كيف يقع الأفراد في فخ تجنيد الإخوان؟

كيف يقع الأفراد في فخ تجنيد الإخوان؟

كيف يقع الأفراد في فخ تجنيد الإخوان؟


24/12/2023

تمتلك جماعة الإخوان المسلمين مجموعة من الواجهات المجتمعية؛ واجهة المعارض السياسي، أو واجهة العمل الخيري الأهلي، أو واجهة الدور الثقافي من خلال دور النشر الإخوانية الممتدة في العالم العربي، ورغم تعدّد أدوار الجماعة، إلا أنّها تحرص على تمكين واجهة العمل الدعوي، وأن يعرفها المجتمع - سواء  أكانوا من المؤيدين أو المعارضين - بالجماعة الدعوية، وبأنّها تعمل من أجل نشر الدعوة الإسلامية بين الناس.

 


وللأسف يسقط البعض في هذا الفخ دون أن يدري، فنجدهم يحصرون انحراف الإخوان في كونهم تركوا ميدان "الدعوة" إلى ميدان السياسة، وبالتالي يكمن الحل في عودتهم للعمل الدعوي، وأزعم أنّ الفرضية القائلة إنّ الإخوان جماعة دعوية، وأنّ حال العباد والبلاد سينصلح بمجرد توقفهم عن العمل السياسي  ليست سوى حصان طروادة الذي يختبئ الإخوان داخله ليخترقوا أسوار المجتمعات العربية والإسلامية مرة اخرى، لذلك؛ يجب تفكيك هذا الادعاء، والبدء بتعريف الدعوة وآلياتها والغرض منها، وهل ينطبق ذلك على ممارسات تنظيم جماعة الإخوان المسلمين أم لا؟

 

الهدف من الدعوة بمفهومها الإسلامي هو تعديل السلوك والانحياز للقيمة وليس لذات المدعو أو الداعية

إنّ الدعوة إلى الله تعالى بالمفهوم الكلاسيكي للدين الإسلامي، هي قيام المسلم بدعوة الآخرين امتثالاً لقول الله عز وجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]، حيث يحسن القول في تقديم النصائح لتعديل سلوك المدعو، فالهدف من الدعوة إذاً، هو تعديل السلوك، والانحياز للقيمة، وليس لذات المدعو أو الداعية، وقد جعل علماء المسلمين محاور الدعوة مع الله تعالى بحسن العبادات، ثم مع الناس بحسن المعاملات، ثم مع النفس بحسن تزكيتها من الرياء والنفاق وعدم الإخلاص في العمل، وفي إطار هذا المفهوم يتحرك الدعاة، أو من يريد ممارسة الدعوة، فيحاول دائماً نشر فضيلة أو مواجهة رذيلة، ملتزماً بالخلق القويم، حيث لا يملك على المدعو إلا أن يدعوه؛ أي يقول كلمته ويرحل، تاركاً المدعو حراً في أن يعمل بالموعظة أو لا يعمل.

اقرأ أيضاً: كيف صوّرت "أدبيات التجنيد" في الجماعات الإسلامية العالم؟ ‎
ومن أهم خصائص الداعي، في هذا المفهوم؛ أنّه لا يتوقف عن الدعوة سواء استجاب المدعو أم لم يستجب وأن يقوم بها منفرداً، ولا يأخذ موقفاً من المدعو، بل يظل يدعوه طالباً الهداية له من رب العالمين.
أمّا الدعوة عند الإخوان المسلمين، فهي شأن مختلف تماماً، قد يشتبه على الناس؛ لأنهم يقومون بالوعظ والإرشاد من على المنابر، إنما الغاية والهدف ليس الانحياز للقيم الإسلامية المطلقة، بل ضم العناصر، حيث تُمثّل الدعوة بالمفهوم الإسلامي مرحلة أولى للدخول إلى الناس والمجتمعات بهدف اصطياد الأتباع وتجنيدهم فيما بعد، لهذا تُنظّم الجماعة عملية الخطابة وإنشاء حلقات دراسة القرآن الكريم، والكتاتيب، والدروس والمواعظ، ومؤخراً؛ البرامج الدينية، وحتى إصداراتهم الفكرية، كانت مجرد طُعم لجذب الأفراد إلى فخاخ التجنيد، نعم التجنيد هو هدفهم الأول وكل ما يشغلهم، وهذا من بداية تأسيس الجماعة وليس أمراً طارئاً عليها، فيقول حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس (1)؛ "إنّ دعوة لا بد لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله؛ مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج، وكثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلى جنب، نظراً لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعاً، فالداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك. ولكن لا شك في أنّ الغاية الأخيرة أو النتيجة الكاملة لا تظهر إلا بعد عموم الدعاية وكثرة الأنصار، ومتانة التكوين".

دورات التدريب الإخوانية لأعضائهم في التنظيم على ما يسمى الدعوة الفردية هي في جوهرها عملية اختيار وتجنيد

ولا يصل حسن البنا إلى هدفه بسهولة، لكنّ يوضح غايته في هذه الفقرة بثلاث كلمات؛ عموم الدعاية؛ والمقصود بها الدعوة الكلاسيكية من محاضرات ومواعظ.. إلخ، ثم كثرة الأنصار؛ أي التجنيد للأتباع، ثم متانة التكوين؛ أي قوة التنظيم، ولم يكتف النبا بذلك بل أصرّ على تفسير مرحلة الدعاية "الدعوة" في نفس الرسالة بقوله؛ "في حدود هذه المراحل، سارت دعوتنا ولا تزال تسير، فقد بدأنا بالدعوة فوجهناها إلى الأمة في دروس متتالية وفي رحلات متلاحقة وفي مطبوعات كثيرة وفي حفلات عامة وخاصة، وفي جريدة الإخوان المسلمين الأولى، ثم في مجلة النذير الأسبوعية".

اقرأ أيضاً: عادل عبد الصادق: 3 مراحل يستخدمها الإرهابيون لتجنيد الشباب
ويعود البنا ويؤكد في صدر رسالة التعاليم (2) التي كتبت لصفوة الإخوان؛ بأنّ الدعوة بالكلمة والنصيحة تكون لعوام الناس، حيث يخبر "صفوة الإخوان" أنّ لهم شأناً يختلف عن الآخرين؛ "فلهم دروس ومحاضرات، وكتب ومقالات، ومظاهر وإداريات"، ليس هناك صراحة أكثر من  أنّ الدعوة بمثابة فخ لدى الإخوان، يتم تلقيمه بطعم "الدروس والكلمات الإيمانية والمواعظ الدينية"، بهدف جمع الأتباع والأنصار، وفي رسالة "هل نحن قوم عمليون"، يجيب البنا على أحد الحضور الذي سأله؛ "هل الإخوان جماعة عملية؟"، وبعيداً عن أنّ رد حسن البنا كان مليئاً بالسباب والشتائم والاتهامات لمن تجرأ على سؤاله، إلا أنّ اللافت هو طلبه الغريب من السائل فيقول؛ "ألا يرى الأخ معنا أنّ الأجدر بنا بدل أن نسأل هذا السؤال أن ندخل ضمن الجماعة ونعمل مع العاملين فيها ونلقي بدلونا بين الدلاء" هذا هو الهدف؛ انضم إلينا أولاً، وطبعاً بعد الانضمام تتم تهيئة الفرد تهيئة نفسية وعلمية وفكرية ودينية واجتماعية شاملة، حتى لا يرى العالم إلا بعيون الإخوان.

ليست إصدارات جماعة الإخوان المسلمين الفكرية سوى طُعم لجذب الأفراد إلى فخاخ التجنيد

ولعله من المفيد أن نذكر أنّ كل دورات التدريب الإخوانية لأعضائهم في التنظيم على ما يسمى الدعوة الفردية، هي في جوهرها عملية اختيار وتجنيد، حيث تؤكد التعليمات السرية التي يتلقاها الفرد داخل التنظيم أنّ نجاح الدعوة العامة يكون في قدرتها على تهيئة الأرض لأصحاب الدعوة الفردية "التجنيد"، وأنّ تمام نجاح الدعوة الفردية يكمن في انضمام الفرد إلى تنظيم الإخوان في أول درجاته، ومن المعروف داخل أروقة التنظيم أنّ العضو الإخواني لا يقوم بدعوة أي شخص، بل يُجري عملية فرز واختيار لمن يُقدِم على دعوته، الأمر الذي يتنافى مع أسس الدعوة الإسلامية؛ لأنّها للناس كافة، ومعروفٌ أيضاً أنّ العضو الإخواني إذا لم يتمكن من دعوة الفرد المختار دعوته لأي سبب، فإنه لا يستكمل معه الدعوة! بل ينقل نشاطه الدعوي إلى شخص آخر، توفيراً للوقت والجهد، وإلا ضاعت الجهود سدى!

اقرأ أيضاً: أساليب التجنيد عند الجماعات الجهادية الإرهابية
إنّ الزعم بأنّ الإخوان جماعة دعوية يُمثل إساءة للدعوة الإسلامية، وثغرة في جدار مواجهة التنظيم والجماعة السرية، وإذا تساءل البعض عن ماهية جماعة الإخوان، أقول إنّها جماعة سرية، تستخدم الدين، ولا تستهدف نشر القيم قدر استهدافها تجنيد الأنصار الجدد.


هوامش:

(1) هي خطبة ألقاها حسن البنا في حشد من الإخوان في عام 1938 بمناسبة المؤتمر الخامس للجماعة.
(2) هي رسالة تربوية تعد مانفيستو العمل السري والجهادي عند الإخوان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية