مدينة ووهان تخترق التاريخ من بوابة الذعر والموت

مدينة ووهان تخترق التاريخ من بوابة الذعر والموت


18/03/2020

قبل الحادي والثلاثين من كانون الثاني (يناير) الماضي، لم يسمع غالبية البشر بمدينة ووهان، ومَن سمعوا بها قبل ذلك التاريخ، كانت تلك المدينة الصينية ترد على مسامعهم، باعتبارها أعرق المدن في الصين، والمدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في وسط الصين؛ إذ يبلغ عدد سكانها أكثر من 11 مليون نسمة، لتكون بذلك تاسع أكبر مدينة صينية من حيث عدد السكان.

اقرأ أيضاً: مبادرة إنسانية جديدة.. الإمارات تجلي الطلبة السودانيين من ووهان
لكنّ للتاريخ ذاكرة مختلفة، فهو سيكتب عن ووهان باعتبارها المدينة التي نشرت الذعر في سائر أرجاء المعمورة، وسيقترن اسمها بالأوبئة التي أهلكت البشر، ودمرت الاقتصادات العالمية، وأغلقت الحدود بين الدول، ومنعت الطائرات من أن تحلق في الأجواء، وحبست الناس في منازلهم، وقتلت العديد منهم، لمجرد أنّ فيروساً انبثق من سوق ووهان للمأكولات البحرية في مقاطعة جيانغهان، أهلكَ أقواماً كثيرين، وحبس أنفاس الكون.

يبلغ عدد سكانها أكثر من 11 مليون نسمة

ووهان قبل أن ينبعث الوباء
تلك هي حكاية ووهان. وهذا ما سيذكره التاريخ. وبعد آلاف الصفحات، ربما يتذكّر أنها كانت، قبل أن ينبعث منها الوباء، تزخر بسلسلة من المناطق الصناعية و52 معهداً للدراسات العليا ويسكنها أكثر من 700 ألف طالب وطالبة، وهو أكبر عدد للطلبة في أيّ من المدن الصينية.

سيتذكّر التاريخ ووهان، باعتبارها منشأ الفيروس الذي فتك بالبشر وحبس سكان الأرض في بيوتهم أو في أقفاص مخاوفهم

وبحسب تقييم فورتشون العالمي، تستثمر في ووهان 230 من أكبر 500 شركة في العالم. وتعد فرنسا (التي كانت تتمتع بامتياز في هانكو، التي ضُمت إلى ووهان، بين عامي 1886 و1943) من الدول التي لديها استثمارات كبيرة في المدينة؛ إذ تستثمر فيها أكثر من 100 شركة فرنسية، ولشركة بيجو سيتروين للسيارات مصنع في ووهان ضمن شراكة مع إحدى الشركات الصينية.
ومع دخول حمى كورونا التي اجتاحت الصين بداية قبل أن تتفشى في أنحاء العالم، شهرها الرابع، يبدو أنّ بؤرة انطلاق الفيروس المستجد بدأت تتنفس الصعداء، كما أفادت قناة "العربية"؛ إذ جرى استئناف العمل في عدد من المجالات.
وشهدت ووهان حركة خجولة جداً في الشوارع، فيما أعلنت حكومة إقليم هوبي أنّ الصناعات الرئيسية ستستأنف أنشطتها في مدينة ووهان؛ بؤرة تفشي (كوفيد 19) الذي ما زال يحصد أرواح الكثير من الأبرياء حول العالم، وتلك مفارقة أخرى سينتبه إليها التاريخ وهو يكتب فصول هذه المأساة المرعبة التي انبثقت من هذه المدينة التي كانت في عشرينيات القرن الماضي عاصمة لحكومة كوومينتانغ اليسارية بقيادة وانغ جينغواي المعادي لشيانج كاي شيك. وتعد ووهان منطقة مدنية ممتدة لثلاث مدن دمجت في عام 1950 وهي: هانكو في الضفة الشمالية لليانغتزيه، وهانيانغ بجانب الهان، وووتشانغ في الضفة الجنوبية لليانغتزيه. وتحتوي على العديد من مصانع إنتاج الحديد والفولاذ، كما توجد بها، وفق "الويكيبيديا" جامعة ووهان، التي احتلت المرتبة الثالثة على مستوى البلاد في عام 2017، وجامعة ووهان للتكنولوجيا.

اقرأ أيضاً: الوزير المفوض لي دونج لـ"حفريات": الصين في طريقها لاكتشاف لقاح لكورونا
ومن الأحداث الفارقة المسجلة حصرياً باسم ووهان، الانتفاضة التي وقعت فيها، وأدت إلى سقوط أسرة تشينغ وتأسيس جمهورية الصين. وكانت ووهان لفترة وجيزة عاصمة الصين في عام 1927 تحت الجناح الأيسر لحزب الكومينتانغ. كما كانت المدينة، فيما بعد، عاصمة الصين في زمن الحرب في عام 1937 لمدة عشرة أشهر خلال الحرب الصينية اليابانية الثانية.
وما دام الحديث هنا عن التاريخ المفارق للعادة، فقد عانت ووهان من مخاطر الفيضانات، ما دفع الحكومة إلى إدخال آليات امتصاص صديقة للبيئة.
ومن الأحداث السعيدة في ووهان، احتضانها للألعاب الرياضية في بطولة آسيا فيبا 2011 وكانت واحدة من الأماكن لكأس العالم لكرة السلة فيبا 2019. واستضافت، أيضاً، الدورة السابعة للألعاب العسكرية العالمية في الفترة من 18 إلى 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2019. وقبل ذلك بعامين، اختارت اليونسكو مدينة ووهان كمدينة إبداعية في مجال التصميم.

زهر البرقوق شعار المدينة

ويعد زهر البرقوق شعارَ مدينة ووهان، وتم اختياره بسبب التاريخ الطويل لزراعة البرقوق المحلي واستخدامه، والاعتراف بالأهمية الاقتصادية الحالية للبرقوق من حيث الزراعة والبحث. وتم استخدام الخوخ البري المحلي طبياً خلال عهد أسرة تشين وهان.
تضاريس ووهان بسيطة؛ فهي منخفضة ومسطحة في الوسط، وذات منطقة تلال في الجنوب، ويمتد نهرا "اليانغتسي" و"هان" عبرها، فيما يصب نهر "شي" في نهر اليانغتسي في مقاطعة هوانغبي.

اقرأ أيضاً: الإمارات تستقبل العائدين من الصين.. ومغردون: "شكراً محمد بن زايد"
تمتد ووهان على مساحة تبلغ 8,494.41 كيلومتر مربع (3,279.71 ميل مربع)، معظمها سهل رسوبي مزين بالتلال وعدد كبير من البحيرات والبرك، بما في ذلك البحيرة الشرقية وبحيرة تانجكسون، اللتان تُعدّان أكبر البحيرات الواقعة بالكامل داخل مدينة في الصين. وتشمل البحيرات المعروفة الأخرى البحيرة الجنوبية وبحيرة الرمل. تقع بحيرة لينغاتسي، أكبر بحيرة من ناحية المساحة في مقاطعة خوبي، في جنوب شرق مقاطعة جيانكسيا. على ارتفاع 709 أمتار فوق مستوى سطح البحر، في حين تعد أعلى نقطة في ووهان هي القمة الرئيسية لجبل "يون يونو" في شمال غرب مقاطعة هوانغبي.
مناخ ووهان شبه استوائي رطب

مدينة شبيهة بالفرن
مناخ ووهان شبه استوائي رطب، يتميز بهطول الأمطار الوفيرة وأربعة فصول منفصلة. تشتهر ووهان بصيفها الرطب، عندما تصل نقاط الندى إلى 26 درجة مئوية (79 درجة فهرنهايت) أو أكثر.

سيقترن اسم ووهان بالأوبئة التي أهلكت البشر، ودمرت الاقتصادات العالمية، وأغلقت الحدود بين الدول، ومنعت الطائرات من أن تحلق

تاريخياً، وجنباً إلى جنب مع تشونغتشينغ ونانجينغ، يُشار إلى ووهان باعتبارها واحدة من "ثلاث مدن شبيهة بالفرن" على طول نهر اليانغتسي؛ لارتفاع درجات الحرارة في الصيف. ومع ذلك، تشير بيانات المناخ في الأعوام الأخيرة إلى أنّ ووهان لم تعد من بين المدن التي تأتي في مقدمة "أكثر المدن حرارة في الصيف"، والمدن الأربعة الجديدة التي "تشبه الفرن" هي تشونغتشينغ، وفوتشو، وهانغتشو، ونانتشانغ. الربيع والخريف معتدلان بشكل عام في ووهان، بينما يكون الشتاء بارداً مع تساقط الثلوج في بعض الأحيان.

اقرأ أيضاً: "العلاج أسوا من المرض".. الصين كافحت كورونا أم قمعته فقط؟
يتراوح متوسط درجة الحرارة الشهري في ووهان على مدار 24 ساعة من 4.0 درجة مئوية (39.2 درجة فهرنهايت) في كانون الثاني (يناير) إلى 29.1 درجة مئوية (84.4 درجة فهرنهايت) في تموز (يوليو).
يبلغ إجمالي هطول الأمطار السنوي 1,320 مليمتر (52 بوصة)، معظمه في الفترة بين نيسان (أبريل) وتموز (يوليو)؛ ومتوسط درجة الحرارة السنوي هو 17.13 درجة مئوية (62.8 درجة فهرنهايت)، وتدوم فترة غياب الصقيع 211 إلى 272 يوماً. 

الدين في ووهان

وفقاً لمسح نُشر في عام 2017، وأفادت منه "ويكيبيديا" فإنّ 79.2٪ من سكان ووهان هم إما يمارسون عبادة غير دينية، أو يمارسون دين الآلهة والأجداد؛ من بين هؤلاء 0.9 ٪ هم الطاويون. من بين المذاهب الدينية الأخرى، يلتزم 14.7 ٪ من السكان بالبوذية، و2.9 ٪ بالبروتستانتية، و0.3 ٪ بالكاثوليكية و1.6 ٪ بالإسلام، في حين أنّ 1.6 ٪ من السكان يلتزمون بأديان أخرى غير محددة.
سيتذكّر التاريخ ووهان، باعتبارها منشأ الفيروس الذي فتك بالبشر، وحبس سكان الأرض في بيوتهم أو في أقفاص مخاوفهم، ولن يتذكر الكثيرون أنّ ووهان واحدة من المدن الكبرى الأكثر قدماً وتحضراً في الصين، وأنّ عمرها يمتد لأكثر من 3500 عام.

اقرأ أيضاً: الصين وكورونا وأمن منطقة الخليج.. هل يفتح الوباء أفقاً جديداً؟
ولأنّ ووهان شهدت الكثير من المعارك الحربية المحورية طوال تاريخها سواء قبل الميلاد أو بعد الميلاد، فقد كان ذلك دافعاً لبناء أبراج المراقبة والحصون والأسوار المنيعة لحمايتها، علاوة على أنّ المدينة تعد، منذ فترة طويلة، وبخاصة أيام حكم المغول، مركزاً رئيسياً للفنون، لا سيما الشعر والدراسات الفكرية. فماذا سيقول الشعراء الآن ومستقبلاً عنكِ يا ووهان؟!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية