"الجهادي الهادئ".. ماذا تعرف عن الأب الروحي لأبي مصعب الزرقاوي؟

"الجهادي الهادئ".. ماذا تعرف عن الأب الروحي لأبي مصعب الزرقاوي؟


30/01/2020

هناك شبه إجماع بين خبراء ومتابعي تطورات السلفية الحديثة، والسلفية الجهادية، خاصة في الأردن والعالم العربي، بأنّ عصام طاهر البرقاوي، الملقب بـ "أبو محمد المقدسي"، وهو أردني من أصل فلسطيني، يعتبر من أبرز منظري تيار السلفية الجهادية المعاصرة، وقد بدأت شهرته بعد نشره كتاب "ملة إبراهيم"، الذي كفّر فيه السعودية.
المقدسي و"جماعة التوحيد"
اعتقلت السلطات الأردنية المقدسي لأسباب أمنية تتعلق بالإرهاب مرات عديدة؛ من أشهرها عام 1994 عندما تمّ اعتقال أعضاء "تنظيم بيعة الإمام"، أو ما يسميه أعضاؤه "جماعة التوحيد"، الذي كان يضم أبو مصعب الزرقاوي، وعبد المجيد إبراهيم المجالي المُلقّب بـ "أبو قتيبة الأردني"، إلى جانب  14 عضواً آخر.


وأفتى المقدسي للجماعة بجواز القيام بعملية ضد قوات الاحتلال الصهيوني في فلسطين، على إثر مذبحة المسجد الإبراهيمي في الخليل، التي نفذها المتطرف الصهيوني باروخ غولدشتاين، 25 شباط (فبراير) 1994، وقتل فيها 29 مصلياً، وخلّفت 150 جريحاً، قبل أن ينقض عليه مصلون آخرون ويقتلوه، كما أمدّ المقدسي التنظيم بالقنابل والأسلحة، التي كان قد جلبها معه من الكويت بعد انسحاب الجيش العراقي عام 1992، وهرّبها ضمن أثاث بيته، وكانت عبارة عن 4 ألغام مضادة للأفراد، و7 قنابل يدوية، ومجموعة من الصواعق، وذلك كما جاء في إفادة المقدسي لمحكمة أمن الدولة الأردنية التي وثقها الباحث الأردني فؤاد حسين في كتابه المهم "الزرقاوي الجيل الثاني للقاعدة"، الذي سبق أن قدمنا عرضاً له في حفريات.
المقدسي والزرقاوي
اعتبر المقدسي الأب الروحي لأبي مصعب الزرقاوي منذ التقاه في باكستان عام 1993، ثم عندما جمعهما السجن 1994، حتى انتهت تلك العلاقة بطريقة عنيفة نتيجة لاختلاف الاجتهادات بين الطرفين، خاصة بعد الإفراج عنهم بعفو ملكي عام في آذار (مارس) 1999.   
الجهادي الهادئ
بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية ضد أمريكا، أفتى المقدسي بمشروعية هذه العمليات ودافع عن المهاجمين، وألف رسالة بعنوان "هذا ما أدين الله به"، ثم اعتقل على إثر ذلك لعدة أشهر، ويمكن القول بأنّه منذ هذا التاريخ بدأت مرحلة أخرى في سيرة المقدسي، حيث أصبح محط أنظار الغرب وأجهزته الاستخبارية والأمنية ومثار اهتمام الباحثين أيضاً.

اقرأ أيضاً: الإرهاب.. أول الدم من الزرقاوي إلى البغدادي
ومن هنا جاء كتاب؛ "الجهادي الهادئ: أيديولوجية وتأثير أبو محمد المقدسي" للباحث الهولندي يواس فجيمكرز "Joas Wagemakers"، الأستاذ المساعد للدراسات الإسلامية والعربية في جامعة أوترخت في هولندا.
وصدرت الطبعة الأولى من الكتاب، الذي يتكون من 312 صفحة، عام 2012 باللغة الإنجليزية؛ حيث استند المؤلف إلى أطروحته لنيل الدكتوراه في كتابة الكتاب.

غلاف الكتاب
ويتألف الكتاب من مقدمة و4 أجزاء مقسمة إلى مراحل تاريخية ومباحث، إضافة الى قائمة مفيدة جداً من معاني المصطلحات الإسلامية الواردة في الكتاب؛ الذي تناول حياة المقدسي منذ الطفولة وتنقله من السلفية المحافظة إلى الجهادية وعلاقته مع "أبو مصعب الزرقاوي" وتنظيم القاعدة والجهاد العالمي، ثم تأثيره في المعارضين الإسلاميين السعوديين، خاصة بعد حرب الخليج الأولى وظهور تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وصولاً إلى طروحات المقدسي في مسائل الجهاد والولاء والبراء والاستعانة بالكفار، وهي المسائل الرئيسة التي وسّعت الطريق للسلفية الجهادية المقاتلة، وفي الجزء الرابع يتحدث المؤلف عن تأثير المقدسي كشخص صاحب رؤية "مُبصر في أرض العميان"، كما يصفه المؤلف (ص208)، وكزعيم للسلفيين في الأردن، فضلاً عن حديثه عن تجربة السجن في الأردن. 

يقدم المؤلف منظوراً بديلاً وداخلياً عن صعود الإسلام الراديكالي مع التركيز على حركات المعارضة السلفية

بشكل عام يقول المؤلف، إنّ الأردني أبو محمد المقدسي المولود في قرية برقة في مدينة نابلس الفلسطينية، عام 1959، برز بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001 كأحد أهم المفكرين المسلمين الراديكاليين الأحياء، وفي حين أنه قد لا يكون اسماً معروفاً في الغرب، إلّا أنّ تأثيره بين المسلمين المتشابهين في التفكير يمتد عبر العالم من الأردن، حيث يعيش اليوم، إلى جنوب شرق آسيا، وقد ألهمت كتاباته وتعاليمه بشأن الإسلام السلفي الإرهابيين من أوروبا إلى الشرق الأوسط، بمن فيهم أبو مصعب الزرقاوي، وأيمن الظواهري، زعيم القاعدة الحالي، والتيار المتشدد في تنظيم "حراس الدين" الممثل لتنظيم القاعدة في سوريا.


ويمكن أنّ يُعد هذا الكتاب أول تقييم شامل للمقدسي وحياته وأيديولوجيته ونفوذه، يشرح ويفسر النسخة السلفية التي يمثلها المقدسّي، يستند فيه المؤلف إلى كتابات المقدسي نفسه وكتابات الجهاديين الآخرين، وكذلك إلى المقابلات التي أجراها المؤلف مع الجهاديين السابقين بمن فيهم المقدسي نفسه؛ حيث زاره في بيته أكثر من مرة وتناول عنده الطعام، إضافة إلى مقابلة بعض أهم السلفيين السابقين والخبراء الأردنيين مثل حسن أبو هنية، ومروان شحادة، والباحث فؤاد حسين.

أمدّ المقدسي تنظيم بيعة الإمام بالأسلحة التي جلبها معه من الكويت بعد انسحاب الجيش العراقي 1992 وهرّبها مع أثاث بيته

كما يقدّم المؤلف منظوراً بديلاً وداخلياً عن صعود الإسلام الراديكالي، مع التركيز بشكل خاص على حركات المعارضة السلفية في المملكة العربية السعودية والأردن.
ويتخصص المؤلف بالحركة والتيارات السلفية، وقد سبق أن قدمنا قراءة لكتابه الآخر عن السلفية في الأردن الذي كان بعنوان "السلفية في الأردن: الإسلام السياسي في مجتمع هادئ"، وقد سبق أن ذكرت بأنّ المؤلف يقصد بمفهوم "هادئ"، و"السلفية الهادئة"؛ السلفية المحافظة المعارضة للسلفية الجهادية أو المقاتلة التي يمثلها المقدسي.
في الخلاصة؛ فإنه سواء وافقنا المؤلف في تسمية المقدسي بالجهادي "الهادئ" أو "المحافظ"؛ يبدو أنّ فجيمكرز قد قام بعملية استكشاف معرفية غير مسبوقة؛ كما أنّها محايدة بالنسبة لباحث غربي.
لكنّ الهدف الرئيس من عملية البحث المضني؛ هو الوقوف على حقيقة سيرة ومواقف المقدسي باعتباره رمزاً ومنظراً لتيار ديني طوباوي عنيف وعنيد، ما يزال العالم الغربي يقف عاجزاً عن فهم محركاته الأيديولوجية، ولذلك يبحث عن الوسيلة والوصفة الأمثل لاتقاء شره ومعرفة كيفية مكافحته ومحاربته كلّما استدعت الضرورة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية