كيف تدير قطر استثماراتها في رواندا؟ وما علاقتها بالإسلاميين هناك؟

كيف تدير قطر استثماراتها في رواندا؟ وما علاقتها بالإسلاميين هناك؟


07/12/2020

في الفترة الأخيرة ركّزت قطر على دول أفريقية بعينها لتعزيز تواجدها هناك تحت غطاء الاستثمارات الاقتصادية، ولعلّ أبرز تلك الدول رواندا التي تمثل أحد المفاتيح الأساسية للتغلغل الاقتصادي والسياسي في آن واحد في القارة السمراء، بموقعها الجغرافي ونموها الصاعد. فهل جاءت هذه التحركات القطرية حسب أغراضها المعلنة، أم أنّ الأمر يتجاوز ذلك بعد ظهور عدة تقارير تشير إلى وجود صلات مع جماعات تلاحقها اتهامات خطيرة بزعزعة استقرار المنطقة؟
يمثل حزب "حركة التحرير" نواة لكيان إسلامي جديد في البلد الأفريقي الصغير نسبياً، ويتبنى أفكاراً دينية متشددة

بوابة التنظيمات المتطرفة
عن طريق مَن يمكن تسميتهم "الإسلاميين الجدد"، طرقت الدوحة أبواب رواندا، حسب تقرير لـ"ميديل إيست اونلاين"، أكد أنّه من السهل ضخ معلومات وأفكار دينية متشددة على أنّها تمثل صحيح الدين في أشخاص اعتنقوا الإسلام منذ فترة وجيزة، و"أنّ قطر تستغل ذلك لتضاعف أعداد المسلمين هناك، ما يمثل لها قاعدة لبناء نفوذ ديني لدعم أفكارها".

اقرأ أيضاً: ما حقيقة تمويل قطر الحكومة والإسلاميين معاً في رواندا؟
وبحسب وكالة "رويترز" للأنباء، فقد ألقت قوات الأمن الرواندية القبض على خلية من خمسة أشخاص العام 2017 ينتمون لتنظيم يُدعى "حزب حركة التحرير الإسلامي"، المنبثق من بعض الحركات المتمردة في الكونغو الديموقراطية المدعومة من حركات متشددة مختلفة، لها صلات بشخصيات مقيمة بقطر.

استقبل عرّاب الحركات المتشددة في الشمال المالي الموريتاني المصطفى ولد الإمام الشافعي الأمير تميم في رواندا

وقالت "رويترز": إنّ تلك المجموعة كانت ضمن أخرى شنت هجوماً دامياً في مركز سياحي في شمال البلاد؛ وكان معظم أفرادها مسلّحين بأسلحة تقليدية، مثل السكاكين في قطاع كينيجي في منطقة موسانزي؛ حيث كان متنزه وطني يعرض على السائحين فرصة مشاهدة الغوريلا الجبلية المعرضة لخطر الانقراض.
ويمثل حزب "حركة التحرير"، الذي لم يزد عمره على عام واحد، نواة لكيان إسلامي جديد في البلد الأفريقي الصغير نسبياً، ويتبنى أفكاراً دينية متشددة، ويهدف إلى تأسيس خلافة إسلامية في منطقة البحيرات العظمى، وفق ويكيبيديا.
وحذّر تقرير للصحيفة الأوغندية "كامبلا نيوز" أواخر العام 2018 من تدخّل قطر الكبير في منطقة البحيرات العظمى في أفريقيا، مؤكداً أنّ "الدوحة تضخ ملايين الدولارات في رواندا، البلد الحبيس في قلب أفريقيا، لتعزيز نفوذها بشكل عام، واستغلال زيادة المسلمين في البلد ذي العشرة ملايين نسمة".
ولعلّ الحدث الأبرز في هذه القضية زيارة الأمير تميم بن حمد إلى "كيجالي" عاصمة رواندا يوم الأحد الموافق 12 أيلول (سبتمبر) 2019، وكان من بين مستقبليه لدى هبوط الطائرة عرّاب الحركات المتشددة في الشمال المالي الموريتاني المصطفى وِلد الإمام الشافعي.

 


وِلد الإمام الشافعي، موريتاني مولود في النيجر، وتربطه علاقات وثيقة بكثير من قيادات الجماعات والتنظيمات المتشددة التي تنشط في شمال مالي ومنطقة الساحل، خاصة تنظيم القاعدة، واستقباله الأمير القطري، كان فيه إشارة إلى تلك العلاقات مع تيارات الإسلام السياسي، وفق ما نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية، التي أكّدت أنّه تربطه علاقات قديمة بالقطريين، وقام بدور فعّال في تسليم بعض الرهائن بوساطة قطرية وتلقى ملايين الدولارات نظير ذلك.

 

اقرأ أيضاً: هل تورّطت قطر بعلاقة غير متكافئة مع تركيا؟
في تقرير آخر لـ"جون أفريك" نشرته في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 قالت فيه: "يمكنك التأكد في هذه الصور من رجل يرتدي عمامة حمراء ويصلي إلى منتصف المتشددين، ويلوح بكلاشينكوف بابتسامة عريضة، وبجانبه زعيم تنظيم متشدد بمنطقة الصحراء نبيل مخلوفي".. إنه رجل الأعمال الموريتاني الشافعي بصحبة مختار بلمختار.

حذّر تقرير للصحيفة الأوغندية "كامبلا نيوز" أواخر العام 2018 من تدخل قطر الكبير في منطقة البحيرات العظمى بأفريقيا

وسبق أن أكّد الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبدالعزيز، في تصريح نشرته نفس المجلة (جون أفريك) فى شباط (فبراير) ٢٠١٨، علاقة ولد الإمام الشافعي بالحركات المتشددة، موضحاً أنّ "عدة دول ومنها قطر تستفيد منه في الإفراج عن رهائنها مقابل دفع الأموال التي تتسلح بها المنظمات المسلحة لتختطف رهائن جدداً وتستمر الدائرة الجهنّمية".
تحت عنوان "ما صلات المتشددين بمصطفى الشافعي المستشار السابق لكومباوري؟"، أشارت وسائل إعلام رواندية إلى أنّ علاقات "الشافعي" بالتنظيمات المتشددة ليست سراً على أحد، حيث تم التقاط صور له في صحراء مالي تعود إلى العام 2010، ترتبط بتحرير الرهائن السنغاليين الذين توسط لهم لعلاقته الوطيدة بالخاطفين.

اقرأ أيضاً: هل توقيع اتفاقية أمنيّة مع تركيا وراء استقالة رئيس وزراء قطر؟
وإثر هذه المعلومات انتقدت السلطات الموريتانية بشدة تصرف ولد الشافعي وأمرت بالقبض عليه، واعتبرت وسائل الإعلام الموريتانية هذه المصافحة بين أمير قطر وسفير التشدد في أفريقيا تدعم المعلومات التي تدور حول اتهامات بتمويل قطر للتنظيمات المتشددة، ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن أيضاً في القارة السمراء.
رواندا ساحة للسيطرة
تؤكد المؤشرات أنّ الدوحة تعتبر أنّ رواندا تمثل ساحة خلفية للسيطرة على القارة الأفريقية؛ إذ عقب الزيارة التي قام بها الأمير تميم، في وقت كانت دول مجلس التعاون مجتمعة في الرياض، أعلنت الدوحة عن عقد صفقات اقتصادية جديدة معها، كان أبرزها شراء 49% من الخطوط الجوية الرواندية، وحسب وكالة "بلومبيرغ" فإنّ قطر اشترت سابقاً غالبية المطارات في البلد الأفريقي.
وقالت الوكالة، إنّ شركة الخطوط الجوية القطرية وافقت في كانون الأول (ديسمبر) العام 2019 على  الاستحواذ على 60% من مطار بوغيسيرا الدولي الجديد في رواندا، جنوب العاصمة كيغالي، وستساعد الناقلة القطرية أيضاً في بناء وتشغيل مرفق بـ 1.3 مليار دولار.

 


لكن الأمر لا يقتصر على استثمارات اقتصادية "بريئة"، فتقريــر الأمــين العــام عــن الأعمــال الــتي تــضطلع بها الأمــم المتحــدة لمساعدة الدول والكيانات الإقليميـة في أفريقيـا في مجـال مكافحة التطرف للعام 2019 أكد أنّ قطر "لجأت إلى استحداث أدوات عسكرية، وتكثيف الاستثمارات والتدخلات الإنسانية، كأدوات ضغط على الأنظمة الأفريقية".
في هذا السياق، يرى الباحث في العلاقات الدولية أنس القصاص في حديثه لـ"حفريات" أنّ "رواندا ساحة مهمة؛ لأن الذي يضمن وجوده فيها فإنّه سيضمن الوصول للغرب الأفريقي بسهولة، والدوحة على سبيل الخصوص تهتم بها، وتدخل إليها عن طريق التعاون الاقتصادي".

 

اقرأ أيضاً: هل تسعى قطر لإعادة الإخوان إلى السلطة في السودان؟
وعزا القصاص التركيز القطري على رواندا عبر الزيارات المتبادلة بينهما في الأعوم الماضية، "ليس فقط باعتبارها أحد الاقتصادات الأفريقية الصاعدة، فضلاً عن قوة إقليمية لها تأثير سياسي يربط بين وسط وشرق أفريقيا، لكن لكونها ترتبط مع الدوحة بشراكات وسيطة عابرة للحدود، ستؤثر فيما بعد على دول الإقليم".
وفي تصريح لصحيفة "العرب" اللندنية قال الباحث في الشؤون الأفريقية أحمد رجب: إنّ أخطر ما في الوجود القطري داخل رواندا، أنّها أصبحت تتحكم في الكثير من قرارات الحكومة هناك؛ لأنّها تمتلك أدوات ضغط متباينة عن طريق المساعدات المالية، أو تقاربها من المتمردين..

 


يذكر أنّ موقع "ذا أفريكان إكسبوننت" انتقد في تقرير له التغلغل القطري والتوسع لاستنزاف موارد أفريقيا، متسائلاً: "لماذا تواصل الدول الأفريقية الفقيرة السماح بنهب ثرواتها لكي تلبي احتياجات الأشخاص خارج حدودها، ثم تركض وراءهم بأيدٍ ممدودة للحصول على قرض؟".
وسلّط الموقع الإفريقي الضوء على الوفد الحكومي القطري برئاسة وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي زار رواندا في آذار (مارس) 2019، لإجراء مباحثات ثنائية متعلقة بالاستثمارات القطرية، من بينها تمويل مطار بوغيسيرا الدولي.
يبدو، مما سبق، وبحسب المراقبين، أنّ الدوحة تقود حملة لمد نفوذها داخل القارة الأفريقية، وتشكّل تحالفاً عسكرياً مع أنقرة لتوسيع دورها في الصراع الليبي، وما تفعله في رواندا يأتي في هذا السياق من أجل التأثير في الشؤون الأفريقية على حساب المصلحة العربية، فقد تظن أنّ ذلك قد يساعدها في بسط نفوذها سياسياً مهما كان الثمن.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية