التشريع والمرأة في مصر: هل قدمّت الدساتير حلولاً لمشكلات النساء؟

النسوية الإسلامية

التشريع والمرأة في مصر: هل قدمّت الدساتير حلولاً لمشكلات النساء؟


24/02/2020

يعدّ تنظيم الحقوق والحريات للمواطنين والمواطنات، أداة لقياس تطوّر أنظمة الحكم وعلاقة الدولة بمواطنيها، ومن هنا كان جلياً ذكر ما نصّت عليه الدساتير المصرية في شأن المرأة وحقوقها، وهل حاولت تلك الدساتير وضع حدّ لمعاناة النساء في مصر؟

اقرأ أيضاً: النسوية الإسلامية والسينما: هل ارتقى الفن السابع بقضايا المرأة؟
بادئ ذي بدء نتناول دستور 71، الذي ما نزال نعيش توابعه حتى اليوم.

أسطورة المساواة 
تنصّ المادة الحادية عشرة من دستور 71 على: "تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة والعمل، والمشاركة في المجتمع، ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية"؛ حيث جاءت هذه المادة بما يتماهى مع الاتجاه الجديد للدولة، خاصةً بعد تعديل المادة الثانية من الدستور، وإضافة أحكام الشريعة الإسلامية، كمصدر أساسي للتشريع، وفي خطوة لتطبيق مبدأ المساواة، نصّت أيضاً المادة السادسة من الدستور المصري، على أنّ "الجنسية حقّ لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية، والاعتراف القانوني به، ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية، وهو حقّ يكفله وينظمه القانون، ويحدّد كذلك شروط اكتساب الجنسية"، وقد كرّست هذه المادة حقّ المرأة في إعطاء جنسيتها لأولادها، الذي حصلت عليه في تعديل قانون الجنسية، عام 2004، دون الحاجة إلى إجراءات أو موافقة وزارة الداخلية، تماماً كما هو وضع الأطفال من أب مصري.

أصبح للمرأة دور كبير في المجتمع فهي تمثّل 15% من قوة البرلمان و25% من قوة الحكومة

ولكن يؤخذ على المادة الحادية عشرة من دستور 71؛ أنّها لم تكن تفصيلية، ولم تضف أَسساً ومبادئ تحافظ على حقوق المرأة، وتساعد في تمكينها بالمجتمع، ولم تقر حقوقها القانونية في إطار التشريع بين مؤيد ومعارض، وفق ما يتبناه البعض من فقه متشدّد أو معتدل، ويذكر في هذا المقام الجدل الذي قام حول إدراج حقّ الخلع في قانون إجراءات الأحوال الشخصية، أو قوانين الرؤية والحضانة، وغيرها، ليأتي الأربعاء الأسود عام 2005، عقب  التعديلات الدستورية التي أجراها الرئيس الأسبق حسني مبارك؛ إذ اعترضت بعض القوى النسائية على البند الخاص بالتوريث، ما دفعهم للتظاهر أمام نقابة الصحفيين المصرية، لتقوم بعض قوات الأمن بالاعتداء على الناشطات، ثمّ خرجت بعض وسائل الإعلام تتهم المتظاهرات بـ"التعري" أمام النقابة، بهدف تأليب الرأي العام عليهنّ، وبذلك يتمّ تشويه أيّة حركة نسوية تطالب بحقوق النساء، ولم يحاكم أحد على هذه الانتهاكات حتى اليوم.
لم تضف المادة الحادية عشرة من دستور 71 أسساً ومبادئ تحافظ على حقوق المرأة وتساعد في تمكينها بالمجتمع

ما بعد الثورة
جاء بعد ذلك دستور 2012؛ عاصفاً بحقوق أساسية للنساء، التي كان يجب تضمينها في الدستور؛ إذ إنّ صياغته نصّت على أنّ النساء أولاً، كـ "شقائق للرجال وشريكات في المكتسبات والمسؤوليات الوطنية"، (في الديباجة)، ثمّ كـ "أم"، ومعيلة للأسرة، ومطلقة، وأرملة (في المادة 10)، مع اختلاف الحالات؛ فالمرأة‍ "مفعول به" دائماً، ولا تظهر كفرد مستقلّ في هذا العقد الاجتماعي المصري الجديد، ثم جاءت التعديلات اللاحقة في دستور 2013؛ إذ نصّت على المساواة، في نصّ صريح على "تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفق أحكام الدستور، وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدّده القانون، كما تكفل للمرأة حقّها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة، والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدّها، وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضدّ كلّ أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة، والمرأة المعيلة والمسنّة، والنساء الأشدّ احتياجاً، إلا أنّ هذا الدستور ظلّ حبراً على ورق، وكانت كلّ ممارسات السلطة وقتها تعدّ إقصاءً صريحاً للمرأة، وتجريدها من الحقوق التي اكتسبتها من قبل".

اقرأ أيضاً: السينما النسوية السعودية تضع المجتمع أمام عيوبه

أما بعد دستور 2014؛ الذي رآه العديد من النشطاء أحد مكاسب نضال الحركات النسوية والمجموعات النسائية، ليضمن استحقاقات دستورية على كافة المستويات؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتضمين الدستور المبادئ المهمة والعامة، التي تعامل النساء كمواطنات مساويات لنظرائهن من الرجال في الوطن الواحد، وهي مبادئ لم تكن موجودة في الدساتير المصرية من قبل، سواء في الدساتير التي تمّ إنشاؤها من الصفر، أو الدساتير التي تمّ تعديلها؛ ذلك لأنّ المكاسب والاستحقاقات الدستورية الحالية الموجودة في دستور 2014، وضعت أساس الحكم الديمقراطي القائم على المساواة بين المواطنين والمواطنات في كافة مناحي الحياة، وأقرّت مبادئ مهمّة وفعّالة لقيام دولة ديمقراطية حقيقية، منها، على سبيل المثال وليس الحصر، أولاً: "مبدأ تداول السلطة"، وثانياً: "الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، دون تداخل أيّة سلطة في مهام الأخرى"، وثالثاً: "مبدأ تجريم التمييز بكافة أشكاله وأنواعه في المجتمع المصري"، ورابعاً: "إقرار مبدأ اللامركزية في إدارة المحليات، وتخصيص مقاعد محددة لصالح النساء، وضرورة تمثيل الفئات المختلفة بالمجتمع في الإدارات المحلية"، وخامساً: "وضع أسس العدالة الانتقالية والعمل على التمثيل المناسب للنساء في جميع الهيئات التشريعية والبرلمانية والتنفيذية والقضائية"، وسادساً: "إقرار ضرورة مناهضة وتجريم كافة أشكال العنف ضدّ النساء"، وأخيراً "التزام الدولة بتطبيق وتفعيل المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقّعت عليها".

نحو تعزيز حقوق النساء
كان لدستور 2014 دور آخر في تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، طبقاً للمادة (11) من الدستور؛ إذ "تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقّها في تولّي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة، والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدّها"، كذلك "تلتزم الدولة بحماية المرأة ضدّ كلّ أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة، والمرأة المعيلة، والمسنّة، والنساء الأشدّ احتياجاً"، كما نصّت المادة 180 على أن "تنتخب كلّ وحدة محلية مجلساً بالاقتراع العام السرّي المباشر، لمدة 4 أعوام، ويشترط ألا يقلّ عمر المترشّح عن واحد وعشرين عاماً، وينظم القانون شروط الترشح الأخرى، وإجراءات الانتخاب، على أن يُخصَّص ربع عدد المقاعد للشباب دون سنّ خمسة وثلاثين عاماً، وربع العدد للمرأة"، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتضمن الدستور المصري فيها مساواة كاملة للنساء والرجال.

اقرأ أيضاً: النسويّة الإسلامية.. تطلّع نحو المساواة أم ضرورة سياسية؟
يبدو أنّ دستور 2014 كان الأكثر انصافاً للمرأة، كما أعربت نائب رئيس المحكمة الدستورية العامة سابقاً؛ المستشارة تهاني الجبالي، عن رأيها لـ "حفريات" بقولها؛ إنّ "المرأة حالياً أصبح لها دور كبير في المجتمع؛ حيث إنّها تمثّل 15% من قوة البرلمان، و25% من قوة الحكومة"، لافتة إلى أنّ "هناك 110 قاضيات مصريات وصلن لترأس المحاكم الجنائية، وبعضهنّ ترأّسن محاكم النقض"، منوّهة إلى أنّ "مصر تمتلك كثيراً من الكفاءات النسائية التي أثبتت نجاحها في كافة المجالات"، كما أوضحت أنّه على الحكومة تقديم برنامج مباشر للتطوير، حتى يتم التأكد من أنّ هناك آليات تنفيذية تعمل عليها الحكومة لتحقيق هذه التكليفات، مفيدة بأنّ برامج العمل تسمح لنا بمحاسبة الحكومة إذا قصّرت في تنفيذ توجيهات الرئيس، مشيرة إلى أنّ هناك اهتماماً بدور المرأة، حيث يذكر الرئيس المصري المرأة في كلماته كافة، وأصبح هناك تطور نوعي في الرعاية الاجتماعية بالمرأة، والاهتمام بالطبقات المهمَّشة، مطالبة بعمل تطوير تشريعي لدور المرأة، والعناية بالمرأة العاملة بشكل أكبر، وكذلك المرأة المعيلة والمسنّة.

نصّت المادة السادسة من الدستور المصري على أنّ الجنسية حقّ لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية

تفعيل القوانين
توضح الجبالي؛ "رغم أنّ النصّ الدستوري يقرّ بحقّ المرأة في دخول كلّ الهيئات الدستورية والقضائية، إلا أنّه، حتى وقتنا هذا، هناك بعض الهيئات التي ترفض عمل المرأة، مثل؛ "مجلس الدولة"، و"النيابة الإدارية"، منوّهة إلى أنّ ذلك يعدّ مخالفة صارخة للدستور، ولا بدّ من تدخّل الرئيس بها، عن طريق رفضه أيّة تعيينات جديدة، لا يوجد بها عدد محدّد من السيدات؛ حيث إنّ الإرادة السياسية حاسمة، وتهتم كثيراً بشؤون المرأة، ولكن الإرادة السياسية لا تكفي وحدها، ولتحقيق التكليفات الرئيسة، فلا بدّ من وجود برامج سياسية تتمّ مراقبتها، والبحث فيها، حتى يكون التطوير في العمق وليس بشكل سطحي فقط.

اقرأ أيضاً: النسوية الإسلامية: حضور متزايد يُقيّد أفق المرأة
وبسؤال المحامية ورئيس المجلس المصري لحقوق المرأة، نهاد أبو القمصان، عن رؤيتها للدساتير المصرية، ووضع المرأة فيها، أجابت لـ "حفريات" أنّ "البنود الدستورية الخاصة بالمساواة بين الجنسين لها طريقتها في الصياغة، ومواضيعها الخاصة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، في دستور أية دولة ديمقراطية ومتحضرة، ولا يمكننا أن نفترض وجود المساواة بين الجنسين في الدولة، إذا كان دستورها يتحدث فقط للرجال، الذين يشكلون نصف المجتمع فقط، مهمِّشاً النصف الآخر منه، عن طريق استخدام الضمائر له أو عليه، خاصّة في بنود وشروط المشاركة السياسية، فالنساء يشعرن بطريقة أو بأخرى بالاستبعاد، أو بعدم وضعهنّ في الاعتبار، نظراً إلى استبعادهنّ من أهم وثيقة تنظمها الدولة التي يعشن فيها، وهو أيضاً القانون الأساسيّ والأسمى للبلاد".

اقرأ أيضاً: كيف أصبحت النسوية المعاصرة ذراعاً خفياً للنظام الرأسمالي الذكوري؟

وأردفت بقولها؛ "رغم أنّه ليس من المناسب أن تكون المرأة مذكورة في الدساتير فقط، عند التطرق للبنود التي تتعلق بالأمومة والإنجاب، فهذا يعكس السياسة العامة للبلد ككل، ويضيق أو يقيد دور المرأة في المجتمع في هذَين الدورَين فقط؛ فمن المفروض أن يتم ذكر المرأة في كلّ بند ينظم جوانب الحياة المختلفة، سواء العامة أو الخاصة، مثل؛ الديباجة، وأحكام المساواة، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً المشاركة السياسية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية