هل يطيح العمال الإيرانيون بنظام الملالي؟

هل يطيح العمال الإيرانيون بنظام الملالي؟


19/02/2020

ترجمة: محمد الدخاخني


إنّنا نعيش في عصر المعلومات. لكن حين يتعلّق الأمر بالتّغيير الجوهريّ في المجتمع، يظلّ العمّال الصّناعيّون المنظَّمون قوّة أساسيّة هائلة. وذلك صحيح تماماً في إيران كما هو في دولٍ حديثة أخرى.
قد تبدو الحركة العمّاليّة الإيرانيّة موضوعاً بعيداً في وقتٍ تُهيمن فيه على الأخبار موضوعات مثل عزل ترامب وبداية الانتخابات التّمهيديّة الرّئاسيّة الأمريكيّة، ناهيك عن خطر حصول وباء عالميّ من جرّاء فيروس كورونا. لكن ما تزال إيران قُمرةً للقيادة فيما يتعلّق بعددٍ من الأحداث المزعزعة للاستقرار في العالم - وقد يكون الاحتجاج العمّاليّ هو العامل المُتغيّر (إكس فاكتور) صاحب التّأثير الأكثر أهميّة على النّتيجة هناك.

اقرأ أيضاً: هل سيعزز فوز المتشددين في الانتخابات الإيرانية احتمالات الصفقة مع أمريكا؟
تتحرّك إيران ببطءٍ وبشكل غير منظّم نحو نقطة انعطاف محتملة. وثورة 1979 تشيخ، شأنها شأن قادة النّظام. ويعمل رجال الدّين الحاكمون في الدّاخل والخارج من خلال الحرس "البرتيوريّ" المعروف باسم الحرس الثّوريّ الإسلاميّ، الّذي تلاشت جاذبيّته الكاريزميّة مع رحيل الّلواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الشّهر الماضي.

شهدت إيران إضرابات متقطّعة لسائقي الحافلات وسائقي الشّاحنات وعمّال التّكرير وغيرهم
يُعدّ الحرس الثّوريّ الإيرانيّ اليوم طليعة دولة بوليسيّة تَحكم بالخوف. وبالنّظر إلى مهارة هذا الجهاز في قمع المعارضة، فإنّ الرّكود السّياسيّ في إيران قد يستمرّ لعقد آخر. لكن من الصّعب تخيّل أن يَحكم مثل هذا النّظام إلى الأبد أمّةً تتمتّع بثراء ثقافيّ واجتماعيّ. إذاً، كيف يمكن أن تتغيّر إيران؟
غالباً ما تُتَجاهل الحركة العماليّة الإيرانيّة في أيّ تقييمات تخصّ البلاد. لكن الاحتجاجات العمّاليّة كانت صاخبة وذات قاعدة عريضة وصَعُب قمعها لمدّة عقدين. وفي الواقع، قد يكون العمّال الغاضبون القوّة السّياسيّة الأكثر إخافة لنظام الملالي.

تتحرّك إيران ببطءٍ وبشكل غير منظّم نحو نقطة انعطاف محتملة. وثورة 1979 تشيخ، شأنها شأن قادة النّظام

شهدت إيران إضرابات متقطّعة لسائقي الحافلات وسائقي الشّاحنات وعمّال التّكرير وغيرهم. وقادة العمّال لَحِق بهم السّجن والتّعذيب، لكنّهم استمرّوا في العودة. ومن المؤكّد أنّ الشّكاوى الّتي تُغذّي احتجاجات الطّبقة العاملة قد تفاقمت مؤخّراً بسبب العقوبات الاقتصاديّة الأمريكيّة، لكن الإضرابات في إيران تسبق إدارة ترامب بفترة طويلة. ويبدو أنّها تعكس الغضب الشّعبيّ من الفساد الدّاخليّ وعدم المساواة وسوء الإدارة، وليست مجرّد ردّة فعل على الضّغوط الخارجيّة.
هذا، وقد استطاعت النّسخة الفارسيّة من تلفزيون "بي بي سي" التقاط قلق النّظام من الاضطّرابات العمّاليّة، وذلك في مقالة نُشرت في كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي ونقلت بضعة تصريحات عن الرّئيس السّابق محمّد خاتمي. "إذا انضمّت الطّبقة الوسطى والطّبقة العليا إلى المتظاهرين من الطّبقة العاملة، فلا يمكن لأيّ قدرٍ من القوّة العسكريّة والأمنيّة أن يفعل أيّ شيء. سيكون النّظام في ناحية والشّعب في ناحية"، قال خاتمي، وفقاً للتّرجمة الّتي أجراها علي رضا نادر، محلّل الشّأن الإيرانيّ في مؤسّسة الدّفاع عن الدّيمقراطيّات.

اقرأ أيضاً: إيران و"تصدير الثورة"... أي مفهوم "ثوري"؟
وجاءت تعليقات خاتمي في أعقاب احتجاجات دراميّة في كافّة أنحاء البلاد في تشرين الثّاني (نوفمبر)، بعد أن زاد النّظام أسعار البنزين. وكانت المواجهة الأكثر دمويّة في مدينة معشور، في جنوب غرب إيران. فهناك، خرج المتظاهرون، بما في ذلك عمّال البتروكيماويّات، إلى الشّوارع، وردّ النّظام بوحشيّة، من خلال، كما يُزعَم، نيران الأسلحة الآليّة والمدرّعات. ونقلت إيران واير، وهي منظّمة إخباريّة مستقلّة تغطّي الشّأن الإيرانيّ، عن مسؤول من المنطقة قوله إنّ 148 متظاهراً قُتِلوا خلال خمسة أيّام.

يُعدّ الحرس الثوري طليعة دولة بوليسيّة تَحكم بالخوف، وبالنّظر لمهارته بقمع المعارضة، فالرّكود السياسي بإيران قد يستمرّ لعقد آخر

ومن جانبه، يقول بهنام بن طالبلو، المحلّل في مؤسّسة الدّفاع عن الدّيمقراطيّات: "يخشى النّظام العمّال المنظّمين، ويعلم جيّداً أنّ إضرابات عمّال النّفط كانت ضروريّة لإسقاط الشّاه في عامي 1978 و1979". وخلال مقابلة معها، أوضحت مريم ميمارساديغي، الّتي تُتابع أوضاع النّقابات العمّاليّة الإيرانيّة والّتي شاركت في تأسيس مبادرة مجتمع مدنيّ تدعى تافانا، أنّ هناك "تآزراً بين الإضرابات العمّاليّة والاحتجاجات الموجودة في الشّوارع".
وأنتجت الحركة العمّاليّة الإيرانيّة بعض الزّعماء الشّجعان على مدار العقدين الماضيين، بمن فيهم منصور أوسانلو، الّذي سُجن في عام 2005 بعد أن شكّل اتّحاداً لسائقي الحافلات عبّر عن احتجاجه من خلال رفض تحصيل أجرة الرّكّاب، ومحمّد حسين سبهري، وهو منظّم أحد نقابات المعلّمين وقائد احتجاجات لأكثر من عقد، بالرّغم من الاعتقالات المتكرّرة.


استمرّت الاحتجاجات العمّاليّة في النّموّ بالرّغم من القمع، وفقاً للبيانات الّتي جمعها كلّ من كيفان هاريس وزيب كالب من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. فمن خلال رصدهما الصّحف الإيرانيّة، وجدا أنّ الاحتجاجات ارتفعت من عام 2012 إلى عام 2016 وأنّ الإضرابات خارج طهران زادت بشكل حادٍّ خلال ذلك الوقت، كما كتبا لصحيفة ذي بوست في عام 2018.

أنتجت الحركة العمّاليّة الإيرانيّة بعض الزّعماء الشّجعان على مدار العقدين الماضيين، بمن فيهم منصور أوسانلو ومحمّد حسين سبهري

أظهر إضراب سائقي الشّاحنات في عام 2018 التّأثيرات المحتملة على المستوى الوطنيّ للاحتجاجات العمّاليّة. وكان بعض مسؤولي إدارة ترامب متحمّسين لدرجة أنّهم كانوا يأملون في تفاقم التّوتّرات الاقتصاديّة الّتي تسبّبت في الإضراب - بل وتنظيم شهادات لسائقي الشّاحنات الإيرانيّين في أمريكا. (واتّضح أنّه لم يكن هناك الكثير منها).
لكن حذار: الطّريقة الوحيدة المؤكّدة لتسميم الحركة العمّاليّة الإيرانيّة هي الدّعم القويّ من جانب الحكومة الأمريكيّة. بدلاً من ذلك، هذا التّحدي يقع في ملعب النّقابات العمّاليّة على مستوى العالم. وأذكر هنا بروز "حركة تضامن" في بولندا، عندما دعم نشطاء النّقابات في كافّة أنحاء العالم الحركة الّتي ساعدت في النّهاية على إخراج الشّيوعيّة عن مسارها في أوروبا الشّرقيّة. ومن شأن تعبئة دوليّة مماثلة لدعم العمّال الإيرانيّين أن تستحضر شعار "تضامن" الخالد.
يقود العمّال الغاضبون التّغيير السّياسيّ في إيران والصّين وحتّى في أمريكا دونالد ترامب. وعندما ترى موجة من الإضرابات تنتشر في كافّة أنحاء إيران، بالرّغم من القمع الوحشيّ، ستعرف أنّ إيران قد تدخل أخيراً حقبة جديدة.


ديفيد إغنيشوس، الواشنطن بوست

مصدر  الترجمة عن الإنجليزية:
https://www.washingtonpost.com/opinions/global-opinions/political-change-in-iran-may-begin-with-its-labor-movement/2020/02/06/46e93716-4911-11ea-9164-d3154ad8a5cd_story.html



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية