الجزائر: ما خيارات الحراك في ظل تفشي فيروس كورونا؟

الجزائر: ما خيارات الحراك في ظل تفشي فيروس كورونا؟


كاتب ومترجم جزائري
19/03/2020

ترجمة: مدني قصري


تمرُّ أيام الجمعة والحراك الجزائري يحتفظ بأنفاسه وقوته؛ فقد اختطفت الشعارات الأخبار مرة أخرى، خلال العرض الأول ليوم الجمعة بعد الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الحراك، مُسلّطة الضوء على فيروس كورونا الجديد هذه المرة. ومن الشعارات التي ردّدها المتظاهرون بشكل خاص؛ "هاتوا فيروس كورونا، أو BRI (وحدة شرطة النخبة)، فلن نتوقف!" و"لن تُخيفوننا بفيروسكم، فلن نتوقف!"، و"المطر، البرد، الحرارة، صيام رمضان لا شيء أوقفنا منذ عام! إذن ليس الفيروس هو الذي سيوقفنا".

بدأ النقاش على الشبكات الاجتماعية بين أولئك الذين يريدون الاستمرار في الخروج للتظاهر وخصومهم الذين يناشدون الشعور بالمسؤولية

يواجه الحراك في الجزائر معضلة ذات أهمية سياسية عالية؛ فهل يجب استمرار الاحتجاجات أم تعليقها بسبب فيروس كورونا؟
يظهر عدد قليل من الناس بقناع وقائي في شوارع الجزائر العاصمة، لكنّ السؤال الكبير يبقى سؤال الحراك؛ كيف سيستمر الشارع في التظاهر يومي الجمعة والثلاثاء كل أسبوع دون المخاطرة بتلوث واسع النطاق؟ وقد بدأ النقاش على الشبكات الاجتماعية؛ بين أولئك الذين يريدون الاستمرار في الخروج للتظاهر، وخصومهم الذين يناشدون الشعور بالمسؤولية، ويقول المواطن حميد، وهو رئيس شركة صغيرة كانت تتظاهر منذ عام ضد النظام السياسي؛ "ارتدّت الشرطة أقنعة أزعجتني قليلاً خلال المظاهرات الأخيرة،". واختتم قائلاً؛ "أُفضّل الانتظار لمعرفة ما ستكون عليه التعبئة يوم الجمعة القادم، وماذا سيكون اتجاه الأغلبية".
يظهر عدد قليل من الناس بقناع وقائي في شوارع الجزائر العاصمة

سياق متوتر
"أود أن أقول لإخوتي وأخواتي في الحراك كونوا حذرين للغاية، الأمر يتعلق بصحتكم وحياتكم، احذروا، يمكنكم الخروج كما يحلو لكم، ولكن اتخذوا جميع الاحتياطات لوقاية صحتكم وصحة جيرانكم وإخوانكم وأمهاتكم وآبائكم من التعرض للخطر"، جاء تصريح رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد، يوم السبت 14 آذار (مارس) الجاري، أثناء افتتاحه مركزاً مخصصاً للحالات المشتبه إصابتها بفيروس كورونا في مدينة البليدة (50 كلم جنوب الجزائر العاصمة)، في سياقٍ متوتر للغاية، فلا تزال المناقشات ساخنة، وشديدة في بعض الأحيان، بين أولئك الذين يَدْعون إلى تعليق المظاهرات الشعبية التي استمرت لأكثر من عام بقليل، وأولئك الذين يدعون إلى استمرارها على الرغم من مخاطر انتشار فيروس كورونا.
واجب وطني
حذّر رئيس الوزراء، مواكِباً بذلك، أصواتاً في المجتمع المدني؛ مثل عبد العزيز رحابي، الوزير السابق والمعارض الذي دعا على تويتر إلى تعليق الاحتجاجات مؤقتاً، قائلاً؛ "كونوا حذرين جداً؛ لأنّه إذا انتشر هذا المرض في جميع أنحاء التراب الوطني لا قدر الله، فإننا سنكون في مرحلة أخرى أصعب وأخطر".

اقرأ أيضاً: هل لدى العرب والهنود والأفارقة مناعة ضد كورونا؟
وأضاف المسؤول السابق؛ "التعليق المؤقت للمسيرات بسبب المخاطر الصحية، واجب وطني، ويحفظ حقنا في التظاهر بحرية من أجل جزائر أكثر إنصافاً وقوة"، وبحسب السلطات، فقد أكّد معهد "باستور" الطبي الجزائري؛ أنّه تم تسجيل 45 حالة حتى الآن، "بما في ذلك 3 حالات وفاة مع أمراض مصاحبة"، وقد أدى حراك يوم الجمعة الـ 56 في عدة مدن في البلاد، إلى نقاشات جدلية لا نهاية لها حول مخاطر انتشار الفيروس، كما عارض البعض هذه المظاهرات  بشدة.
 تم تسجيل 45 حالة حتى الآن بما في ذلك 3 حالات وفاة

النظام يستغل الوباء لإنهاء الحراك
تقول المواطنة ليلى، وهي طبيبة تقطن في ضواحي العاصمة الجزائر لم تفتها المشاركة في أي مسيرة منذ عام تقريباً؛ إنّ هذا العمل (الاستمرار في المسيرات) "غير مسؤول، ما زلتُ أناضل ضد النظام، لكن بالنظر إلى خطورة الوضع، وعجزِنا من حيث الرعاية بالمستشفيات، فلا أستطيع قبول استمرار الحراك بهذه الطريقة، لأنّه يُعرّض أصحاب الصحة الهشة مثل كبار السن للخطر"، وهو الرأي الذي لا يشاطره بعض نشطاء الحراك.

