خبراء يحذرون: لبنان يعاني إفلاساً تاماً ويحتاج إلى إنقاذ عاجل

لبنان

خبراء يحذرون: لبنان يعاني إفلاساً تاماً ويحتاج إلى إنقاذ عاجل


18/02/2020

بين "متفائل" يقول إنّ لبنان على شفير الإفلاس، وآخر "متشائم" يؤكد أنّ البلد يعاني إفلاساً تاماً، تعمل الحكومة اللبنانية في الوقت الراهن على تبني إستراتيجية وفق خيارين محددين: إما أن تواصل الإيفاء بالتزاماتها وتكسب مزيداً من الوقت، أو تتقبل الموقف وتتخلف عن سداد سندات اليوروبوند التي تبلغ قيمتها 1.2 مليار دولار المستحقة في غضون أقل من شهر، وهي جزء من قيمة كل استحقاقات عام 2020 بالعملة الأجنبيّة تحديداً، وتبلغ قيمتها حوالي 6 مليارات دولار، بحسب نشرة أصدرها مركز الشرق للبحوث، أكدت أنّ "اقتصاد لبنان وصل إلى حالة إفلاس، بسبب الوضع الراهن الذي يعيشه لبنان، رغم أنّ بيروت لم تتخلف سابقاً عن الموعد النهائي لسداد ديونها؛ لاعتمادها إستراتيجية البقاء على ما يسمى بالهندسة المالية، التي يديرها البنك المركزي، والتي ساعدت لبنان على النجاة في خضم الضعف التام للقيادة السياسية، الذي شلَّ البلد لفترة طويلة، بيد أنّ هذه الهندسة المالية ليست أكثر من مخطط احتيالي".

 

منع التدهور
وفي تقدير المركز أنّ الشيء الوحيد الذي تستطيع بيروت أن تفعله، "هو منع تدهور وضعها المالي أكثر مما هو متدهور" الأمر الذي كان يفترض أن يتم العمل عليه منذ فترة زمنية طويلة. ونظراً للوضع القائم في لبنان، فإنّ سداد سندات اليوروبوند ليس منطقياً على الإطلاق، كما قد يبدو صعباً في نظر العديد من المستثمرين.

خبير اقتصادي: هناك قدر ضئيل من الوضوح بشأن الحالة الحقيقية لاحتياطيات الدولة من العملات أو إمكاناتها الاقتصادية

فهل يساعد التخلف عن سداد الدين في الخروج من الأزمة القائمة في لبنان؟
قطعاً لا، يجيب المركز؛ إذ إنّ الصعوبات المالية التي تعاني منها البلاد عميقة. ومن ناحية أخرى، فإنّ نسبة الناتج المحلي الإجمالي إلى الدين العام والتي تبلغ حوالي 160٪ تعمق المشكلة، كما أنّ الاستمرار في سداد أقساط الدين بدلاً من استخدام الموارد (المحدودة للغاية) في دعم الاقتصاد سيكون قراراً سيئاً للغاية. فضلاً عن أنّ الأزمة القائمة في لبنان أدت إلى يقين الأسواق العالمية بأنّ لبنان سوف يتخلف عن سداد ديونه عاجلاً أم آجلاً، بصرف النظر عن القرار الذي سيتم اتخاذه الشهر المقبل.

اقرأ أيضاً: نصرالله: لبنان قد "لا يبقى"
ويكمن جوهر المشكلة في القضايا السياسية وانعدام الثقة، وفي الفترة الأخيرة بدأ صندوق النقد الدولي بالتدخل في الأزمة (في الوقت الحالي يقدم المشورة للحكومة فقط)، لكن في ظل غياب قيادة سياسية قوية وخطة إصلاح شاملة ذات مصداقية، فإنّ الموقف سيزداد سوءاً.
ويعتقد وزير الاقتصاد اللبناني السابق ناصر سعيدي، في تصريح لوكالة "رويترز" للأنباء، أنّ لبنان في حاجة إلى حزمة إنقاذ مالي تتراوح بين 20 مليار و25 مليار دولار، بما في ذلك دعم من صندوق النقد الدولي، للخروج من أزمته المالية.
الوقت يوشك أن ينفد
وقال سعيدي إنّ الوقت يوشك أن ينفد، وإنّ دعماً بقيمة 11 مليار دولار سبق أن تعهد به مانحون أجانب يشكل الآن تقريباً نصف المبلغ اللازم لتحقيق انتعاش.
وأضاف سعيدي "خطورة الوضع الحالي أننا نقترب من انهيار اقتصادي من المحتمل أن يخفض الناتج المحلي الإجمالي (للعام 2020) بواقع عشرة في المئة".
ويرجح خبراء اقتصاديون أن يشهد 2020 أول انكماش اقتصادي للبنان في عشرين عاماً، ويقول البعض إنّ الناتج المحلي الإجمالي سينكمش اثنين في المئة.

 


ويتنبأ آخرون بركود طويل لم يسبق له مثيل منذ استقلال لبنان عن فرنسا في 1943 أو خلال الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد بين عامي 1975 و1990.
وقال سعيدي "صنّاع السياسات لدينا لا يريدون الاعتراف بالمدى الذي وصلت إليه مشكلاتنا... هم يحتاجون إلى الشجاعة لإبلاغ الشعب اللبناني بأنّ أوقاتاً عصيبة قادمة".

 

اقرأ أيضاً: نصر الله يكشف تفاصيل دور سليماني في لبنان والعراق
وخفّضت وكالات التصنيفات الائتمانية التصنيف السيادي للبنان وتصنيفات بنوكه التجارية على خلفية مخاوف من تخلف عن السداد.
وقال سعيدي إنّ حزمة تتراوح قيمتها بين 20 مليار و25 مليار دولار قد تضمن سداد بعض الدين العام للبلاد، وهو ما يمكنها من إعادة هيكلته لتمديد آجال الاستحقاق وخفض أسعار الفائدة. وأضاف أنّ ذلك "سيحتاج إلى دعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ودول غربية وخليجية".
الدولار والليرة اللبنانية
يشار إلى أنّ الليرة اللبنانية تقترب من خسارة نحو نصف قيمتها عملياً. ففيما لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبتاً على 15011 ليرة مقابل الدولار، كما رصدت "حفريات" أمس، فإنّ  الدولار لامس عتبة 2500 ليرة في السوق الموازية، بحسب صيارفة.

خفضت وكالات التصنيفات الائتمانية التصنيف السيادي للبنان وتصنيفات بنوكه التجارية على خلفية مخاوف من تخلف عن السداد

ومنذ 17 تشرين الأول (أكتوبر)، خرج عشرات الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع والساحات وقطعوا الطرق، احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية التي يتهمها المتظاهرون بالفساد ويحملونها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي وعجزها عن تأهيل المرافق وتحسين الخدمات العامة الأساسية.
وفي تقريرها العالمي 2020 قالت "هيومن رايتس ووتش" إنّ السلطات اللبنانية تتقاعس عن معالجة الأزمة الاقتصادية والسياسية الخطيرة في البلاد والتي تهدد حصول المواطنين على الخدمات الحيوية، من ضمنها الرعاية الصحية.
ويحذّر عاملون في القطاع الطبي ومسؤولون حكوميون من أنّ المستشفيات قد تصبح قريباً عاجزة عن إجراء الجراحات المنقذة للحياة، وتوفير الرعاية الطبية العاجلة للمرضى. وتنبع الأزمة من عدم سداد الحكومة مستحقات المستشفيات العامة والخاصة، بما فيها المستحقات المتوجبة على "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" والصناديق الصحية العسكرية. ويعرقل هذا، بحسب المنظمة الدولية، قدرة المستشفيات على دفع أجور عامليها وشراء اللوازم الطبية. كما أنّ النقص في الدولار أيضاً تسبّب في تقييد استيراد السلع الحيوية ودَفَع المصارف إلى تقييد الخطوط الإئتمانية.

 

"الكساد العظيم"
ويهدد الاستنزاف المتواصل لما تبقى من احتياطيات بالعملات الصعبة لدى البنك المركزي اللبناني، بنية المدخرات البالغة نحو 170 مليار دولار، والخاضعة حالياً لتدابير منع التحويل والتقنين القاسي للغاية بسبب ندرة السيولة بالنقود الورقية (البنكنوت).

وزير الاقتصاد اللبناني السابق ناصر سعيدي: لبنان يحتاج لحزمة إنقاذ مالي تتراوح بين 20 مليار و25 مليار دولار

وبرز في المقاربات الاقتصادية، تشبيه رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الوضع الاقتصادي السائد بفترة "الكساد العظيم" الذي شهدته أمريكا قبل 90 عاماً، وخصوصاً لجهة المعطيات والنتائج، حيث تضافرت ثلاثة عوامل، هي الاقتصاد والمكون النقدي، مع الشح بالسيولة، وتراكم المديونية في الدولة وفي القطاع الخاص.
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن شماس توصيفه للوضع الاقتصادي، بقوله: "لا بيع ولا شراء ولا دفع ولا قبض، ولا تجديد في المخزون، وبالتالي تقنين وأزمات تموين، ولا تلبية لحاجاتنا من سيولة أو تحويلات أو عملة أجنبية، فإقفال مؤسسات وتسريح موظفين أو على الأقل اقتطاع في المرتبات وتخلف عن التمويل للموردين وفقدان ثقة معمرة للتاجر اللبناني، وعجز في القدرة على سداد الضرائب والمتوجبات الرسمية إلى أجل غير مسمى، وتدهور في قيمة الليرة وفي القدرة الشرائية، ولا بصيص أمل في الأفق".

اقرأ أيضاً: حزب الله اللبناني ورقة إيران البديلة بعد سليماني لتوجيه ميليشياتها في العراق
ويعتقد تيموثي آش، الخبير في الأسواق الناشئة لدى بلو باي لإدارة الأصول في تصريح لرويترز بأنه من الصعب أن تضع أرقاماً دقيقة بشأن حجم شطب الديون، أو حجم ضخ السيولة الذي يحتاجه لبنان في نهاية المطاف.
وقال إنّ هناك قدراً ضئيلاً من الوضوح بشأن الحالة الحقيقية لاحتياطيات الدولة من العملات، أو إمكاناتها الاقتصادية، أو كيف يمكن لقطاعها المصرفي الهائل الحجم التماسك حيث تبلغ الأصول فيه نحو أربعة أمثال حجم الاقتصاد تقريباً.
وقال آش "الأمر لا يتعلق فقط بمعدلات الدين. في النهاية يتعين عليك أن تسأل لماذا وصل لبنان إلى ذلك الوضع الذي بلغه. كانت سنوات من السياسات السيئة... سيرغب صندوق النقد في أن يرى أنّ هناك رغبة في الإصلاح".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية