حين عضّ الجوعُ السوريين في السويداء فهتفوا "بدنا نعيش"

سوريا

حين عضّ الجوعُ السوريين في السويداء فهتفوا "بدنا نعيش"


30/01/2020

منتصف الشهر الجاري، خرجت مظاهرة في مدينة السويداء في سوريا، احتجاجاً على الأزمة المعيشية التي تعاني منها البلاد، وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وقد نقلت وكالة "سانا" السورية الرسمية الخبر على أنّه "تجمّع بضعة أشخاص في ساحة السيد الرئيس، أو فيما تعرف بساحة السير، وسط مدينة السويداء، وبدؤوا بالهتاف: "بدنا نعيش بدنا نعيش" اعتراضاً على الواقع المعيشي".

التظاهرات تزامنت مع انخفاض لسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار؛ بلغ سعر صرف الليرة مقابل الدولار 1085 للشراء و1100 للمبيع

تزامن ذلك مع انخفاض حادّ لسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار؛ إذ في يوم خروج المظاهرة في السويداء، بلغ سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي 1085 للشراء و1100 للمبيع.
لكنّ الاحتجاجات لم تتوقف؛ بل استمرت في الأيام التالية؛ إذ انتقلت الاحتجاجات إلى مدينة شهبا، ورفعت الشعارات نفسها التي رفعت بساحة السير، حاملة المطالب نفسها، كما وصف المحتجون الإعلام السوري بـ "الإعلام الكاذب".
تزامنت الاحتجاجات التي شهدتها مدينة السويداء مع تصريحات لمستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان، في مقابلة على قناة "الميادين"، قالت فيها إنّ "الاقتصاد السوري أفضل بـ 50 مرة مما كان عليه عام 2011، وأثارت هذه التصريحات جدلاً واسعاً وسخرية من السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي.

انخفاض حادّ لسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار
خروج المظاهرات في مدينة السويداء واستمرارها لاقى صدىً واسعاً عند السوريين داخل سوريا وخارجها؛ إذ لم يتوقع أحد خروج مظاهرات في مناطق ما تزال تخضع لسيطرة النظام، سواء كان الناس في هذه المناطق موالين للنظام السوري أو معارضين له، لكنّ سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية للسوريين داخل سوريا وصل لمرحلة بات الجميع يتوقع حدوث مجاعات كبيرة في البلاد.
"بدنا نعيش"
فيما يخصّ الاحتجاجات في السويداء، التقت "حفريات" الشاب وضاح (آثر التعريف بنفسه باسمه الأول فقط)، والشابة الناشطة في حملة "بدنا نعيش"، جيهان سعد (اسم مستعار)، من مدينة السويداء، اللذين شاركا في المظاهرات الأخيرة في المدينة.
يقول وضاح: "لم يكن الحراك الذي حصل في مدينة السويداء شيئاً مستبعداً، ولم يكن أمراً مفاجئاً، وصلنا لمرحلة في السويداء، بات فيها راتب الموظف السوري لا يكفيه سوى لشراء زجاجة زيت فقط، ووصلنا لمرحلة بات الناس فيها لا يملكون ثمن كيلو السكر، الذي ارتفع سعره لمستوى عالٍ جداً".

اقرأ أيضاً: هل تحول الاحتجاجات في السويداء مجرى الأحداث في سوريا؟
وأضاف: "كلّ المنتجات الغذائية التي هي أساسية في حياة الناس، باتت أسعارها خيالية، ولم تعد رواتب الناس تكفيها، وباتوا جميعاً يعيشون بمستوى معيشي سيئ، الناس بالفعل بدؤوا يموتون من الجوع، والوضع يستمر في السوء، يوماً بعد يوم، ولا يتحسن، ولا توجد أيّة مبادرات، أيّ مسؤول يقول لنا إنّ هذه الأزمة لفترة صغيرة ومن ثم سيتحسن الوضع، لكنّ الوضع يزداد سوءاً، هذه هي الحقيقة".

خروج المظاهرات في مدينة السويداء واستمرارها لاقى صدىً واسعاً عند السوريين
يرى وضاح؛ أنّ الناس في السويداء ما عادت قادرة على تدفئة أولادها في فصل الشتاء، ولم يعد باستطاعتها تأمين الغذاء الأساسي لهم، كما هو الطبيعي والمفترض في أيّ مكان، بحسب تعبيره، مضيفاً أنّ "الواحد منا بات يعمل في أكثر من مهنة، وأكثر من وظيفة، كي يبقى على قيد الحياة، وليس من أجل الحصول على المال، ولا لتجميع ثروة".
تشجيع الناس على التعبير عن معاناتها
يقول وضاح: "حملة "بدنا نعيش" هدفها إيصال هذه المعاناة، ولتشجيع الناس على التعبير عن معاناتها، نحن ليس لدينا أية مطالب سياسية، ولا يوجد عندنا أيّ هدف لتغيير أحد، أو توجيه كلامنا لشخص معين، نحن نوجّه صوتنا للدولة كي تكون معنا، وكي تعرف "وجع الشعب"، وكي تكون على دراية بما يحدث للناس، وبأنّهم يموتون جوعاً، فمطالبنا هي مطالب شرعية، هي مطالب الشعب في حقّه، الذي من المفترض أن يُقدم له".
كما يرى وضاح؛ أنّ التفاعل مع حملة "بدنا نعيش" كان كبيراً، لكنّه لا يكفي "يجب أن يشارك عدد أكبر من الناس في الشارع، ويجب أن تقف الناس إلى جانب بعضها البعض، لأنّ هذا "الوجع" ليس وجع فرد واحد، إنما هو وجع محافظة السويداء كلها".

اقرأ أيضاً: تموز الأسود يغمر السويداء بالليل والدم مرة أخرى
ويتابع وضاح كلامه، بقوله: "بدأنا بأعدادٍ قليلة من الأشخاص، بعد ذلك بدأ العدد يزداد، والناس تتفاعل فيما بينها، وبتنا نخرج إلى الشارع كلّ يوم، كي نستمر بإيصال صوتنا؛ إذ إنّه في حال خرجنا يوماً واحداً إلى الشارع، ومن ثم سكتنا، لن يردّ علينا أحد، ونتيجة خروجنا هذا، صار هناك ردّات فعل إيجابية، وبعض الأمور الجيدة للمحافظة، مثل وصول بعض المشتقات النفطية للمحافظة بشكل أفضل من ذي قبل، وبما أننا حققنا نتائج إيجابية لحملتنا، فنحن نريد المتابعة والاستمرار".

 الشعب الذي نزل إلى الشارع ليس جاهلاً ولا غبياً
ولم ينكر وضاح؛ أنّهم في السويداء يتعرضون للمحاربة من جهات عديدة وكثيرة، لكنّهم يتأملون أن يكون للحملة تأثير إيجابي، ويرى أيضاً أنّ معاناتهم حقيقة، ولأنّ ما يقومون به بعيد كلّ البعد عن الأهداف الشخصية. يقول وضاح: "عندما يكون الفرد الواحد يتحدث بوجع الناس كلها، بالتأكيد لن تكون وقفتنا في الشارع بلا معنى، وبالتأكيد ستتحقق الأهداف التي نريدها، والتي تشمل كلّ مواطن".
تأييد الحراك
فيما يخصّ تداول حملة "بدنا نعيش" من قبل السوريين، الذين يعيشون خارج سوريا علّق وضاح: "حدثت بعض المشكلات، بالنسبة إليّ شخصياً، أهتمّ لصوت السوري الذي يعيش على أرض الواقع في سوريا، أكثر من صوت السوري الذي يعيش في الخارج، لعدة أسباب منها؛ أننا منذ ما يقارب التسعة أعوام، "عايشين على الأرض"، نعرف بنسبة 100% ما يحدث على الأرض"، مضيفاً: "آراء السوريين في الخارج، كانت في أغلبها مؤيدة لحراكنا، لأنّ مطالبنا محقة وشرعية، نحن نعرف الانقسام الحاد بين السوريين بين مؤيد ومعارض"، وعندما سألنا وضاح عن تأثير هذا الانقسام على المظاهرات؟ فأجاب: "المشاكل التي من الممكن أن يسببها السوريون في الخارج، هي أنّ توجههم السياسي معروف جداً اليوم، ولنجعل الناس تقف معنا وتصدقنا، يجب أن تعرف جيداً أنه ليس لدينا أيّ توجه سياسي.

اقرأ أيضاً: قصة امرأة من السويداء وقفت في وجه داعش وهي مصابة!
اليوم عندما يقوم أيّ أحد من السوريين في الخارج بالتضامن معنا والوقوف إلى جانبنا، أكون ممتناً جداً له، لكن بالنسبة إلى الشارع وإلى الوضع داخل البلد، والرأي العام هنا، تكون نتائج ذلك التضامن شيء غير جيدة لنا، ويقوم البعض نتيجة ذلك بتخويننا، ويصل حدّ اتهام البعض لنا بأنّ هناك جهة تمولنا (تخيل! إلى هذه الدرجة)".
أما الناشطة في حملة "بدنا نعيش"، جيهان سعد، فقالت لـ "حفريات": "أحبّ أن أوضح بداية هنا؛ أنّ "الحكومة" للأسف لا تريد أن تفهم أننا لسنا "معارضة"، بل نحنا أناس جوعى، خرجنا للشارع لقول "بدنا نعيش" فقط، إذ يجري اليوم ترجمة الحراك بطريقة خاطئة، وكلّ جهة تحاول تسييسها لصالحها، لذلك يجب توضيح أنّ هذه المطالب ليست من أجل إسقاط النظام، بل هي مطالب "الجوع"".
الناس في السويداء ما عادت قادرة على تدفئة أولادها في فصل الشتاء

الشعب ليس جاهلاً
وأضافت جيهان: "الحزب العمالي مثلاً، حاول أن يطغى على الشارع، وأن يستخدم شعاراته، لكنّ الشعب الذي نزل إلى الشارع ليس جاهلاً ولا غبياً، لذلك حاولنا أن نكون يداً واحدة لمنع "التسييس" و"الطائفية" داخل الحراك، فهناك بعض الأشخاص دخلوا بيننا، ورفعوا العلم السوري الأخضر ذا النجمات الثلاث، إضافة إلى شعارات "مبغضة"، لكنّ الناس في الشارع كانوا متيقظين لما حدث".
وتتابع جيهان كلامها: ""صدقاً جعنا"، لا يوجد عمل في مدينة السويداء، هناك ركود اقتصادي مخيف، السويداء منطقة جبلية، لا يوجد فيها لا محروقات ولا غاز، لا يوجد شيء، الناس هنا تموت من البرد، ومن الطبيعي حين يجري الضغط على الناس، أن يغضبوا، وينزلوا الشارع".

المواطنة السورية جيهان: لم نطلب المعجزات، كلّ ما نريده هو محاسبة الفاسدين والمسؤولين، ومحاسبة تجار "الأزمة"

وترى جيهان؛ أنّ الحكومة لا تعطي المجال للناس لإيصال أصواتهم، والمطالبة بحقوقهم المشروعة، بالطرق والأساليب المشروعة، بل تزيد الضغط عليهم، بحسب تعبيرها.
تقول جيهان: "السلمية ورفض العنف والحفاظ على الممتلكات العامة هو واجب تفرضه إنسانيتنا، كوننا شباباً واعياً في الشارع، لا نريد أيّة شعارات سياسية أو قومية أو طائفية، نحنا بس "#بدنا_نعيش"، وهذا ما تقوم الدولة بإدراته وصياغته بشكلٍ خاطئ"، مضيفة: "المطالب محقة لكامل الشعب السوري، وهي؛ تحسين الوضع المعيشي والأمني، وأن تشمل هذه المطالب جميع الموجوعين من السوريين، دون النظر لدين أو انتماء؛ فليس هدفنا تقسيم البلد من جديد، فقلوبنا تعبت من الأوجاع التي مررنا بها". 
وتختم جيهان كلامها: "نحن لم نطلب المعجزات، كلّ ما نريده هو محاسبة الفاسدين والمسؤولين، ومحاسبة تجار "الأزمة"، كما نطالب في تشكيل حكومة جديدة إنقاذية، من رئيس مجلس وزراء، إضافة إلى مسؤولين لديهم الخبرة، للعمل الجدّي لإنقاذ البلد من الكارثة الحاصلة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية