بهامته العالية جبل العُرمة بنابلس يتحدى الجيش الإسرائيلي

فلسطين

بهامته العالية جبل العُرمة بنابلس يتحدى الجيش الإسرائيلي


26/03/2020

تغريد علي

ساحة حرب ومواجهة تدور بين أهالي بلدة بيتا وجنود الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه المدججين بالأسلحة المتنوعة، الذين يحاولون بشتى الطرق والسبل السيطرة والاستيلاء على جبل العرمة جنوب محافظة نابلس بالقوة؛ حيث تواجَه هذه المحاولات بالتصدي لها من قبل سكان البلدة، بشيبها وشبابها، بصدورهم العارية، للدفاع عن القرية والجبل، وتهدف إسرائيل من وراء تلك الاعتداءات ضمّ مستوطنة "ايتمار" الجاثمة على أراضي قرى نابلس، الأمر الذي دفع بأهالي القرية إلى تشكيل لجانٍ شعبية للتناوب على الاعتصام فوق قمة الجبل، كخطوة استباقية للتصدي لمحاولات الاحتلال والمستوطنين لأيّ هجوم مباغت عليهم والسيطرة على الجبل.

دعوات لتعزيز صمود المواطنين في بلدة بيتا المجاورة لجبل العرمة، وتكثيف التواجد الشعبي ومواصلة الاعتصام والمرابطة على قمة الجبل

واكتسب جبل العرمة، الذي تبلغ مساحته نحو 2000 دونم، أهمية تاريخية تعود للعصر البرونزي المتوسط (الكنعاني) قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، ويرتفع الجبل نحو 243 متراً عن سطح البحر، حيث قام أهالي بلدة بيتا برفع العلم الفلسطيني على سارية بطول 25 متراً فوق قمة الجبل.

وتعتلي قمة الجبل خربة سكنت قديماً جعلت منه قلعة تعاقب عليها الأمويون والرومان (حقبة الملك هيردوس) وتضمّ سبعة "حبوس"، وهي غرف صغيرة استخدمت خزانات لمياه الأمطار ونقلها عبر قنوات خاصة، ويتسع الواحد منها لـ 1500 متر مكعب، في حين استخدم جزء من القلعة الأثرية مقابر قديمة وسجوناً.

ساحة حرب ومواجهة تدور بين أهالي بلدة بيتا وجنود الاحتلال الإسرائيلي

وبلدة بيتا، التابعة لمحافظة نابلس، شمال الضفة الغربية المحتلة، وتتشكل أراضيها من مرتفعات جبلية يتخللها عدد من الأودية، التي تتجه في مجراها من الشرق إلى الغرب، وتُعدّ من أهم الأماكن العالية في فلسطين ومدينة نابلس، ويقارب ارتفاعها ما بين 550 - 950 متراً فوق سطح البحر، بينما تبلغ مساحة أراضيها كاملة 22000 دونم.

اقرأ أيضاً: كورونا يحوّل بيت لحم الفلسطينية إلى مدينة أشباح

وتتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على الجبل بشكل مستمر، كان أبرزها في 6 حزيران (يونيو) عام 1988، حين واجه أهالي بلدة بيتا بالحجارة مجموعة من قاطني المستوطنات الإسرائيلية القريبة وبالتحديد على جبل العرمة، والتي أدّت إلى مقتل ثلاثة فلسطينيين برصاص أحد المستوطنين المسلحين، وأقدم الاحتلال على هدم ثلاثة عشر منزلاً في بيتا، واعتقال ما يزيد عن 300 شاب، وأبعدت ستة منهم إلى خارج الوطن، لتتحول البلدة خلالها لمسرح عمليات عنيفة، لا يسمع فيها إلا صوت الرصاص والمروحيات الصهيونية.

اقرأ أيضاً: الفلسطينيون يتحدون تهويد مقدساتهم بـ "الفجر العظيم"

وتمتد المناطق الجبلية في الضفة الغربية من مدينة جنين شمالاً إلى بلدة الظاهرية جنوباً؛ حيث تشكل الجزء الأكبر من الضفة، ويصل طولها إلى 120 كيلومتراً وعرضها إلى 50 كيلومتراً، وتتكون صخورها من الحجر الجيري، وتمتاز تربتها بالخصوبة وتماسك القوام، وأبرزها جبال نابلس والقدس وبيت لحم ورام الله والخليل.

الاستيلاء على المناطق المرتفعة

ويرى رئيس بلدية بيتا، فؤاد معالي، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه يهدفون من وراء الاستيلاء على جبل العرمة ومصادرته لأهميته الإستراتيجية، باعتباره أعلى قمة جبلية في منطقة جنوب نابلس، ويحيط بالجبل خمس قرى، وهي قبلان وأوصرين وعقربا وحوارة وعورتا"، مبيناً أنّه "في حال قيام المستوطنين بمساندة قوات الجيش الإسرائيلي بالاستيلاء على الجبل، فإنّه ستتمّ السيطرة بشكل كامل على هذه القرى بشكل كامل".

اقرأ أيضاً: ما الأسرار التي كشفها الفلسطينيون بعد اختراق هواتف الجنود الإسرائيليين؟

وبيّن أنّ "الجبل يقع بمقابلة مستوطنة "ايتمار" الصهيونية، رغم وقوعه ضمن المنطقة المصنفة (ب) والتي تشكّل 22% من مساحة الضفة الغربية، وفق اتفاقية أوسلو عام 1995، وتخضع للسيطرة الإدارية من قبل السلطة الفلسطينية؛ حيث يمنع المستوطنون وصول الأهالي إلى المنطقة لزراعة أراضيهم وفلاحتها، وهذا ديدن المستوطنين، الذين يسعون للاستيلاء على قمم الجبال والمناطق المرتفعة بالضفة الغربية، وذلك لوجود ينابيع المياه فوق هذه القمم والمرتفعات، والسيطرة على المناطق التي حولها، ومراقبة تحركات الفلسطينيين".

تتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على الجبل بشكل مستمر

إحياء المنطقة وتعزيز صمودها
ولفت معالي إلى أنّ "جبل العرمة غني بالمعالم الأثرية والتاريخية والتي تعود لزمن الكنعانيين، ويطل الموقع الأثري على مدينة السلط الأردنية من الشرق، والبحر الأبيض المتوسط من الغرب"، مشيراً إلى أنّ "بلدة بيتا، التي يقع بها الجبل، تتعرض بشكل مستمر لعدة اعتداءات من قبل المستوطنين، تتركز على مفرق البلدة الرئيس الواصل بين مدينتي نابلس والقدس المحتلة، لمصادرة أراضي المواطنين وكانت من بينها محاولات متكررة لمجموعة منهم للاستيلاء على قمة جبل أبو صبيح ببلدة بيتا، خلال عام ٢٠١٧، إلا أنّ جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، بفعل تصدي أهالي القرية لهجمات المستوطنين وجنود الاحتلال".

اقرأ أيضاً: القضية الفلسطينية بين الاستغلال والابتزاز

وتابع: "ضمن حملة الفجر العظيم، التي انطلقت من المسجد الأقصى والإبراهيمي لمواجهة الاستيطان، قام النشطاء وأهالي بلدة بيتا، في 6 آذار (مارس)، بدعوة القرى المجاورة للجبل لإقامة صلاتَي الفجر والجمعة على قمة الجبل، وذلك للوقوف والتصدي لمحاولات المستوطنين اقتحامه والاستيلاء عليه".

اقرأ أيضاً: هل فقد الفلسطينيون الحشد وعليهم أن يقبلوا بصفقة القرن؟

ولتعزيز صمود المواطنين وإثبات هوية جبل العرمة، يقول معالي: "تمّ بالاشتراك مع وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، ومحافظة نابلس القيام بعدة مشاريع لتشجيع المواطنين على البناء في منطقة الجبل من خلال شق الطرق وتعبيدها، وإيصال خدمات الكهرباء والمياه إليها، لإحياء المنطقة وحمايتها من الاقتحامات والاعتداءات المتواصلة من قبل الاحتلال ومستوطنيه، وكذلك تمّ افتتاح حديقة جبل العرمة للحفاظ على المعالم الأثرية المعرضة لخطر المصادرة والاستيطان".

هجمة استيطانية شرسة
بدوره، يقول منسق القوى الوطنية في محافظة نابلس، نصر أبو جيش: "هناك لجنة مشتركة مؤلفة من مختلف الفصائل الفلسطينية ومحافظة نابلس، للتصدي لهجمات المستوطنين وجنود الاحتلال على المرابطين في خيمة الاعتصام على جبل العرمة، لمنعهم من محاولاتهم المستمرة للاستيلاء عليه ومصادرته"، مبيناً أنّ "جبل العرمة له أهمية تاريخية وأثرية، ويتمتع بإطلالة مشرقة على الأردن والقدس وجبل الشيخ وسوريا والساحل الفلسطيني".

جبل العرمة غني بالمعالم الأثرية والتاريخية التي تعود لزمن الكنعانيين، ويطل الموقع على مدينة السلط الأردنية من الشرق

ويضيف أبو جيش، في حديثه لـ "حفريات": "فصائل العمل الوطني، وكافة المؤسسات الرسمية والشعبية والأهالي في منطقة جنوب قرى محافظة نابلس، التي يقدَّر عددها بأكثر من 22 قرية، شكلوا حالة عالية من الوطنية في التصدي لمحاولات الاحتلال ومستوطنيه لاقتحام جبل العرمة، وهذا يدل على ديدن الفلسطينيين، الذين يرفضون بشكل قاطع الهجمة الاستيطانية المسعورة على الجبل، لمصادرته لصالح تنفيذ مشاريع استيطانية جديدة في المنطقة".

ويرى أبو جيش أنّ أحداث جبل العرمة "تزامنت مع إعلان رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، بناء 3 آلاف و500 وحدة استيطانية في منطقة E1، بين مستوطنة معاليه أدوميم والقدس المحتلة، لتقوم قطعان المستوطنين بالهجمة الشرسة على الجبل والاعتداء على مناطق واسعة في محافظة نابلس، ووضع بركسات سكنية، وأخرى لتربية الدواجن، والأبقار والأغنام، بحماية من جيش الاحتلال الإسرائيلي، لمصادرة مناطق واسعة من الأراضي الخضراء بقرى المحافظة".

تبعات خطيرة
وعن الآثار الخطيرة المترتبة على محاولات احتلال السلطات الإسرائيلية والمستوطنين لجبل العرمة، يقول أبو جيش: "الاستيلاء على الجبل ستكون له تبعات خطيرة ليس فقط على بلدة بيتا المجاورة بل على جميع محافظة نابلس، لفرض مزيد من التوسع الاستيطاني على القرى المجاورة له، ومصادرة المزيد من الأراضي التي تمتدّ حوله، وقطع الطرقات، وتشريد الأهالي، ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم، للأهمية الجغرافية للمنطقة من وجهة النظر الإسرائيلية".

اقرأ أيضاً: مصانع أدوية فلسطينية تتحدى القيود الإسرائيلية وتصدّر إلى الخارج

ودعا أبو جيش إلى "ضرورة تعزيز صمود المواطنين في بلدة بيتا المجاورة لجبل العرمة، وتكثيف التواجد الشعبي الفلسطيني والدولي والمتمثل في المتضامنين الأجانب لمواصلة الاعتصام والمرابطة على قمة الجبل، بالإضافة إلى زيادة الاهتمام ببلدة بيتا، والعمل على تزويدها بكافة الإمكانيات المتاحة، لشقّ الطرق وزراعة الأشجار، وإتاحة كافة الخدمات العامة، كالمياه والكهرباء لمواطنيها، ودعم صمود الريف والفلاح الفلسطيني، والذين يواجهون حالياً أبشع الانتهاكات من قبل قطعان المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية