حزب الله وتطبيع الخيانة

حزب الله وتطبيع الخيانة


22/03/2020

فاروق يوسف

كانت إسرائيل تبذل جهوداً جبارة من أجل إنقاذ عملائها الذين يقعون في قبضة الاجهزة الامنية العربية. غير أن كل تلك المحاولات كانت تبوء بالفشل دائما بسبب اصرار الانظمة العربية على تطبيق القانون حرفيا من غير الخضوع لأية ضغوط سياسية، بغض النظر عن القوة التي تمارس تلك الضغوط.

فالقانون الذي لم يكن في الإمكان تسيسه أو اللعب بمفرداته كان ولا يزال ينص على أن الاعدام هو عقوبة مَن يرتكب الخيانة العظمى. وكان التخابر مع دولة أجنبية وتزويدها بمعلومات أمنية هو تلك الخيانة.

لم يكن فعل الخيانة إذا كان مدعوما بالأدلة الصريحة ليخضع للمزايدات أو الابتزاز أو التسويات الجانبية. لذلك كانت الدول الكبرى تنأى بنفسها عن التدخل في شأن قضائي من ذلك النوع إلا إذا شعرت بضعف الأدلة أوأن المتهم هو ضحية استعراض قوى سياسي كما حدث مع قضية الصحفي إيراني الأصل بريطاني الجنسية فرزاد بازوفت الذي أصر العراق على اعدامه عام 1990 بحجة قيامه بالتجسس لصالح اسرائيل.

في كل الأحوال فإن الحكم على الخيانة العظمى بأقسى عقوبة وهي الموت لا ينطوي على الهاجس الأمني وحده، بل هناك جانب أخلاقي هو الأساس في نبذ خيانة الوطن وقطع جذورها.

اليوم يعترض حزب الله اللبناني من خلال اعلامه على اطلاق سراح عامر فاخوري، العميل الاسرائيلي، لبناني الاصل أميركي الجنسية. ذلك اعتراض صحيح ومنصف ولا تشوبه شائبة. فالرجل خان بلده حين ارتضى أن يكون في خدمة اسرائيل ضمن دويلة لبنان الجنوبي وهي محمية اسرائيلية تم اسقاطها عام 2000. كما أن الفاخوري مارس دورا قذرا في تعذيب الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين حين كان مسؤولا عن سجن الخيام سيء الصيت.

كل هذا يجعل قرار الدولة اللبنانية بإطلاق سراح الفاخوري تحت الضغوط الأميركية بمثابة خرق للقانون وخيانة للمجتمع بأخلاقه وتربيته وقيمه وطريقة نظره إلى الخيانة. 

ولكن عيب اعتراض حزب الله على ذلك القرار إن كان ذلك الاعتراض منزها أنه يصدر عن جهة تجاهر ليل نهار بولائها إلى دولة أجنبية. هي جهة غير نزيهة في علاقتها بلبنان وشعبه وقيمه الأخلاقية.

يفاخر حسن نصرالله وهو زعيم حزب الله بأنه جندي من جنود الولي الفقيه علي خامنئي. بل أنه يعترف بأنه ومقاتليه يستلمون رواتبهم من الخزانة الإيرانية. ذلك ما يجعله لا يتردد في اداء دور الخادم الوضيع للمشروع التوسعي العدواني الإيراني الذي صار الإيرانيون يفاخرون من خلاله بأن لبنان هو ولاية إيرانية تقع على المتوسط.

يعترض نصرالله على عمالة الفاخوري في الوقت الذي يجاهر فيه بعمالته لإيران.

هل هناك فرق بين عميل إسرئيلي وعميل إيراني؟

سيكون من المضحك هنا التوكؤ على عصا العقيدة. فالعقيدة لا تستدعي أن يضع المرء نفسه في خدمة الأجنبي ضد مصالح وطنه. ذلك لأنها تفقد حينها طابعها الإنساني وتكون ذات طابع غير أخلاقي.

ما يفضح ذلك الانهيار الأخلاقي أن عددا من أفراد الطبقة السياسية الحاكمة في العراق اليوم الذين يجاهرون بولائهم لإيران قد صرحوا في أوقات سابقة بأنهم سيقفون مع إيران ضد العراق فيما إذا نشبت حرب بين البلدين.

ذلك موقف يصح الحكم من خلاله على نصرالله الذي وضع الدولة اللبنانية تحت ابطه وكان جزءا من الصفقة التي تم ابرامها مع الأميركان في شأن اطلاق الفاخوري إذا لم يكن هو رأسها المدبر. 

نصرالله وحزبه لا يحق لهما الحديث عن خيانة الفاخوري فهما يمارسان الدور نفسه كما أنهما لا يحق لهما البكاء على جثة القانون التي تم العبث بها من قبلهما.

عملاء إيران يسعون إلى تطبيع الخيانة. وهو أخطر ما يمكن أن يقع.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية