الدوحة وأنقرة والخرطوم.. لماذا اختارها الإخوان؟

الدوحة وأنقرة والخرطوم.. لماذا اختارها الإخوان؟


06/12/2020

عندما أدرك الإخوان هزيمتهم أمام الشعب المصري وجيشه، في العام 2013، فرّوا إلى ثلاث عواصم؛ الأولى الخرطوم، والثانية الدوحة، والثالثة أنقرة، لم يكن هروباً عشوائياً، بل كان عملاً منظّماً، وُضعت له الخطط والخطط البديلة، ورُصدت له الميزانيات، وتم تجهيز آليات الانتقال.

الخرطوم شهدت حضوراً إسلامياً قوياً منذ انقلاب البشير ووصوله إلى سدة الحكم في العام 1989

إنّ تفسير العلاقة بين الدول الثلاث وتنظيم الإخوان، من منظور الانتماء الفكري الأيديولوحي هو تبسيط مخلّ، من الواضح أنّ ثمة علاقة جمعت العواصم الثلاث بالإخوان المسلمين، جزء منها التنظيم، وجزء منها الرابطة الفكرية؛ فالعواصم الثلاث وإن أعلنت الترحيب بقادة الإخوان والفارّين من التنظيم وسمحت لهم بالتواجد، لكنها في الوقت نفسه لم تسمح لهم بإنشاء منظمات أو كيانات مختلطة بين الإخوان المسلمين المصريين والأتراك أو القطريين، فمن الواضح أنّ ما يجمعهم أكبر من الفكرة ومن التنظيم.

تحولت الخرطوم بعد عزل البشير من مأوى للفارين من الإخوان إلى عاصمة يفرون منها

فقد شهدت العواصم الثلاث مواقف متباينة من فكر الإخوان ومن التنظيم؛ فالدوحة تعرّفت على فكر الإخوان المسلمين في منتصف القرن الماضي عندما وصل إليها بعض الإخوان الفارّون من صراع الجماعة وقادة ثورة يوليو في العام 1954، ومنهم: عبد البديع الصقر، ويوسف القرضاوي، وعبد المعز عبدالستار، وأحمد العسّال، وكمال ناجي، واستطاعوا كذلك أنْ يقيموا علاقات جيدة مع الأسرة الحاكمة، ويتمتعوا باحترامها وثقتها.
ونظراً لوجود هؤلاء القادة التربويين وتوغّلهم في المجتمع القطري ومؤسسات الدولة، قاموا بتجنيد مجموعة من الشباب على رأسهم جاسم سلطان، ثم قرروا تأسيس فرع لتنظيم الإخوان المسلمين في قطر، العام 1975، نشط التنظيم في مطلع الثمانينيات مع توافد مجموعة من الإخوان المسلمين السوريين إلى قطر، بعد الصدام الدامي مع النظام، العام 1982، كما استمر تركّز نشاط التنظيم في الجانب الدعوي والتربوي.

اقرأ أيضاً: هل لقطر أذرع خفيّة في السودان؟
وفي خلال فترة حكم الأمير الشيخ حمد، اتخذ التنظيم (الفرع القطري) قراراً غامضاً ومفاجئاً؛ فقد حلّ نفسه العام 1999، وقتها لم يفهم المتابعون الدافع من وراء القرار، فلم يكن ثمة صدامات مع السلطة، ولا يوجد تهديد مباشر أو غير مباشر على الإخوان القطريين، ثم وضح السبب في الأعوام التالية، فقد شنّت الولايات المتحدة حرباً على العراق في 2003، وبدأت تتواصل مع أطراف الإسلام السياسي في العالم، فاجتمعت مع قادة الإخوان فيما يعرف باجتماع النادي السويسري، ذلك الاجتماع الذي تقرّبت فيه الجماعة من صناع القرار الغربي (الأوروبي والأمريكي) وبدّدت مخاوفهم من تصرف الجماعة حيال وصولهم للحكم.

عندما أدرك الإخوان هزيمتهم في مصر العام 2013 فرّوا إلى 3 عواصم: الخرطوم والدوحة وأنقرة

وفي نفس الوقت وصل أردوغان إلى الحكم، منشقّاً عن معلمه وأستاذه والأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا "نجم الدين أربكان"؛ فالإخوان في تركيا لم يكن لهم تنظيم تابع لهم كفرع من الجماعة، لكن كان لهم الأخطر هو وجود تيار يؤمن بأفكارهم، فتركيا منذ كمال أتاتورك وهي دولة علمانية وحريصة على مظاهر العلمانية، وفي خمسينيات القرن الماضي بدأ بعض السياسيين الأتراك في الإفصاح عن ميولهم الإسلامية ومحاولتهم الاستفادة من المكانة الشعبية للإسلام هناك في تقديم أفكارهم الإخوانية، لكن أغلبية النخبة العلمانية الحاكمة لتركيا أبدت اعتراضها على خلط الدين بالسياسة.
وبحلول السبعينيات من القرن الماضي ظهر جيل من السياسيين الإسلاميين الأتراك، كان على رأسهم نجم الدين أربكان الذي استخدم منهجاً مثل منهج الإخوان، في تربية أعضاء حزبه، وإن لم يسمح أن يكوّنوا تنظيماً سرياً تابعاً للإخوان، فكوّن حزب النظام الوطني في العام 1970، كأول تنظيم سياسي ذي هوية إسلامية تعرفه الدولة التركية الحديثة منذ إقرار العلمانية.

اقرأ أيضاً: إخوان السودان يعودون مجدداً للمتاجرة بالشعارات الدينية.. فهل ينجحون؟
وبعد انتخابات 14/10/1973 شكّل حزب السلامة مع حزب الشعب ائتلافاً وزارياً أحرز فيه أربكان منصب نائب رئيس الوزراء، كما نال الحزب سبع وزارات، هذا الاستقرار في بداية سبعينيات القرن الماضي شهد عودة ما يسمى بالصحوة الإسلامية، في العالم العربي والإسلامي، فأرسل نجم الدين أربكان تلميذه النابه "رجب طيب أردوغان" للمشاركة في المؤتمر العالمي للندوة العالمية للشباب الإسلامي، وخلال القمة تمكن أردوغان من تكوين صداقات مع عدد من الأشخاص الذين أصبحوا بعد ذلك قيادات لحركات وتنظيمات تابعة لجماعة الإخوان كبرهان الدين ربّاني، الذي قاد التنظيم الإخواني في أفغانستان، وأنور إبراهيم نائب رئيس الوزراء الماليزي السابق.
استمر تيار الإخوان مسيطراً (فكرياً) على أعضاء حزب السلامة الذي تحوّل إلى حزب السعادة ثم حزب الرفاه، وأصبح أردوغان الرجل الثاني خلال التسعينيات، قبل أن ينشق عن أستاذه ويؤسس حزب "العدالة والتنمية" العام 2001، ويصل إلى سدة الحكم في العام 2002، في هذه المرحلة قرر أردوغان الاستثمار في الإسلام السياسي، لم يجد أفضل من قطر لتنفذ معه مشروع السيطرة، فالمال الوفير والحدود الضيقة لا يجعل قطر دولة قوية إقليمياً، لكن بعد الشراكة من الممكن أن تصبح دولة قوية ذات نفوذ متعدّ، تحاول به أن تتساوى مع قوة دولة الإمارات أو المملكة العربية السعودية.

اقرأ أيضاً: ما هي المساعي الحقيقية لقطر في السودان؟
أما الخرطوم، التي شهدت حضوراً إسلامياً قوياً منذ انقلاب البشير ووصوله إلى سدة الحكم في العام 1989، فلم يكن لديها أي تعارض مع المشروع التركي القطري، ولا خلاف فكري مع جماعة الإخوان المسلمين، فرغم أنّ السطلة في السودان كانت بين حزبي المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي إلا أنّ الجذر الفكري للحزبين هي أفكار الإخوان المسلمين، مما يعني أنّه لم يكن ثمة أي معارضة تجاه استقبال الإخوان في الأراضي السودانية، فقط كل ما يحتاجه السودان التأمين السياسي والاقتصادي، فدولة ذات مساحة شاسعة تعاني من مشكلات مالية وتعاني من عزلة دولية، ورئيسها مطلوب للمحاكمة الدولية نظير جرائم الحرب في دارفور، من السهل استقطابها في المشروع التركي.

رغم ترحيب العواصم الثلاث بالإخوان الفارّين لكنها لم تسمح لهم بإنشاء منظمات أو كيانات مختلطة هناك

بالفعل شهدت العلاقات السودانية القطرية والتركية تطوراً في الجانب الاقتصادي، فقد وصلت قيمة استثمارات البلدين في الفترة التي تلت "الربيع العربي" في السودان إلى مليارات الدولارات، ففي كانون الأول (ديسمبر) 2017 وقّع الرئيس السوداني السابق عمر البشير مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان اتفاقاً يقضي بتشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، الذي كان مقرراً أن يجتمع مرة واحدة كل عام.
اعتبر السودان تشكيل المجلس خطوة مهمة لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد، لا سيما أنّ الخرطوم وأنقرة أعلنتا لاحقاً عن توقيع 12 اتفاقاً في المجالات الاقتصادية والعسكرية والزراعية، وبلغ حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين 500 مليون دولار، لكن أردوغان تعهد بزيادة استثمارات بلاده إلى مليار دولار كخطوة أولية وتمهيدية للوصول إلى 10 مليارات دولار.

اقرأ أيضاً: إخوان تونس وإخوان السودان
بدورها، قامت قطر بنصيبها في الاستثمار في السودان فوقّعت كل من قطر والسودان صفقة بقيمة 4 مليارات دولار لتطوير ميناء سواكن شمال شرقي السودان، والذي بلغت تكلفته في المرحلة الأولى 500 مليون دولار، هكذا أصبحت الخرطوم قادرة على استقبال الفارّين من الإخوان وفق مخطط ثلاثي يقوم باستيعابهم، والإنفاق عليهم من قبل قطر، لم تكن السودان مجرد ملاذ آمن؛ إذ أثبتت الأحداث اللاحقة أنّ ما كان مخططاً أن تكون منصة أو نقطة ارتكاز ينطلق منها المتطرفون في عمليات حدودية ضد الدولة المصرية.
بيد أنّ متغيراً حدث في المخطط، عندما قام الشعب السوداني بثورته على الإخوان ككل ورفضهم القاطع لحكمهم، أصيبت الدول التي دعمت نظام البشير بصدمة خشية فقدان مصالحها في السودان الثائر ضد البشير وضد الإخوان والإسلامويين، مما سبّب قلقاً في الدوحة وأنقرة، وأصبح أعوان قطر وتركيا في السودان مهدّدين نظراً لشبهات تورّط بعضهم في قضايا فساد مالي أو سياسي.

الدوحة عرفت فكر الإخوان منتصف الخمسينيات عندما وصل إليها بعض الفارّين من صراع الجماعة وقادة ثورة يوليو

دفع هذا بعض الإخوان إلى تكوين شبكة منظمة تعمل على تسهيل انتقال أفراد وعائلات وأموال عناصر تنظيم الإخوان الفارّين من السودان إلى تركيا، سواء المصريون أو السودانيون، وحسب "سكاي نيوز" فإنّ السلطات السودانية رصدت واقعتين ذاتَي دلالة في هذا السياق خلال الأسابيع الماضية، الأولى تتعلق بأمر القبض الذي حررته نيابة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بحق الإخواني عصام البشير المقرب من النظام المعزول، بعد تورطه في تحويل مئات الآلاف من اليوروهات إلى حسابه في أحد البنوك التركية، أما الواقعة الثانية فهي منح تركيا إشارة بث لقناة "طيبة" المملوكة للإخوان، التي يديرها عبد الحي يوسف أحد أكبر الداعمين لنظام البشير، هكذا تحولت الخرطوم من عاصمة تؤوي الفارين من الإخوان الى عاصمة يفر منها الإخوان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية