلامية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية