إسبانيا مرعوبة من كورونا ومن مخاوف "سيناريو إيطاليا"

كورونا

إسبانيا مرعوبة من كورونا ومن مخاوف "سيناريو إيطاليا"


23/03/2020

الساعة التاسعة والنصف صباحاً، يوم ١٥ آذار (مارس) ٢٠٢٠، ثمة صوت يشقّ سكون إحدى زوايا الحي القوطي في برشلونة، منطلقاً من إحدى الشقق السكنية. كانت آيات من القرآن الكريم تبدّد وحشة الزقاق المفضي للشارع الرئيس، الذي شهِد صبيحتها إغلاقاً كاملاً ونزولاً للقوات الأمنية، كما في عموم إسبانيا.

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا... مَن وراء إعادة تشكيل العالم؟
أن يرفع أحدهم صوت القرآن الكريم في إسبانيا، بطريقة لافتة، بكل ما ينطوي عليه ذلك من حساسيات واعتبارات، فإنّه يحمل رمزية بأنّ أهل المدينة لا يثقون بالخلاص، ما لا يترك متسعاً للمحاذير ولا للتفكير، تماماً مثل الصيدلانية، التي تقف مذعورة خلف طاولتها في الصيدلية الصغيرة في شارع رامبلا، وقد وضعت حاجزاً يُبعِد الناس عنها متراً ونصف المتر تقريباً، لتنهار باكية عند سؤالها عن زجاجة كحول طبي، مجيبة بأنّه نفد بالكامل، وأنّها خائفة وتهجس بالنجاة كمثل سائلتها.

إسبانية ترقص الفلامنكو في مدريد قبل أيام من قرار إغلاق المسارح والمطاعم (تصوير: رشا سلامة)
طيور النوارس، التي تغصّ بها شوارع برشلونة ومرافئها، كانت تتقمص نواحاً غريباً يشبه نواح الذئاب، فيما هي توغل نحو المناطق السكنية، أملاً في أن تحظى بالدلال السابق الذي كان البرشلونيون يمنحونها إياه عبر عدسات الكاميرات، وكسرات الخبر وبقايا البوشار الذي يشترونه من العربات التي تصطفّ بأناقة قبالة تمثال كريستوفر كولومبس في نهاية شارع رامبلا.

قرار فاجأ أهل المدينة
المشاهد الآنفة كانت عقب تفشّي فيروس كورونا وارتفاع عدد الوفيات بإيقاع متسارع فاجأ أهل المدينة، التي بقيت حتى ما قبل قرار الإغلاق بساعات، تشرع أبوابها للحياة والغناء والرقص والبازارات والمسيرات وموج البحر، وفي غضون ساعات، كان ما يزيد عن 46 مليون إسباني تحت قرار الحجر، في محاولة للسيطرة على تفشي الوباء.

يترقّب الإسبانيون أملاً في انحسار الوباء جرّاء الحجر المفروض على المواطنين، فيما يتكهّن مسؤولون بأنّ "الأصعب لم يأتِ بعد"

وسجلت إسبانيا، أمس الأحد، ارتفاعاً كبيراً في عدد الوفيات والإصابات من جراء فيروس كورونا المستجد، وذلك بعد تحذير السلطات هناك من أنّ "الأسوأ لم يأت بعد"، حسبما ذكرت "سكاي نيوز عربية".
وأفادت أحدث بيانات صحية متاحة بإسبانيا بارتفاع الوفيات بسبب كورونا إلى 1720، والإصابات إلى 28572.
وذكرت وسائل إعلام إسبانية أنّ عدد الوفيات ارتفع، الأحد، من 1326 المسجلة السبت، وعدد الإصابات من 24926.

 مقهى في شارع رامبلا صبيحة إعلان قرار الإغلاق - (تصوير: رشا سلامة)

إغلاق المسارح ودور السينما

إغلاقات إقليم كاتلونيا، بشكل مفاجئ، لم تكن بعيدة عما حدث في العاصمة مدريد، وإن كانت العاصمة قد سبقت غيرها في إغلاق أبواب المسارح ودور السينما والأوبرا؛ إذ حتى ما قبل الإغلاق بساعات، كانت المسارح المدريدية تغصّ بالحضور، إلى حدّ كان يبدو فيه الحصول على تذكرة لعرض مسرحي، أثناء ساعة الذروة مساء، أمراً عصياً.

اقرأ أيضاً: هل القرب من التكنولوجيا والانفصال عن الطبيعة وراء تفشي كورونا؟

في 20 آذار (مارس) 2020، تعلن عمدة مدريد، المصابة بفيروس كورونا، إيزابيل دياس أيوسو، أنّ ثمانية إسبان في مدريد من كلّ عشرة سيُصابون بفايروس كورونا، وفق ما تبدو عليه الأرقام حتى اللحظة.

اقرأ أيضاً: الجزائريون منقسمون حول محاربة "كورونا".. لهذه الأسباب

هل تأخرت إسبانيا في اتخاذ التدابير الكافية لتطويق تفشي فيروس كورونا، مثل الحالة الإيطالية؟ لربما؛ إذ كان ظاهر الحياة طبيعياً، لكنّ ثمة قلقاً وأسئلة في عيون كثيرين، كانوا يستمعون للأخبار المتوالية عن عدد الإصابات والوفيات، لكنّهم لا يلمحون إجراءات تمسّ صلب الحياة اليومية؛ عندما لم تعلّق المدارس أو الجامعات الدراسة، ولم تحوّلها لطريقة الدراسة عن بعد، والمسارح ودور السينما ودور الأوبرا لم توصد أبوابها، ورواد المقاهي الذين يحتسون الشوكولا الساخنة، في طقس إسباني أصيل، لم يتنازلوا عن عادتهم التي درجوا عليها لعقود طوال.

مسرح في شارع رامبلا صبيحة إعلان قرار الإغلاق (تصوير: رشا سلامة)

مخاوف النادلة الأرجنتينية
النادلة الأرجنتينية في مقهى "فالور"، المحاذي لساحة الكتدرائية، تقول، وهي تنظر بقلق من زجاج المقهى الذي يتخصص في تقديم الشوكولا بأصنافها كافة منذ عام 1881: "لا أحد يعلم متى سيكون الإغلاق، لكن الكلّ يعلم أنّ ثمة إغلاقاً قادماً لا محالة"، وتتابع: "سيناريو إيطاليا يلوح في الأفق.. هذا ما نخشاه".

اقرأ أيضاً: هل حقاً حصل الكلوركين على الموافقة كعلاج لوباء كورونا؟

بعد ساعات من هذا البوح؛ صدر القرار في برشلونة بإغلاق كلّ ما قد يفضي لتجمّعات من مرافق طعام وترفيه، وتعليق الدراسة الجامعية والمدرسية، وتحويلها إلى الدراسة عن بعد؛ في محاولة لتطويق الوباء الذي سجّل أولى حالاته في البلاد، بتاريخ 31 كانون الثاني (يناير) 2020، في جزر الكناري التابعة لإسبانيا، وكان المصاب سائحاً ألمانياً، تلاه بريطاني، فطبيب إيطالي وزوجته، فيما كانت امرأة إيطالية تبلغ من العمر 36 عاماً هي الحالة الأولى في برشلونة؛ حين التقطت العدوى أثناء زيارتها بلادها.
فنانة إسبانية ترسم على مرفأ "برشلونيتا" في برشلونة، قبل أيام من الإغلاقات (تصوير: رشا سلامة)

قلق النادلة المغربية
الخوف ذاته كان لدى النادلة المغربية في مطعم "الروشة"، في مجمع "ماري ماغنوم" التجاري؛ إذ تتساءل بقلق عمّا إذا كان سيمهلها القرار المرتقب لتسافر إلى فاس بعد أيام، غير أنّ الإجابة عاجلتها في غضون ساعات، حين علّق المغرب استقبال الطائرات من إسبانيا، ما أحدث بالتالي حالة من الهلع والتوتر في ردهات مطار برشلونة، التي ازدحم فيها المسافرون، رغبة في الإقلاع قبل سريان الحظر في كلّ من إسبانيا، وفي دولهم، على السواء.

فنانة إسبانية تحاكي عملاً فنياً في متحف برادو في مدريد، قبل أيام من الإغلاقات (تصوير: رشا سلامة)

سعاد العيساوي: من الأفضل أن نرحل

الفنانة التشكيلية سعاد العيساوي، كانت واحدة ممن اعتلين طائرة الملكية الأردنية المتجهة من مطار برشلونة إلى مطار الملكة علياء الدولي، قبل ساعات من إعلان الأردن إحالة القادمين من الخارج للحجر الإجباري في فنادق البحر الميت والعقبة وبعض فنادق عمّان، وقبل إغلاق الأردن منافذه الجوية بساعات، في تاريخ 17 آذار (مارس) الجاري.

النادلة الأرجنتينية في مقهى "فالور"، المحاذي لساحة الكتدرائية في برشلونة: سيناريو إيطاليا يلوح في الأفق.. هذا ما نخشاه

تقول: "برشلونة مدينة تضجّ بالجمال والحياة، ذهبت هناك لألتقي ابنتي لمى وحفيديّ ماتيو ودليلة"، مكملة: "في اليوم ما قبل الأخير في برشلونة كان القائمون على سوبرماركت في رامبلا يُدخِلون كلّ سبعة أفراد معاً، بقفازات وكمّامات، وكانت الصيدلية تستقبل فرداً فرداً، كل على حدة، ربما من الأفضل أن يرحل المرء إلى بلاده حين تحدث ملمات من هذا القبيل".
يترقّب الإسبانيون قادم الأيام؛ أملاً في انحسار الوباء جرّاء الحجر المفروض على المواطنين، فيما يتكهّن مسؤولون إسبانيون، استناداً لوتيرة الأحداث، أنّ تأزماً قد يحدث، مع تصريح لوزير الصحة الإسباني، سلفادور إيليا، في 19 آذار (مارس) الجاري، قال فيه: "الأصعب لم يأتِ بعد".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية