حلفاء تركيا: من يدفع للزمار يختار اللحن

حلفاء تركيا: من يدفع للزمار يختار اللحن


16/01/2020

توصلت تركيا في الأعوام الأخيرة في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تقدير إستراتيجي يفيد بأنّ خساراتها في الإقليم ستكون كاملة وشاملة إن هي فشلت في تأمين موطئ قدم لها في كلّ من سوريا وليبيا. التقدير التركي، مدعوماً بقوّة من الحليف القطري، خلص إلى أنّ هذا التحالف يقتضي أن تعمل أنقرة والدوحة والجماعات الحليفة لهما على الحيلولة دون استعادة مصر أي فاعلية إقليمية، خصوصاً مع نجاحات القاهرة في الأعوام الأخيرة في ملف مكافحة الإرهاب، وخاصة في سيناء، كما أنّ دعم مصر لقوات الجيش الوطني الليبي حفتر قلّص، وربما منع إلى حدّ كبير، تسرّب مجموعات من الجهاديين والمسلّحين الإسلاميين من ليبيا وأفريقيا باتجاه مصر.

 

ويوضح مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير أحمد القويسني، أنّ تركيا تكثّف دعمها العسكري للميليشيات التي تسيطر على طرابلس الغرب، ما سيكون له أثر كبير على أمن مصر واستقرارها واستقرار شمال أفريقيا ككل، وهي أرسلت في 18 أيار (مايو) 2019 شحنة كبيرة من المعدات العسكرية إلى الميليشيات المسلّحة التي تسيطر على طرابلس وتحارب الجيش الوطني الليبي، كما يشتبه في تسهيلها حركة الجهاديين الأجانب من سوريا والعراق إلى ليبيا لتحويل الدولة الواقعة في شمال أفريقيا إلى قاعدة لهجمات المتشددين في أفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط، بحسب ما أوردت مجلة "المجلة" نقلاً عن القويسني.

نقلت صحيفة "الغارديان" بأنّ تركيا أرسلت 2000 مقاتل سوري للمعركة في ليبيا

أدوات الدور التركي

تركيا باتت أكثر صراحة في الحديث عن أدوات دورها الإقليمي والفاعلين الداعمين له. لقد أرسلت أنقرة جماعات سورية معارضة للقتال ضد قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر. تركيا ووكلاؤها من جماعات المعارضة السورية تذهب دعماً لحكومة فايز السرّاج المدعومة من قبل ميليشيات إسلاموية. الاستخبارات التركية فتحت مكاتب "تطويع" لشبان سوريين في مناطق سيطرتها في إدلب وشمال شرق سوريا من أجل الالتحاق بالميليشيات المسلّحة في طرابلس الغرب. يقول بشأن ذلك المحلل السياسي عريب الرنتاوي إنّ "أنقرة تحرك هذه الجماعات تبعاً لأولويات مشروعها ... سحبت وحدات منهم من الشمال الغربي للقتال ضد "الأكراد" في الشمال الشرقي ... لا مشكلة لدى هؤلاء في الاستجابة للتعليمات التركية، فـ "من يدفع للزمار يختار اللحن": يقاتلون الكرد تارة، وقوات حفتر تارة ثانية، ولا ندري أين سينتهي بهم المطاف، فهم مجرد بيادق في لعبة أكبر منهم"، بحسب الرنتاوي.

سياسات أردوغان كثّرت خصومه وأعداءه في الداخل التركي، وفي الجوار وفي أغلب المنطقة العربية، وأزمت علاقاته مع دول "الناتو"

ويضيف الرنتاوي بأنّ "انخراط المعارضة المسلّحة في مشاريع تركيا هنا وهناك، يفقدها آخر ورقة توت، يمكن أن تستر بها عورتها ... ويكفي لأن يكون "رصاصة الرحمة" التي يتعين إطلاقها على هذا الجسد الهزيل، علّ الشعب السوري يشق لنفسه طريقاً آخر"، على حد قوله. ولقد نقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية هذا الأسبوع بأنّ تركيا أرسلت 2000 مقاتل سوري للمعركة في ليبيا. وترفض تونس والجزائر أي تدخل عسكري تركي في ليبيا.

أردوغان التقى الغنوشي في قصره الرئاسي‎

الكتلة الصلبة في مشروع تركيا في العالم العربي

لعل هذا يكشف عن الكتلة الصلبة لداعمي المشروع التركي في العالم العربي، وهم يتوزعون بين دول متحالفة مع المشروع التركي ومموِلة بسخاء لمحاور هذا المشروع؛ مثل دولة قطر، أو دول تتبادل الأدوار والمنافع مع تركيا مثل؛ إيران وروسيا، إلى جانب طيف من الجماعات الأيديولوجية والمتشددة مثل "جبهة النصرة" و"القاعدة" و"داعش" و"الإخوان المسلمين" وغيرهم.

اقرأ أيضاً: هل يهدد التدخل التركي في ليبيا أمن المغرب العربي؟

وقد دلّت الشواهد في سوريا والعراق وليبيا أنّ ثمة توظيفاً سياسياً لهذه المجموعات في إطار المحور التركي-القطري في المنطقة العربية، مدعوماً بمنصات إعلامية كثيرة، وواجهات بحثية تسعى لـ "تبييض" أهداف هذا المشروع الجيوستراتيجي، وفي المقابل، "تسويد" و"شيطنة" سياسات ومواقف وتحركات من يعارض أو ينتقد أو يتصدى لهذا المشروع؛ أفراداً ودولاً ومؤسسات.

داعمو المشروع التركي بالعالم العربي يتوزعون بين دول مموِّلة لمحاوره مثل قطر، وأخرى تتبادل المنافع مع أنقرة كإيران وروسيا

في سياق ذي صلة، كان مركز الاستخبارات التابع للاتحاد الأوروبي قد اتهم في العام 2015 الحكومة التركية بتكليف عناصر من "داعش" بتنفيذ عملية إرهابية في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 وسط تظاهرة شعبية بمدينة أنقرة، أدت إلى مقتل 109 وجرح حوالي 500 مدني، معظمهم من الأكراد، وهذه العملية إضافة إلى عملية أخرى وقعت في 20 تموز (يوليو) 2015 بمدينة سروج ذات الأغلبية الكردية، وأسفرت عن مقتل 33 كردياً... أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عنهما في حينه، وتم تداول أنباء عن أنّ الحزب الحاكم في تركيا اتُّهم في التورط في العمليتين لمنع حزب الشعوب الكردي من حيازة عدد أكبر من المقاعد من شأنها أن تحرم حينها حزب أردوغان الحاكم من الأغلبية في انتخابات الإعادة. ولعل توجيه أصابع الاتهام للحزب الحاكم ورئيسه بالمسؤولية عن "توظيف" الإرهاب لتحقيق أغراض سياسية وانتخابية هو ما عناه السياسي التركي أحمد داود أوغلو بقوله إنّ وجوهاً ستسودّ وإنّ كثيرين لن يستطيعوا النظر في وجوه الناس، إن هو أخرج ما في جعبته، وفقاً لما يذكر عريب الرنتاوي، في تحليل نشره موقع قناة "الحرة" في أيلول (سبتمبر) الماضي.

تركيا باتت أكثر صراحة في الحديث عن أدوات دورها الإقليمي والفاعلين الداعمين له

لم يبقَ سوى الوكلاء

 في الأعوام الأخيرة خسرت تركيا أكثر أسواقها أهمية في العالم العربي. سياسات الرئيس أردوغان كثّرت خصومه وأعداءه في الداخل التركي، وفي الجوار وفي أغلب المنطقة العربية، فضلاً عن تأزم علاقاته مع دول "الناتو". وبعد أن أخفقت تركيا أردوغان في تحقيق مشروعها الإقليمي في خضم انطلاق الثورات والاحتجاجات العربية، بموجتيها؛ الأولى والثانية، لم يبق سوى الاتكال على الوكلاء من جماعات ما دون الدولة. لم يبقَ سوى إدلب وشمال شرق سوريا وطرابلس الغرب وحكومة فايز السراج التابعة لـ "الإخوان" والميليشيات المدعومة من تركيا الأردوغانية.

اقرأ أيضاً: علاقات تركيا مع السودان: تاريخ من الاستغلال

في تونس، رفع نواب تونسيون في جلسة البرلمان، أمس، لافتات تدعو إلى سحب الثقة من رئيس البرلمان زعيم "حركة النهضة" التابعة لجماعة "الإخوان المسلمين"، راشد الغنوشي، على خلفية زيارته تركيا ولقائه الرئيس رجب طيب إردوغان السبت الماضي، من دون إبلاغ البرلمان. أردوغان التقى الغنوشي في قصره الرئاسي، وفي تغطيتها للخبر ذكرت وكالة أنباء الأناضول التركية أنّ زيارة الغنوشي جاءت بصفته رئيساً للبرلمان التونسي وليس بصفته الشخصية.

دلّت الشواهد في سوريا والعراق وليبيا أنّ ثمة توظيفاً سياسياً للجماعات المتشددة في إطار المحور التركي-القطري بالمنطقة العربية

وطرح نواب "الحزب الدستوري الحر" المعارض عريضة لجمع توقيعات زملائهم في المجلس، تمهيداً لسحب الثقة من الغنوشي وإقالته. هذا غير متوقع بالطبع، وسعى الغنوشي إلى الدفاع عن خطوته، متذرعاً بأنّها كانت زيارة "شخصية حزبية، ولا علاقة لها بتمثيل البرلمان"، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الألمانية.

وكانت الزيارة المفاجئة أثارت جدلاً في تونس، كما تقول صحيفة "الشرق الأوسط"؛ كونها جاءت بعد ساعات من تصويت البرلمان ضد منح الثقة للحكومة المقترحة من مرشح "النهضة" الحبيب الجملي، كما تأتي بعد أسابيع قليلة من زيارة غير معلنة لأردوغان إلى تونس في ظل التحضير لتدخّل عسكري في ليبيا آنذاك.

اقرأ أيضاً: هل تسببت خسارة أنقرة لشركائها الإقليميين بتحوّل أنظارها نحو ليبيا؟

وإذْ تتشابه ميكافيلية الوكلاء والحلفاء، يقول تحليل نشره موقع "دويتشه فيله" الألماني إنّه بعد الانتخابات الأخيرة في تونس، أبرم الغنوشي صفقة مع خصمه نبيل القروي زعيم حزب "قلب تونس"، منحته رئاسة مجلس النواب. وبعد انتخابه على رأس البرلمان، صرّح بأنّ السلطة التشريعية هي قلب النظام السياسي في تونس، وهو لم يكن مخطئاً في ذلك، بحكم الطابع البرلماني للنظام السياسي الذي أقره دستور 2014. لكن الغنوشي بعد فشل حزبه في تشكيل حكومة جديدة، يبدو أضعف مما كان عليه في السابق. ويتفق المحللون، تضيف "دويتشه فيله" بأنّه تعرض إلى انتكاسة، يصفها خصومه بـ "الهزيمة المدوية".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية