الانسداد السياسي يدفع تونس إلى السيناريو الأصعب. ما هو؟

تونس

الانسداد السياسي يدفع تونس إلى السيناريو الأصعب. ما هو؟


11/02/2020

لم تكن الأشهر الخمسة التي مرّت على الانتخابات التشريعية في تونس، كافية لتشكيل الحكومة التي يترقبها التونسيون من أجل إنقاذ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي ازدادت سوءاً خلال الأعوام التسعة الماضية، ويبدو أنّ الأحداث تتجه نحو السيناريو الأصعب؛ بإعادة الانتخابات برمّتها في ظلّ الانسداد السياسي، والحصار الذي تفرضه الأحزاب على رئيس الحكومة المكلّف، إلياس الفخفاخ.

اقرأ أيضاً: تونس: هل يصنع الخوف تحالفات "النهضة"؟
وتُعدّ هذه المحاولة الثانية لتشكيل حكومة في تونس، بعد أن فشل الحبيب الجملي، مرشّح حزب حركة النهضة الإسلامية، في التوافق مع الأحزاب وتشكيل حكومة سياسية، حاول بعدها تشكيل حكومة مستقلين، أسقطها البرلمان في العاشر من كانون الثاني (يناير) الماضي، لتنتقل صلاحية اختيار رئيس الحكومة المكلف إلى الرئيس، وفقاً للدستور الذي ينصّ على حلّ البرلمان والذهاب إلى انتخابات تشريعية في حال لم يمنح البرلمان الثقة لهذه الحكومة أيضاً.
إلياس الفخفاخ يتقدم إلى الوراء

النهضة وحرب التموقع
سيناريو الانتخابات المبكّرة جاء على لسان أغلب السياسيين في تونس، في مقدّمتهم حركة النّهضة، صاحبة الأغلبية البرلمانية (54 نائباً)، التي أكّدت على لسان أغلب قادتها أنّها مستعدّة لانتخابات مبكّرةٍ ستكون لصالحها، وتُرجمت هذه التصريحات على أنّها تهديدات للرئيس المكلّف، بضرورة إشراك حزب قلب تونس في المشاورات، وذلك بعد أن وعدت ناخبيها باستحالة التحالف معه؛ لأنّ مؤسّسه نبيل القروي متورط في قضايا فساد.

رافع الطبيب: حركة النّهضة تمارس ضغوطاً على الفخفاخ من أجل حصولها على نصيب الأسد في الحكومة الجديدة

وتسعى الحركة، التي اشترطت إشراك قلب تونس (38 نائباً) في الحكومة، إلى ضمان حليفٍ قوي يمكّنها من التموقع جيّداً في ظلّ وجود كتلةٍ قويةٍ في المعارضة، تتمثل خاصّة في حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب اللذين يشتركان في كتلةٍ برلمانيةٍ واحدةٍ (41 نائباً)، تحاول إضعافها عبر كسب تأييد قلب تونس.
وكان زعيم الحركة، راشد الغنّوشي، الذي رفض إشراك قلب تونس في حكومته الأولى، التي أسقطها البرلمان، قد شدّد في كلّ تصريحاته على أنّ حكومة الفخفاخ لن تمرّ في حال مضى في إقصاء حزب قلب تونس.
وبرّر الغنّوشي موقف النهضة الرافض قطعاً لإقصاء قلب تونس، بأنّ الحكومة القادمة ستواجه ملفاتٍ حارقة، واستحقاقاتٍ دستورية مهمة، تستوجب صوت 145 نائباً لتمرّ في مجلس نواب الشعب، وهو ما لن يتحقق في حال تمّ إقصاء حزب قلب تونس.

اقرأ أيضاً: رداً على تضليل الغنوشي.. تونس مرتكز المشروع العثماني وضحيته
ويفسّر المحلل السياسي، مصطفى عبد الكبير، في تصريحه لـ "حفريات"، تمسّك حركة النّهضة بحزب قلب تونس، بسعيها لردّ جميل الحزب، الذي صوّت لصالح تولي الغنّوشي رئاسة البرلمان، والذي لولاه لما تمكّن الغنّوشي من النجاح في ذلك.

راشد الغنوشي الحكومة لن تمر دون قلب تونس
وأضاف عبد الكبير أنّ النهضة تلتقي مع قلب تونس، في أنّ هذا الحزب لا يحمل ثوابت سياسية، ولا مرجعيات عقائدية؛ لأنّه تكوّن من أجل مصلحةٍ معيّنةٍ، وهو حزبٌ براغماتي يبحث عن حزبٍ شبيهٍ به للحفاظ على مصالحه.
المحلّل السياسي شدّد أيضاً على أنّ النهضة وجدت في قلب تونس السند الذي يمكن أن تعتمد عليه في تمرير مشاريع قوانينها واتفاقياتها؛ لأنّ الأحزاب السياسية الأخرى المكوّنة للبرلمان تختلف كلياً مع النهضة، ويصعب إقناعها بتوجهاتها، لافتاً إلى أنّ موقف النّهضة من إعادة الانتخابات لا يعدو أن يكون رسائل لباقي السياسيين بأنّها غير خائفة من المشهد السياسي، وأنّها قادرة على النجاح مرّة أخرى، لكنّها لن تغامر بذلك.
بضغط من النّهضة... الفخفاخ يتقدّم إلى الوراء
موقف الحركة الإسلامية من نبيل القروي وحزبه عدّه مراقبون للشأن التونسي مناورةً سياسيةً جديدة من أجل الضغط على الفخفاخ، وتوجيه رسائل واضحة له، خشية تفرّده بالقرار، ولحشره في الزاوية.
وفي ظلّ صعوبة مهمّة الفخفاخ في إقناع الأحزاب بتركيبة حكومته، خاصّة مع اقتراب موعد انتهاء مهلته في عرض الحكومة على البرلمان، تراجع خطوات إلى الوراء، وقبل إجراء لقاء مع رئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي، بضغطٍ من زعيم النهضة، راشد الغنوشي، الذي هندس اللقاء في منزله، في وقتٍ يسعى فيه إلى تجاوز صفته كزعيم حزبي، ولعب أدوار على مستوى أكبر.

اقرأ أيضاً: إخوان تونس وإخوان السودان
جاء ذلك بعد أن شدّد الفخفاخ في أوّل كلمة ألقاها بعد تكليفه برئاسة الحكومة، على أنّ فريقه لن يضمّ حزبي قلب تونس والدستوري الحر (ليبرالي 17 نائباً)، وأنّهما سيكونان خارج الائتلاف الحكومي؛ لأنّه سيعتمد على فريق حكومي ثوري.

 


ويرى المحلل السياسي، رافع الطبيب؛ أنّ حركة النّهضة تمارس ضغوطاً على الفخفاخ من أجل حصولها على نصيب الأسد في الحكومة الجديدة، على أنّ تواصل سيطرتها على وزارات السيادة حتّى لا تكشف الحقائق التي باتت تلامس النور، حول تورّطها في الاغتيالات السياسية، وأنّ إصرارها على مشاركة قلب تونس في الحكومة هدفه الحفاظ على مصالح الحزبين، ودفن حقائقهما.
وأشار إلى أنّ الحركة ما تزال تعدّ الحزب الأوّل في البلاد، رغم خسارتها الشعبية في انتخابات 2019، وهي تحاول من خلال التهديد بإعادة الانتخابات إخافة من يسمّون "نواب الصدفة"، في البرلمان.
لقاء التوافق يجهض الاتفاق
مباشرةً بعد هذا اللقاء غير المنتظر، كشف أمين عام حزب التيار الديمقراطي، محمد عبو، الذي دافع بشراسة عن الفخفاخ وخياراته وتعهّد بمنحه الثقة، أنّه لم يعد معنياً بمشاورات الحكومة، معتبراً أنّ تونس بلغت درجةً غير مسبوقة من الفساد السياسي والتسيّب.

 

أحمد ونيس: تونس تتجه نحو إعادة الانتخابات إن لم يكن في غضون الأيام المقبلة، فسيكون خلال الفترة القادمة

وقال عبو؛ إنّ الحكومة التي ستضمّ أحزاب النهضة وقلب تونس، وتحيا تونس، ..إلخ، هي حكومة تناقضات، ولن تكون قادرة على حلّ مشكلات البلاد، واصفاً حركة النهضة بالحزب الذي لا يفكر في مصلحة تونس؛ لأنّها تريد أكبر عددٍ ممكنٍ من الحقائب الوزارية لتتحكم في تسيير الحكومة القادمة، وقال محمد عبو، عن سيناريو إعادة الانتخابات، إنّ حزبه سيكون الطرف الأكثر استفادة من ذلك.
ويرجّح المحلّل السياسي والدبلوماسي السابق، أحمد ونيس؛ أن تذهب تونس إلى سيناريو الانتخابات البرلمانية المبكّرة، إن لم يكن في غضون الأيام المقبلة، فسيكون خلال الفترة القادمة، حتّى إن مرّت حكومة الفخفاخ التي لن تجد الدعم والإجماع اللازمين.
ولفت ونيس في تصريحه لـ "حفريات" إلى أنّ طول المدّة الزمنية في تكوين الحكومة، "أفقد كلّاً من الحبيب الجملي وإلياس الفخفاخ صفة الزعامة السياسية؛ لأنّهما عجزا عن حسم الخلافات القائمة بين الفاعلين السياسيين".
وشدّد ونيس على أنّ "تأخر الفخفاخ في تكوين فريقٍ حكومي، أفقد حكومته المصداقية والقوة السياسية اللازمة لمواجهة المعارضة، التي ستصطدم بها حال انطلاق عملها، في حال حظيت بثقة البرلمان، من طرف كلّ الأحزاب السياسية، دون استثناء".
وفي ظلّ الرفض القطعي الذي يبديه الحزب الدستوري الحرّ لمنح الثقة لهذه الحكومة، فقد توسّعت دائرة المعارضين لها، وهو ما يعزّز فرضية إسقاط هذه الحكومة أيضاً بعدم منحها الثقة البرلمانية، وبالتالي المرور مباشرةً نحو انتخابات برلمانية، قد تحمل مفاجآت جديدة للتونسيين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية