لماذا يرفض البعض بيكا وشاكوش؟

لماذا يرفض البعض بيكا وشاكوش؟


23/02/2020

ماهر جبره

"أشرب خمور وحشيش" هي الجملة التي فجرت أزمة بين مطربي المهرجانات ونقابة المهن الموسيقية. جملة في أغنية "بنت الجيران" التي أصبحت أشهر ما حدث في مصر خلال الأيام الماضية، تسببت في قرار من نقيب الموسيقيين هاني شاكر بمنع مطربي المهرجانات من الغناء.

الأغنية التي حققت المركز الأول على تطبيق ساوند كلاود عالميا، تسببت في أزمة بعد أن غناها حسن شاكوش وعمرو كمال في استاد القاهرة وأذاعتها وسائل الإعلام. وهنا انتقل المهرجان الذي يملأ حواري وشوارع المناطق الشعبية إلى كل بيت في مصر، ومن هنا بدأ الجدل.

حالة استهجان من كثيرين من باب الحفاظ على الذوق العام من أغاني في رأي كثيرين تحمل كلمات مبتذلة، وفي نفس الوقت حالة إعجاب ودفاع عن مطربي المهرجانات من آخرين ضد قرار نقيب الموسيقيين هاني شاكر بمنعهم من العمل من باب الدفاع عن حرية الفن.

تابعت النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، وفي رأيي أنه نقاش صحي نحتاج له في كثير من أمور حياتنا. ولكن كالعادة يسعى البعض لتسطيح الأمور فأما أنت مع أم ضد. ولكن في تقديري أن الأمر أعقد قليلا من أن ينطبق عليه فكرة مع أم ضد.

فمن حيث المبدأ أنا ضد منع أي شكل من أشكال الفنون، فدور الدولة ليس تحديد نوع الأغاني التي يستمع إليها المواطنون. وليس من شأنها أن تقول إن هذه موسيقى جيدة أم رديئة.

وبالتالي، فعلينا أن نترك مسألة الأذواق للناس، فهي مسألة نسبية جدا. فما يعجبني ليس بالضرورة سيعجبك، وليس للدولة أو لأي شخص أن يفرض الوصاية الأخلاقية على المصريين. فضلا عن أنه عادة ما تلاقي الأنواع الجديدة من الموسيقى أو الفنون مقاومة في البداية باعتبارها إسفافا.

ولكنني على الناحية الأخرى أتفهم لماذا يهاجم البعض المهرجانات. والحقيقة أنهم لا يهاجمونها بسبب كونهم متعاليين ولا يتقبلون الفن الشعبي كما يقال، ولكنهم يهاجمونها لأسباب أخرى.

أسباب لا علاقة لها بنوع الموسيقى الجديد أو اختلاف شكل أغاني المهرجانات عن الأغاني الكلاسيكية. ولكن لها علاقة بترويج ثقافة العنف وتحديدا العنف ضد المرأة من خلال كلمات بعض من هذه الأغاني.

فهناك عدد ليس بقليل من المهرجانات تحتوي على كلمات فيها تحريض على العنف في العموم وعلى التحرش والعنف ضد المرأة بشكل خاص. وهنا نحن لا نتحدث عن غزل صريح أو جريء ولكن عن كلمات تروج للتحرش الجنسي بالمرأة بشكل واضح وصريح وفج. وأعتقد أن هذا ما دفع كثيرين لتأييد قرار نقيب الموسيقيين.

وعليه فإن من يتصورون أن كل هذا الغضب بسبب جملة "أشرب خمور وحشيش" هم في الأغلب لم يسمعوا الأغاني الأخرى التي تحتوي على تجاوزات واضحة. وقد قام المحامي أحمد فايز بتقديم بعض الأمثلة من خلال بوست انتشر بشدة على فيسبوك. وأدعوهم للاطلاع على هذه الأمثلة قبل أن يهاجموا معارضي المهرجانات بصفتهم معاديين للحريات.

فمثلا أغاني حمو بيكا، الذي أصبح من رموز فن المهرجانات، بها العديد من الأمثلة على ثقافة استباحة المرأة. كنت أتمنى أن أذكرها هنا، لكن درجة الفجاجة في كثير منها تجعل ذلك غير ممكن. ولكنني سأضرب مثالا واحدا ففي أحد أغانيه يقول "الأنثى ده قدامي حشرة". علما بأن بيكا يعتبر من نجوم الصف الأول للمهرجانات، وهناك من يقدمون كلمات أسوأ من ذلك بكثير.

وهنا علينا أن ندرك أن هناك اختلاف بين حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور والتي ينبغي الدفاع عنها وبين التحريض على الكراهية والتحرش أو العنف الجنسي ضد المرأة الذي جرمه الدستور أيضا.

فنعم، منع نوع كامل من الغناء ليس من حق نقابة الموسيقيين دستوريا، كما أن تطبيقه على أرض الواقع يكاد يكون مستحيلا. فلن تتجاوب يوتيوب وساوند كلاود مع طلب النقابة بحذف أغاني المهرجانات.

فضلا عن أن ثقافة المنع هي جزء من الأزمة التي يعيشها المصريون، فهناك العديد من الفرق الموسيقية والمغنيين الذين تم منعهم والتضييق عليهم، هذا بخلاف حجب مئات المواقع التي تقدم أفكار جادة وهادفة. ولربما غياب هذه البدائل الفنية والفكرية ترك الساحة خالية لمطربي المهرجانات.

ولكننا من ناحية أخرى علينا ألا نتجاهل التأثير السلبي لبعض هذه الأغاني. فبعضها يحرض على التحرش ويحقّر من المرأة، في بلد تتعرض فيها المرأة للتحرش بشكل يومي. وهذه الأغاني يسمعها الجميع القاصر والبالغ في المواصلات والأفراح الشعبية بشكل يستحيل معه حماية الأطفال والقصر منها.

لذا فإنني أعتقد أن تعميم المنع هو قرار خاطئ وغير مُجدي، ولكن في نفس الوقت عدم مواجهة ترويج بعض الأغاني للعنف وتحديدا ضد المرأة هو خطأ أيضا. وبالتالي فربما نحتاج أن نوجه انتقاداتنا تجاه خطاب التحريض على المرأة أو على العنف والتعامل مع هذه التجاوزات بعينها بدلا من منع المهرجانات كلها.

عن "الحرة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية