انتخابات إيران وتحدياتها الداخلية

انتخابات إيران وتحدياتها الداخلية


22/02/2020

محمد السعيد إدريس
الإحجام عن المشاركة في الانتخابات، يمكن أن يعطي الفرصة للمرفوضين شعبياً للحصول على عضوية البرلمان والسيطرة على قراراته وأدائه.

تواجه إيران اليوم أحد أهم تحدياتها على الإطلاق؛ حيث من المفترض أن يمتلك الشعب اليوم فرصته؛ ليعبر عن موقفه الحقيقي من كل ما يواجه إيران من أزمات مفروضة من الخارج؛ وفي مقدمتها بالطبع الصراع الساخن مع الولايات المتحدة حول قدرات إيران النووية والصاروخية وتوجهات سياستها الخارجية، وهو الصراع الذي أدى بضغوطه الاقتصادية الهائلة، إلى تفجير أزمات اقتصادية وصعوبات معيشية وارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وولد حركة احتجاجات واسعة، رفعت شعارات غاضبة ضد النظام؛ لكن تم استيعابها بحركة تظاهرات أخرى مضادة مؤيدة للنظام. واليوم ومن خلال عملية الانتخابات التي تجرى؛ لاختيار برلمان جديد (مجلس الشورى) سيكون أمام الشعب فرصته؛ لأن يعبر عما يريد، وفي الاتجاه الذي يريده سواء على مستوى إدارة السياسة الخارجية وإدارة الصراع الخارجي مع الولايات المتحدة وحلفائها أو على مستوى إدارة الحكم في الداخل وإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

هذه الفرصة يمكن أن تتم على مسارين؛ الأول هو حجم المشاركة والتصويت في العملية الانتخابية. فالإحجام عن هذه المشاركة، والوصول بها إلى أدنى مستوياتها، وهذا ما يخشاه النظام الحاكم ويحسب كثيراً له؛ سيكون إعلاناً صريحاً بالرفض للنظام وسياساته والتشكيك في شرعيته.

أما المسار الثاني، فهو الاختيار الدقيق لمن هم الأفضل، من وجهة النظر الشعبية؛ للحصول على عضوية البرلمان، والامتناع عن كل من يعرقلون ما يراه الشعب الإيراني من حلول جذرية للأزمات، ومحاربة الفساد، والحد من سلطوية النظام. وفى كل من المسارين يواجه الشعب أزمة معقدة. فالإحجام عن المشاركة، يمكن أن يُعطي الفرصة للمرفوضين شعبياً للحصول على عضوية البرلمان، والسيطرة على قراراته وأدائه، في حين أن الإقدام الإيجابي على المشاركة سيكون تجديداً ودعماً لشرعية النظام في معركته مع الخارج وبالذات مع الولايات المتحدة، التي تراهن بضغوطها وعقوباتها الاقتصادية المشددة، على أن تؤدي إلى تفجير حركة معارضة قوية، يمكن التعويل عليها؛ من أجل إسقاط النظام وفقاً لما يتحدث عنه كثيراً وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، كما أنها لن تفيد كثيراً في تحقيق هدف اختيار من هم أجدر بتمثيل الشعب؛ بعد أن فعَّل مجلس صيانة الدستور المكلف بالإشراف على إجراء الانتخابات «مقصلته»، ورفض اعتماد ترشيح 6850 مرشحاً من بينهم 90 نائباً من نواب البرلمان الحالي من بين 14 ألفاً تقدموا بطلب خوض الانتخابات. ما يعنى أن ما يقرب من ثلث أعضاء المجلس (البالغ عدد أعضائه 290 نائباً) تم استبعادهم وفق اتهامات بارتكاب تجاوزات مالية والتورط في قضايا فساد، في حين فند المرشد الأعلى علي خامنئي هذه المزاعم، دون قصد؛ عندما أعلن تأييده لموقف مجلس صيانة الدستور، بقوله: «إن البرلمان المقبل ليس به أي مكان للخائفين من رفع أصواتهم ضد الأعداء الخارجيين» ما يعني أن الاستبعاد جاء لأسباب سياسية خصوصاً وأن العدد الأكبر من هؤلاء النواب المستبعدين من التيار الإصلاحي، وخاصة من المطالبين بمراجعة إدارة السياسة الخارجية، والمطالبين بتغيير أداء الحكم في الداخل.

وهذا ما سبق أن حذر منه رئيس الجمهورية حسن روحاني في 15 يناير/كانون الثاني الفائت؛ عندما قال: إن «رفض أهلية المرشحين من تيار واحد لا يمكن أن تكون انتخابات، كأن لا يوجد تنوع في سلع متجر، الناس يريدون التنوع».

وفي خطابه في ذكرى الثورة الإيرانية يوم 11 فبراير/شباط الجاري تعمد روحاني أن يضع النقاط فوق الحروف، وأن يفجر قضية «شرعية النظام»، ومعنى ذلك من ناحية تعرضه للخطر أمام غضب شعبي آخذ في التراكم، ولجأ في توصيل رسالته إلى استلهام ثورة الشعب الإيراني ضد نظام الشاه وأسبابها وإمكانية تكرار هذه الثورة إذا تجددت الأسباب، وقال: «لو ترك النظام السابق (نظام الشاه) الناس أحراراً في اختيار نوع الحكومة والدستور، ووافق على قبول انتخابات نزيهة حرة وطنية، لم نكن بحاجة إلى الثورة»، وقال أيضاً ما هو أهم، وما يعد تحدياً لسلطة المرشد الأعلى أن «البلاد قائمة على حكم الشعب والاستفتاء»، وهنا بالتحديد يكون روحاني وهو على أبواب إنهاء فترة حكمه، قد قرر أن يكرر تجربة فاشلة سابقة خاضها الرئيس الأسبق محمد خاتمي في صدامه مع كل من المرشد ومجلس صيانة الدستور؛ عندما فجر قضية «لمن تكون الحاكمية» للشعب أم للمرشد؛ وعندما طالب بالحد من سطوة مجلس صيانة الدستور على الصحافة، وطالب بتمكين رئيس الجمهورية من ممارسة سلطاته الدستورية، وكانت النتيجة هي انتصار المرشد، وإبعاد كامل للرئيس خاتمي عن الحياة السياسية ومعه أهم رموز الحركة الإصلاحية.

الآن يطالب روحاني بالاستفتاء الشعبي على مشروع قانون يجري إعداده في البرلمان الذي سيستمر عمله حتى أغسطس/آب القادم يقضي بتقليص سطوة مجلس صيانة الدستور على الانتخابات.

فهل سينجح روحاني في فرض خيار هذا الاستفتاء الشعبي؟

السؤال مهم؛ لأنه إعلان عن معركة كبرى داخلية قادمة ستفرض نفسها عقب الانتهاء من الانتخابات؛ لكن هذا سيؤدى حتماً إلى تفاقم التحديات الداخلية، ومن هنا يتجدد مأزق النظام.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية