هل يسعى إخوان المغرب فعلاً لفصل الدين عن السياسية؟

هل يسعى إخوان المغرب فعلاً لفصل الدين عن السياسية؟

هل يسعى إخوان المغرب فعلاً لفصل الدين عن السياسية؟


05/03/2024

لا زال العقل الإخواني في المنطقة مصراً على التعامل مع أحداث الساحة، بنفس العقلية المؤسسة لهذا المشروع، مع إصرار صريح على أخذ العبرة من دروس الماضي والحاضر، ومنها درس مؤرق للمشروع الإسلامي الحركي بشكل عام، عنوانه الفشل التام في الظفر بثقة شعوب المنطقة؛ فالأحرى الظفر بثقة صناع القرار، وذلك بعد عقود من العمل النظري والميداني من أجل تحقيق حلم المشروع: أسلمة المجتمعات والأنظمة والدول.

اقرأ أيضاً: بقايا الغموض: كيف دمّرت السرية الثقة بالإخوان المسلمين؟
من بين مؤشرات هذا الفشل، نعاين ذلك الإصرار على تكرار نفس الأخطاء الميدانية، لاعتقاد قادة هذا المشروع، هنا وهناك، أنّ تكرار نفس الأخطاء لا يُفيد حصد نفس النتائج، وهذه مغالطة منطقية وميدانية، لا يزال هؤلاء تحت تأثير تخديرها المفاهيمي.

 

نتوقف هنا عند مثال واحد في هذا السياق، ويهم أطروحة روّجت لها العديد من الحركات الإسلامية الإخوانية بالتحديد، خلال العقدين الأخيرين على الخصوص، وبدرجة أفصح بعد أحداث "الربيع العربي"، وعنوانها "الدعوة إلى فصل الدين عن السياسة"، وحتى لا نتيه من كثرة الوقائع، نتوقف عند الحالة الإخوانية في نسختها المغربية.

 

إحدى أزمات تفاعل النخبة الفكرية والإعلامية والسياسية مع المشروع الإخواني الجهل ببعض آليات ومفاهيم اشتغال هذا المشروع

بين الفينة والأخرى، تصدر بلاغات عن قيادة حركة "التوحيد والإصلاح" المغربية، باعتبارها حركة إخوانية أساساً، تفيد أنّ هناك توجهاً نحو تكريس الفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي؛ أي توجه بين إحداث قطيعة نظرية بين ما يصدر عن الحركة من جهة، وبين ما يصدر عن حزب "العدالة والتنمية"، على أساس أنّ هذا الأخير، هو الواجهة السياسية للحركة الإسلامية، أو العكس، بمعنى أنّ الحركة المعنية هنا، هي الواجهة الدعوية للحزب السياسي، على غرار ما نُعاين مع مشروع جماعة "العدل والإحسان" المحظورة، التي تتوزع على "مجلس شورى" و"دائرة سياسية" وهياكل أخرى.
هذه البلاغات تتطلب بعض التدقيق، أقلّه أنّنا إزاء شعار تروّجه حركة "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية"، في سياق مواجهة الانتقادات التي توجّه إلى هذا المشروع حول الجمع بين العمل الدعوي والعمل السياسي، وتأثيره في الساحة، وخاصة الساحة السياسية؛ لأن الخطاب الدعوي في المجتمعات المسلمة بشكل عام، خطاب مؤثر في التأثير، وبالتالي مؤثر في الاستقطاب. وأخذاً بعين الاعتبار حضور أعضاء الحركة في المؤسسات الدينية والمؤسسات التعليمية والمساجد ومنظمات المجتمع المدني، فطبيعي أن يكون خطابهم مؤثراً في سياق استقطاب الناخبين.

اقرأ أيضاً: كيف أصبحت البرجوازية الصغيرة حاضنة لجماعة الإخوان؟
يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أيضاً، أنّ بعض أسباب هذه الدعاوى الموجهة للاستهلاك الإعلامي والسياسي وغيره، مرتبطة ببعض المستجدات المحلية والإقليمية؛ حيث تقتضي هذه المستجدات، اللجوء المؤقت إلى هذا الخطاب، ولكن الأمر لا يتجاوز سقف إعلان نوايا، على غرار ما عاينا في تونس مع حركة "النهضة" التي روّجت نفس شعار الفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي في غضون 2017، والأمر نفسه مع المشروع الإخواني في الحالة الفرنسية، مع تغيير اسم "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" (وهو اتحاد محسوب على الحركة الإسلامية، في نسختها الإخوانية)، نحو "اتحاد مسلمي فرنسا"، ولو إنّ هذه المعضلة كرّست أزمة الإسلاموية في فرنسا؛ لأنه لا أحد من مسلمي فرنسا، من غير الإسلاميين بالتحديد، زعم أنّ هذه المنظمة تمثله أمام السلطات الفرنسية.

يساهم الجهل بآليات المشروع الإخواني في تكريس التضليل الذي يمارسه هؤلاء، ومن نتائجه أنّهم يجدون مساحة للاختراق أكثر

لا يتجاوز مقام هذه الدعاوى الإسلامية الحركية، سقف إعلان نوايا، لأن واقع الحال يفيد أنّ عملية الفصل التنظيمي ليست سهلة كما يُرَوّج قادة المشروع، بسبب عدة اعتبارات، أقلها أنّ المتديّن الإسلامي الحركي، ومن ذلك المتديّن الإخواني، تربى على هذا التماهي القائم منذ عقود، ولا يمكن أن نطلب منه الاشتغال على التحرر من التماهي بين ليلة وضحاها؛ أي إنّه طيلة عقود وهو مؤمن برسالة مجتمعية، تنهل من مرجعية إسلامية حركية، تقتضي منه أن يشتغل على جميع الجبهات من أجل تفعيل وتحقيق مشروع الأسلمة؛ أي أسلمة المجتمع والنظام والدولة، كما سطرت ذلك أدبيات أبو الأعلى المودودي وسيد قطب وفتحي يكن واللائحة تطول، دون الحديث عن أدبيات الإسلاميين المغاربة، وفي الأخير، نطلب منه أن ينسى تلك الأدبيات؛ لأنها لم تعد صالحة اليوم، في إطار تفعيل المراجعات، وهي مراجعات قائمة بشكل نسبي عند جزء من أتباع المشروع، وخاصة الشباب الذي لم يطلع على الأدبيات المؤسسة لأغلب المشاريع الحركية الإسلامية، ولكن من الصعب أن ننتظر مراجعات صريحة ومفصلية مع الأعضاء المؤسسين؛ لأن عملية النهل هذه تترك آثاراً نفسية وعقلية على المعني بها، وكلما طالت مدة النهل، كانت عملية المراجعة صعبة، ونحن نفترض سلفاً أنّنا إزاء مراجعة حقيقية، تمهّد لفصل صارم بين العمل الدعوي والعمل السياسي.

 

أما الزعم بأنّ هذا الخطاب الداعي إلى الفصل بين الدعوة والسياسية، قد يُفضي إلى التقليل من انتشار المشروع في الساحة، كما يدعي بعض المتتبعين أو بعض المتفائلين، فالمسألة نسبية، وبالكاد تهم بعض أتباع الحركة الإسلامية المعنية ــ أي حركة "التوحيد والإصلاح" ــ من الذين أخذوا مسافة، على غرار ما عاينا لدى جماعة "العدل والإحسان"، بعد وفاة الشيخ عبد السلام ياسين، ولكن الحركة اليوم، حاضرة ومتغلغلة في أغلب مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسات الدينية والتعليمية، إضافة إلى العمل الجمعوي والأنشطة الثقافية والنقابية، فالأحرى الأنشطة الدعوية والتربوية وغيرها، ولا يمكن الحديث عن تراجع هذا المشروع، إذا كانت باقي المشاريع الإيديولوجية المنافسة متواضعة أو غائبة.

 

اقرأ أيضاً: الإخوان وإيران.. تحت عباءة الخميني
ونفس المعطى مع ترويج الأصوات ذاتها للتأثير السلبي لهذه الدعاوى على مرجعية الحزب الإسلامية، أو المرجعية الإسلامية الحركية بتعبير أدق؛ لأن المساس بمرجعية الحزب تحصيل حاصل، بسبب عدة تحولات منها؛ القضايا الأخلاقية، أو قضايا الفساد المالي والإداري، وهي السائدة لدى باقي الأحزاب، مع فارق أنّ المشروع هنا يدعي النهل من "المرجعية الإسلامية"، ولكن، موازاة مع الجزء الظاهر من جبل الثلج والخاص بالصورة السلبية، هناك الجزء الخفي، والأهم في آن، ويُفيد أنّه على أرض الواقع، هنا عمل ميداني مستمر، سواء مع الحركة أو مع الحزب، وفي جميع المستويات، الرسمية والجمعوية، في السياسة والدين والنقابة والثقافة والإعلام.. إلخ، دون الحديث عن دور الارتباطات الخارجية، من قبيل مشاركة قيادة الحركة في مؤتمر كوالامبور الأخير، رغم عدم المشاركة الرسمية للمغرب.

الفصل بين الدعوي والسياسي عند الحركة الإسلامية وهمي أو صوري وأشبه بدعاوى مجانية موجهة للاستهلاك الإعلامي

ومن نتائج هذا الكد الميداني، أنّه يغذي سباقات ما قبل محطة الاستحقاقات الانتخابية، خاصة أنّ الأمر هنا يهم أداء مشروع أو مَجَرة إسلامية حركية، تتضمن فاعلين يشتغلون في عدة مجالات، منها المجال الدعوي والسياسي والإعلامي والنقابي والنسائي والحقوقي والطلابي.. إلخ. ويمكن التأكد من هذا التماهي القائم بين هذه المجالات أثناء الحملات الانتخابية؛ حيث يصبح الخطاب موحداً، ولا يمكن حينها أن نفرق بين داعية ديني وداعية سياسي؛ لأن الخطاب موحد، بل إنّ الحملة الانتخابية، تعرف مشاركة وتضامن حتى باقي الإسلاميين مع الحركة والحزب، من قبيل بعض أتباع جماعة "العدل والإحسان" والتيار السلفي، فالأحرى أعضاء المَجَرة ذاتها، وبالتالي، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى في معرض الحديث عما يسمى الفصل بين الدعوي والسياسي عند الحركة الإسلامية؛ لأنه فصل وهمي أو فصل صوري، ولا يعدو أن يكون هذا الخطاب موجهاً لمن لا يتابع طبيعة المشروع الإسلامي الحركي بشكل عام، بما في ذلك نسبة كبيرة من النخبة السياسية والفكرية والدينية والإعلامية وغيرها، أما بالنسبة للمتتبعين، وخاصة بالنسبة لأتباع المَجَرة، فهم أدرى بأنّ هذه الدعاوى أشبه بدعاوى مجانية، موجهة للاستهلاك الإعلامي، بشكل أو بآخر، وبعيدة عن معطيات الواقع الإسلامي الحركي.

اقرأ أيضاً: هل تدرج أمريكا الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب؟
إحدى أزمات تفاعل النخبة الفكرية والإعلامية والسياسية مع المشروع الإخواني، أنّ الجهل ببعض آليات ومفاهيم اشتغال هذا المشروع، من قبيل التقية والازدواجية والتمكين.. إلخ، تساهم في تكريس التضليل الذي يمارسه هؤلاء، ومن نتائج ذلك، أنّ المشروع يجد مساحة للاختراق أكثر، في مجتمعات كانت محصنة في مرحلة تاريخية ضد هذه المشاريع الأيديولوجية وغيرها، ولكنها تعرضت لتشوّهات في هويتها الدينية والثقافية.

الصفحة الرئيسية