يخشى الحراك أن يتعرض للإجهاض بعد عام من التعبئة المتواصلة من قِبل النظام الذي يستغل الفيروس كنعمة إلهية

وفي هذا السياق؛ أوضح نائب رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، سعيد الصالحي، على صفحته في موقع فيسبوك؛ "يخشى الحراك أن يتعرض للإجهاض بعد عام من التعبئة المتواصلة من قِبل النظام؛ الذي يستغل الفيروس كنعمة إلهية لإنهاء الحراك واغتيال الحلم الجزائري، أفهم كل الدعوات لوقف الحراك، لكنني أناشد الحكومة أن تبدي علامات حسن النية، والاسترضاء، من أجل استعادة الحد الأدنى من الثقة"، هذا البيان يسير في اتجاه مواقف أخرى للمتشددين الذين يعتبرون أنّ تعليق الحراك يمكن أن يكون الضربة القاضية من قبل النظام الذي يحاول، من خلال اعتقالات متعددة، إيقاف هذه الحركة.
كما كتب الناشط والصحفي سمير العرابي على حسابه في موقع فيسبوك؛ "إنّ الذعر بسبب فيروس كورونا، الذي لم يصل إلى مرحلة الوباء في الجزائر، هو الوقوع في حالة الذهان التي يفرضها الطغاة الإمبرياليون والشركات الكبرى والديكتاتوريون لدينا، الوقاية ممكنة، لكنّ الذعر والتراجع لا".

شهداء؟ لا شكراً!

لكنّ هذا الموقف، حتى لو تم تخفيف وطأته نسبياً فيما بعد أمام الغضب العام، إلّا أنّه أثار سخط الكثير من الناس على الشبكات الاجتماعية، لأنّه يُفسّر على أنّه "ابتزاز"، ويقول الحراكي المتحمس وطالب علم الأحياء في الجزائر العاصمة، لامين؛ "لا يجوز للحراك أن يصنع شهداء أو أن يزيد من انتشار الفيروس، إذ توجد وسائل أخرى للتعبئة"، ويؤيده زميله الطالب، قائلاً؛ "نعم، لكنّ التجمعات الخطيرة لا تهم الحراك فقط، انظروا إلى العالم الموجود في الحدائق والمتاجر الكبرى والشوارع منذ تعطيل المدارس والكليات، يوم الخميس الماضي". 
تجنّب "العناد الانتحاري"
قالت السلطات الجزائرية، يوم السبت 14 آذار (مارس) الجاري؛ "إنّ تعطيل المدارس لا يعني أن يأخذ الآباء أطفالهم إلى الأماكن العامة طوال الوقت!". وفي انتظار مسيرات طلبة الجامعات كل يوم ثلاثاء والنقاش الحالي حول ما إذا كانت ستتواصل أم لا؛ كتب المحرر الصحفي والكاتب المعروف، سعيد جعفر في "Radio M Post"؛ وهو منبر إعلامي يلخص الإشكالية القائمة، قائلاً؛ "إيقاف المسيرات أمر حتمي، يجب أن يساعدنا الحراك في التغلب على غضبنا.. الجدل الكبير الذي فتحه الحراك بِسبب حظر الفضاء العام والفضاء الوطني، يجب ألا يقودنا إلى العناد الانتحاري. فهذه المساحة العامة، ونحن نؤكد هذا اليوم؛ أننا سنقاتل وبقوة عندما تنتهي أزمة كورونا الخطيرة هذه، حتى نستردّها. إنه حقنا المطلق".

بإمكان الحراك أن ينتشر بطرق أخرى

يقول الصحفي والناقد وليد بوشكور؛ "أعتقد أنّ النقاش بدأ بشكل سيئ، بدلاً من المجادلة بيننا حول الحماية ضد كرونا أو استمرار الحراك، وخلق انقسامات لا ينبغي أن تحدث؛ أعتقد أنه يجب توجيه هذه الطاقة إلى أعلى، للمطالبة بإستراتيجية وقائية حقيقية، وشفافية في المعلومات المتعلقة بالفيروس".

اقرأ أيضاً: "كورونا" امتحان عالمي وشخصي
وتقول الناشطة والطبيبة الجزائرية، زهية؛ "إنّ طاقة الحراك، وتعبئته الذكية وغير المسبوقة من قبل المجتمع المدني، يجب أن تعمل الآن على الوقاية من هذا الخطر الكبير المتمثل في الوباء؛ عبر تنظيم حملات توعية وتنظيم السكان محلياً، بحسب الأحياء، للمساعدة والإبلاغ عن المخاطر، هذا ما تعلمناه من الحراك، السلوك الحضاري، وروح المواطنة".


مصدر الترجمة عن الفرنسية:
lepoint.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية