"صفعة القرن": خطة سلام أم صفقة مالية؟!

"صفعة القرن": خطة سلام أم صفقة مالية؟!


03/02/2020

بغياب أي ممثل عن السلطة الفلسطينية، وبمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ بنيامين نتنياهو، كشف الرئيس الأمريكي؛ دونالد ترامب، في 28 كانون الثاني (يناير)، عن خطته للسلام، المعروفة باسم "صفقة القرن"، والتي وضعتها إدارته لحلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ حيث تشمل "حل الدولتين"، والاعتراف بالقدس "عاصمة غير مقسَّمة لإسرائيل"، لتأخذ بذلك "صفقة القرن"، صفة رسمية، بعد أن كانت، حديث الأوساط الصحفية والسياسية والدبلوماسية، طوال العاميْن الماضييْن، وهو أمرٌ قد خفّف، نوعاً ما، من حِدَّة الصدمة في الأوساط العربية، الشعبية والحكومية، التي خلّفها الإعلان عن الصفقة!

تحتوي الصفقة على 179 مشروعاً للبنية التحتية وقطاع الأعمال بتكلفة قد تتجاوز الـ 50 مليار دولار لخدمة المنطقة الملتهبة

وممّا لا شك فيه، أنّ صفقة القرن تخدم إسرائيل، سيما أنّ "جاريد كوشنر"، صهر ترامب، وثيق الصلة بأسرة نتنياهو، قد أشرف بنفسه على إعداد تفاصيلها التي تحتلّ نحو 180 صفحة، مع طائفة من معاونيه، على رأسهم؛ ديفيد فريدمان، الذي عينه ترامب سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل، ومن المعروف أنّ فريدمان مرتبط بصلات وثيقة بحركة المستوطنين اليهود، ولا يكاد يعترف بأية حقوق فلسطينية في عودة اللاجئين، أو حتى إنشاء دولة فلسطينية مستقلّة، الأمر الذي يبرِّر الترحيب الإسرائيلي بتلك الصفقة، في مقابل الرفض الفلسطيني التام لها، خصوصاً، مع تضمّنها إعلان سيادة إسرائيلية كاملة على مدينة القدس الموحدة غير المقسَّمة، وفرض إسرائيل سيطرتها على غور الأردن (نحو 30 % من أراضي الضفة الغربية المحتلَّة)؛ ليشكّل حدود إسرائيل الشرقية، مع سيطرة إسرائيلية شبه كاملة على الضفة الغربية ومستوطناتها، وهو أمرٌ غير مقبول بالطبع في الأوساط الفلسطينية والأردنية، مهما تعهدت إسرائيل باحترام قدسية وتاريخ المسجد الأقصى، والاعتراف بدور الأردن، بالاشتراك مع الأمن الإسرائيلي، فيما يتعلق بحماية الأماكن المقدسة، بهدف السماح للمسلمين بزيارة المسجد الأقصى، ما يشي بأنَّ تلك الصفقة تحاول إثبات وتثبيت الوضع الحالي على الأرض، من خلال إضفاء شرعية قانونية لاستحواذ إسرائيل على أراضي الضفة الغربية، وإرضاء الفلسطينيين بشكل أو بآخَر؛ لذلك نتفق مع وصف موقع "ستراتفور" لتلك الصفقة بأنّها "أقل من خطة سلام وأكثر من تدوين للوضع الراهن"؛ فهي وإن كانت لصالح إسرائيل، لكنها تحاول في الوقت نفسه إرضاء الفلسطينيين، وتقدّم ضمناً تفاصيل لتطبيق حل الدولتين.

بدأت منصات جماعة الإخوان الإعلامية في الدوحة وإسطنبول الترويج للشائعات حول الصفقة خدمة لأجنداتها

لكنّ الجديد في صفقة القرن وحماسة الإدارة الأمريكية والإسرائيلية لتنفيذ ما جاء فيها، هو أنّ ترامب يراها بمثابة صفقة مالية أكثر منها سياسية؛ لاعتقاده بأنّ المال بمثابة حلّ سياسي، بحيث تحكم المصالح المشتركة طرفي الصراع، بل وتحكم سائر الأطراف العربية الأخرى، لاستفادتها بشكل مباشر من تنفيذ الصفقة، التي تشمل نحو 179 مشروعاً للبنية التحتية وقطاع الأعمال، بتكلفة قد تتجاوز الـ 50 مليار دولار، خدمة للمنطقة الملتهبة في الشرق الأوسط، من خلال حوافز اقتصادية كبيرة، وخلق فرص عمل جديدة، والقضاء على البطالة، وغير ذلك من حوافز مالية واقتصادية تقف جنباً إلى جنب مع الحوافز السياسية، أو تليها، على الأقل، ما يجعل الأمر يبدو شبيهاً بخطة "مارشال"، التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 1948 لإعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، على حدّ وصف كوشنر، إبّان إعلانه المرحلة الأولى من خطته، في مؤتمر اقتصادي كان قد عُقِد في مملكة البحرين في حزيران (يونيو) من العام الماضي!

اقرأ أيضاً: "صفقة القرن"... إطار للحل أم توطئة للانفجار؟!

يؤكد ثبات موقف المملكة الأردنية الهاشمية، أنّ صفقة القرن لن تنطلي على الشعوب العربية، حيث أكّد وزير الخارجية الأردني؛ أيمن الصفدي، أنّ إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الشامل والدائم في الشرق الأوسط، محذّراً من "التبعات الخطيرة لأي إجراءات إسرائيلية أحادية، تهدف إلى فرض حقائق جديدة على الأرض"، وهو موقف مثالي يُحسَب للمملكة الأردنية وقيادتها، التي تُدرك جيداً أنّ الضرر الأكبر سيقع عليها سواء من خلال ترسيم الحدود، والتوطين المحتمل، أو خُطط إعداد الوطن البديل للاجئين الفلسطينيين، التي ستكون الأراضي الأردنية جزءاً منها، كما هو مخطَّط له.

ترامب يرى خطته للسلام بمثابة صفقة مالية أكثر منها سياسية لاعتقاده بأنّ المال هو حلّ سياسي!

وقد جاء الموقف الأردني سابقاً لموقف جامعة الدول العربية، التي رفضت هي الأخرى، في اجتماعها الطارئ المنعقد أول من أمس السبت، صفقة القرن، واصفة إياها بأنّها لن تؤدي إلى اتفاق سلام عادل؛ لأنها  لا تلبي الحد الأدنى من حقوق وطموحات الشعب الفلسطيني، وتخالف مرجعيات عملية السلام المستندة إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، محذّرة في الوقت نفسه من قيام إسرائيل بتنفيذها بالقوة، الأمر الذي يفرض تحدياً مستقبلياً لضرورة توحيد الدول العربية الكلمات والمواقف والخُطط؛ لمواجهة تلك الصفقة، بحيث تكون ثمّة مرونة لإحلال السلام في المنطقة، والتعاون المثمر الخلّاق فيما بين دولها، بما لا يضرّ بالقضية الفلسطينية، وحقوق الفلسطينيين المشروعة، ودون الولوج في نفَق الخطب الحنجورية، واستدعاء مفردات الستينيات التي ثبت فشلها وتهافتها.

اقرأ أيضاً: مراجعات ما بعد صفقة القرن.. ما الذي أضعف الموقف العربي؟

وكعادة جماعة الإخوان المسلمين، المحظورة في بعض الدول العربية، بدأت منصّاتها الإعلامية في الدوحة وإسطنبول الترويج للشائعات حول الصفقة، ومحاولة اللعب على وتر عاطفة الشعوب وإيمانها بالقضية الفلسطينية فمرة تقول إنّ الصفقة ستعمل على اقتطاع جزء من سيناء لإقامة دولة فلسطينية، وشائعة أخرى تقول إنّه سيجري تبادُل الأراضي بين الأردن وفلسطين لصالح الدولة المقترحة، وتعويض السعودية للأردن بأراض بديلة، ثم تعويض مصر للسعودية بجزيرتي تيران وصنافير، ومنها كذلك شائعة توطين الفلسطينيين في صحراء الأنبار العراقية، وهي في مجملها تكهّنات  تتبناها الجماعة خدمة لأجندتها الخاصة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية