كورونا بين المؤامرة والعولمة.. كيف تتعامل مجتمعاتنا مع المرض؟

كورونا بين المؤامرة والعولمة.. كيف تتعامل مجتمعاتنا مع المرض؟


17/03/2020

تُصوّر مقاربات خاصة في الشرق الأوسط انتشار فيروس كورونا واجتياحه العديد من دول العالم على أنّه مؤامرة؛ تقف وراءها الولايات المتحدة وإسرائيل، وأنّه خرج من مختبراتها خلال العمل على إنتاج فيروس قاتل في إطار الحرب  الجرثومية، ويتجاوز انتشار هذه المقاربات الفيروس نفسه، والتعامل معه من قبل الطبقات الشعبية ليصل ترددها لأوساط مثقفين ومحللين وخبراء؛ لديهم قناعات بأنّ اللقاح المضاد للفيروس موجود في المختبرات الأمريكية أيضاً، ولن يتم الكشف عنه إلا بعد تحقيق أمريكا أهدافها، خاصة وأنّه بدأ في الصين ثم انتقل لإيران؛ خصما الولايات المتحدة، فيما أصبحت أوروبا حليفة الولايات المتحدة ثاني ساحة ينتشر فيها الفيروس بعد الصين، ومع ذلك فإنّ القول بمسؤولية أمريكا عن إنتاج الفيروس وأنّ لديها لقاح علاجه، يُعدّ اعترافاً بأنّ أمريكا قائدة العالم مع كل ما يتطلبه ذلك من التبعية للقائد.

 

 

قلّة في الشرق الأوسط يدركون حقيقة أنّ انتشار الفيروس أحد تمظهرات العولمة والتشبيك الذي أنتجته التكنولوجيا بوصفها أداة العولمة الرئيسية، وأنّ أمريكا التي يتوقع المسؤولون فيها أن يصيب الفيروس أكثر من 150 مليون أمريكي، من بين أبرز الخاسرين بسبب تداعيات الفيروس، على صعيد هبوط أسعار النفط والتأثير على نفطها والانهيار غير المسبوق في أسواقها المالية.

تُعدّ أمريكا من أبرز الخاسرين من تداعيات الفيروس؛ حيث يتوقع المسؤولون الأمريكيون إصابة أكثر من 150 مليون أمريكي

بين مؤامرة أنتجها الآخر، و"الابتلاء"؛ تعكس مقاربات المؤامرة في تفسير انتشار الأوبئة والكوارث ومنها كورونا حجم فشل الشعوب والدول والحكومات التي تتفشى فيها هذه المقاربات، مسنودة بمقولات رجال الدين والسياسة؛ إذ تعفي هذه المقاربات الحكومات والمسؤولين من المسؤولية في تحمّل الفشل بالتعامل مع هكذا أزمات؛ بدءاً من عدم الإفصاح عن أعداد المصابين وإجراءات العزل والحجر الصحي، مروراً بظهور جوانب العجز والفشل في البنى الصحية، وصولاً لاستعدادها لمواجهة الكوارث الطبيعية أو الصحية، وكان لافتاً اجتياح أخبار تفيد بأنّ المسلمين في الصين لم يصبهم الفيروس، قبل انتشاره في إيران وتركيا ومصر ودول الخليج وغيرها من الدول المسلمة، بالتوازي مع مقولات الطب البديل لدى شعوب غير إسلامية كما في الهند.

اقرأ أيضاً:   كيف تنظر الأديان إلى مرض كورونا؟

وتَحول مقاربات المؤامرة المريحة للحكومات والشعوب الشرق أوسطية، دون إجراء مقارنات بين الدول وكيفية تعاملها مع انتشار الفيروس بوصفه وباء، تلك المقارنات التي تقول مخرجاتها أنّ هناك فروقاً في البنى التحتية الصحية من مستشفيات ومراكز صحية وعيادات وفي الاعتراف بحجم انتشار الفيروس، من حيث أعداد المصابين وعدد الوفيات وكيفية الوقاية، وتخصيص الأموال اللازمة للتعامل مع الوباء، كما في أمريكا حيث أصبح مبلغ 50 مليار دولار تحت تصرّف الرئيس الأمريكي لمواجهته.

اقرأ أيضاً: "كورونا" وأسلمة الفيروسات: هكذا انتشرت جنود الله انتقاماً للإيغور

إنّ انتشار الفيروس عالمياً لا ينفي الاستثمار والتوظيف السياسي والاقتصادي من قبل كافة الدول لتداعياته؛ منع التجول في إيران ووقف صلاة الجمعة في غالبية الدول الإسلامية، وتعطيل المدارس والجامعات، وطرح التعليم الإلكتروني في دول "لا تعترف بالتعليم عن بعد"، وإلغاء قمم سياسية واقتصادية عالمية، وبطولات رياضية إقليمية ودولية، وخسارات فادحة في السياحة العالمية.

تعكس مقاربات المؤامرة في تفسير انتشار الأوبئة حجم فشل الشعوب والدول التي تتفشى فيها هذه المقاربات

وجاء انتشار الفيروس بهذه السرعة بمثابة رد على معارضي العولمة ومقولات إنّ العالم فعلاً أصبح قرية صغيرة وإنّ مواجهته لن تنجح إلا بإجراءات دولية مشتركة؛ إذ إنّ الانكفاء والانعزال عن العالم يبدو حلاً احترازياً مقبولاً لكنه ليس نهائياً، وعزل أي دولة ينتشر فيها المرض، لا يضمن عدم تفشّيه ما لم تكن الدولة قادرة على مواجهته، تلك القدرة التي كشفها الفيروس بين دول هشة تتصارع من أجل البقاء، ودول أنجزت مشاريع البنى التحتية في الصحة والتعليم والمواصلات والهوية وشكل ومضمون نظامها السياسي، قادرة على استيعاب تداعيات انتشار أوبئة مثل فيروس كورونا.

اقرأ أيضاً: "كورونا" والعقاب الإلهي.. هل رحمة الله تختص بالمسلمين وحدهم؟

ربما طرح فيروس كورونا وآليات التعامل معه عالمياً والفروق بين الدول في ذلك؛ تساؤلات حول المخاطر التي تهدد البشرية اليوم وفي المستقبل؛ فيما إذا كانت بالقنابل والأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، أم بالاستعدادات لمواجهة هكذا أوبئة، خاصة في دول مثل إيران؛ فما قيمة السلاح النووي والصواريخ الباليستية وحتى المزاعم ببرامج فضاء، في ظل عدم قدرة الدولة على توفير ملايين الكمامات وليس العقاقير والأدوية؟

 

 

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية