كيف يحارب أردوغان الأكراد بورقة النفط السوري؟

الأكراد

كيف يحارب أردوغان الأكراد بورقة النفط السوري؟


04/04/2020

يبدو أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مستعد لاستخدام أي وسيلة لسحق الإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سوريا، ولو على حساب المعارضة السورية ذاتها، التي يوظفها في الصراع مع الأكراد؛ لتحقيق ذلك يلعب على عدة نقاط منها التغيير الديموغرافي للشمال السوري، ومداعبة خيال الأوروبيين بالتخلص من أزمة اللاجئين بتوطينهم في الشمال، ومغازلة روسيا والنظام من جانبٍ، وأمريكا من جانب آخر بإدارة مشتركة لحقول النفط واستغلال العائدات في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، كخطوة أساسية نحو حل أزمة اللاجئين في الداخل والخارج، والانتقال السياسي، تمهيداً لحل دائم للأزمة السورية.

اقرأ أيضاً: أكراد إيران.. صرخات الجرح التاريخي المنسي
علاوةً على ذلك هناك الكثير مما لم يقله أردوغان، فأنظاره تتطلع إلى نيل حصة كبيرة من مشاريع إعادة الإعمار، الممولة من النفط حال مشاركته في إدارته، خصوصاً في المناطق الشمالية التي يسعى إلى تحويل سكانها إلى حائط صد أمام الوجود الكردي، للحيلولة دون اتصال أكراد تركيا بهم، ومنع قيام كيانات كردية استقلالية تشجع أكراد تركيا على المطالبة بحكم ذاتي.

 

النفط السوري
تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، قوة الدفاع الرسمي للإدارة الذاتية الكردية، على حقوق النفط في سوريا، بعد طرد داعش منها بمساعدة التحالف الدولي، وتحتفظ الولايات المتحدة بقوة تصل إلى 1000 جندي للدفاع عن آبار النفط.
بعد القضاء شبه التام على نفوذ داعش أبقت واشنطن على قواتها لمنع النظام السوري بمساعدة الروس من استعادة السيطرة على هذه الحقول، واستغلالها لسد حاجة المناطق التي يسيطر عليها، في خطوة تهدف إلى التضييق المالي عليه، كورقة ضغط بيدها. 

أردوغان مستعد لاستخدام أي وسيلة لسحق الإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سوريا

تبلغ الاحتياطيات النفطية في سوريا نحو 0.14% على مستوى العالم، ضمنت لسوريا إنتاج 385 ألف برميل يومياً قبيل الثورة السورية في العام 2011. وشكل إنتاج النفط مطلع 2011، نحو 24% من الناتج المحلي الإجمالي و25% من عائدات الموازنة و40% من عائدات التصدير.
بعد خسارة النظام السوري السيطرة على آبار النفط في العام 2012، هبط الإنتاج فيها بشكل شبه تام، ليصل إلى 24 ألف برميل يومياً في 2018، وتخضع معظم الآبار الكبرى لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية اليوم، والتي تدعمها قوات أمريكية. بينما ينتج النظام حوالي 10 آلاف برميل يوميا من عدة آبار صغيرة تقع في مناطق نفوذه.
على الرغم من ضآلة الاحتياطات النفطية السورية، وضعف جودة النفط المستخرج منها، لاحتوائه على نسبة عالية من الكبريت، إلا أنّه يشكّل مصدر دخل مهم لمن يسيطر عليه؛ لذلك تعمل واشنطن بجد على ضمان استمرار سيطرة "قسد" على النفط، لتحقيق مصدر دخلٍ يُدفع من خلاله رواتب أفرادها البالغ عددهم 110 آلاف من مختلف القوات العسكرية والشرطية، وصرف جزءٍ على توفير الخدمات في مناطق الإدارة الذاتية، بحيث لا تتحمل واشنطن نفقاتٍ ماليةٍ لدعم "قسد".

اقرأ أيضاً: أكراد إيران بين كمين طهران وفخ واشنطن
في شباط (فبراير) 2018 ، هاجم روس وقوات موالية للأسد حقل نفط تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية بالقرب من دير الزور، لكن مجموعةً من مشاة البحرية الأمريكية ساعدت في صد الهجوم الأمر الذي خلف ما بين 200 إلى 300 قتيل في صفوف القوات المهاجِمة، لتكون الواقعة بمثابة رسالة تحذيرٍ لروسيا والأسد بالابتعاد عن حقول النفط، وهو ما تحقق؛ إذ لم تعاود روسيا والأسد الكرّة ثانيةً.

 

أهمية شمال شرق سوريا
لا تتوقف أهمية مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية على حقول النفط الكبرى التي تقع فيها، بل لوجود أغلب ثروات البلاد في المنطقة الزراعية والمائية والسدود الثلاثة الكبرى على نهر الفرات، إضافةً إلى الثروتين النفطية والحيوانية.

اقرأ أيضاً: أردوغان "فاشي العصر".. لماذا لقّبه الأكراد بذلك؟
تتنوع مصالح القوى الفاعلة في الملف السوري في المنطقة، فتسعى إيران التي تتمتع بنفوذ كبير جنوب نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي من خلال العديد من الميليشيات، إلى خلق نفوذ لها شمال النهر، لتحقيق حلم إيراني بإنشاء ممر بري طويل يبدأ من طهران وينتهي في ضاحية بيروت الجنوبية، ويمر عبر العراق وسوريا، وفق مقال لمحمد أمين نشرته "العربي الجديد".

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على حقوق النفط في سوريا بعد طرد داعش منها

في حين لا تريد تركيا أن ترى ثروات النفط بيد أعدائها الأكراد، وتفضل أن تسيطر قوات الأسد عليها بدلاً منهم، رغم ذلك تشتري النفط السوري من الأكراد بوساطة أمريكية، وتعيد بيعه لدول أخرى، وفق تصريحات وزير التجارة الداخلية السوري، عاطف نداف، خلال لقاء مع قناة تلفزيونية روسية.
يأتي النفط على رأس أولويات الأسد من السيطرة على شرق الفرات، ويليه الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية والمائية، فهو يحتاجه بطبيعة الحال لتلبية الاستهلاك المحلي، وتحقيق فوائض مالية يستخدمها في عملية إعادة الإعمار في المناطق التي بات يسيطر عليها.
من جهتها، تطمح روسيا من استعادة النفط إلى الاستحواذ على جزء كبير منه عبر شركاتها، لتحقيق أرباح من جانبٍ، ولتوفير الأموال اللازمة لمشاريع إعادة الإعمار، والتي تخطٍط لنيل حصة كبرى فيها، خصوصاً في قطاعي الطاقة والبناء.

اقرأ أيضاً: "حفريات" توثّق عمليات مصادرة ممتلكات الأكراد في سوريا وسرقة أعضائهم في أنقرة
في العام 2018 حصلت شركات روسية على عقود مسبقة لتنفيذ مشاريع لتوليد الطاقة في حمص، وفي العام نفسه حصلت على حقوق حصرية لاستخراج النفط والغاز من مناطق سورية خاضعة لسيطرة الأسد المباشرة، واستُتبِع الاتفاق بتصريح لوزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك قال فيه إنّ موسكو وقعت "خريطة طريق" مع سورية حول ترميم حقول النفط وتطوير تراكمات طبيعية جديدة"، وتلا ذلك تعهد بالتعاون المشترك بين موسكو ودمشق لتعزيز جودة المنشآت لإنتاج النفط، وفق تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

 

أطماع أردوغان في النفط
علاقة أردوغان بالنفط السوري لم تنقطع منذ الثورة السورية في العام 2011، رغم تبدل القوى المسيطرة على المناطق النفطية، من قوات المعارضة ثم داعش في 2014، ثم قسد في 2017 حتى اليوم، إلا أنّ المشترك بين هؤلاء هو شراء تركيا النفط منهم بسعر زهيد، وتحقيق مكاسب كبيرة من إعادة بيعه، بجانب استفادتها من دعم داعش بتصريف النفط حال سيطرته على الآبار، لاستخدامه في الحرب ضد الأسد والأكراد.
بسيطرة قسد على النفط في شرقي الفرات، خصوصاً الآبار الكبيرة في دير الزور تلقى أردوغان صفعة قوية، إذ خسر حلفاؤه مناطق نفوذهم لصالح أعدائه الأكراد، الذين وضعوا أيديهم على أغلب ثروات المنطقة، مما يضمن تدفق موارد مالية كبيرة نسبياً لهذه القوات، ويساعد على بقائها متماسكةً، وتدعيم قوتها العسكرية، وهو ما أشد ما يخشاه أردوغان.

اقرأ أيضاً: تركيا... تاريخ حافل بالقمع ضد الأرمن والأكراد
يدرك أردوغان استحالة السيطرة على حقول النفط في ظل تمركز القوات الأمريكية بالقرب منها، وتسييرها دورياتٍ لحمايتها، سواءً من داعش أو روسيا والأسد، لذلك لجأ إلى الضرب على الوتر الإنساني لابتزاز الولايات المتحدة.
يتجلى ذلك خلال توقيت ومكان التصريح الذي أطلقه عن النفط السوري في 10 آذار (مارس) الماضي أثناء عودته من بروكسل على متن طائرته الرئاسية، بعد اجتماع مع كبار القادة الأوروبيين لبحث أزمة اللاجئين التي افتعلتها تركيا على الحدود اليونانية.

اقرأ أيضاً: العملية التركية في سوريا: هل ارتكب حلفاء تركيا جرائم حرب ضد الأكراد؟
أردوغان صرح للصحفيين بأنّ وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد في إدلب السورية يسير بشكل جيدٍ، كاشفاً أنّه قدم عرضاً لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن حقول النفط في دير الزور، وقال إنّه طلب من بوتين المشاركة في إدارة حقول النفط بدير الزور بدلاً من استغلال "قسد" لها، والذين وصفهم بـ"الإرهابيين". وقال: "عرضت على بوتين أنّه إذا قدم الدعم الاقتصادي فبإمكاننا إقامة البنية، ومن خلال النفط المستخرج هناك، يمكننا مساعدة سوريا المدمرة في الوقوف على قدميها".

وأضاف أردوغان أنّ بوتين يدرس العرض، موضحاً إمكان تقديم عرض مماثل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطوة يهدف إلى اللعب على علاقة الفاعلين الأساسيين في الملف السوري.

 


جاءت التصريحات في وقت تصدرت فيه أزمة اللاجئين على الحدود اليونانية وسائل الإعلام، خالقة تعاطفاً إنسانياً كبيراً بعد المشاهد الأليمة للاجئين الواقعين بين مطرقة الأتراك وسندان اليونانيين، مما يكشف عن تعمد أردوغان استغلال المأساة في الترويج لخطته بنزع سيطرة قوات سوريا الديمقراطية عن حقول النفط، ليظهر بصفة الحريص على مصلحة الشعب السوري، وهو ما كشف عنه مسارعة موقع "ترك برس" إلى نشر مقال للكاتب زهير سالم، للدفاع عن تصريحات أردوغان، التي رأى الكثيرون فيها دعوةً لنهب ثروات السوريين.

 

اقرأ أيضاً: "التايمز": تركيا تستخدم أسلحة محرَّمة ضدّ الأكراد بسوريا

جاء في مقال زهير سالم: "هذا توضيح مهم، ونص العرض المجتزأ أعجب كثيراً أصحاب مدرسة "ويل للمصلين" و"لا تقربوا الصلاة" وواضح لمن يقرأ التصريح كاملاً أنه ليس كما اجتزأه الإعلام المغرض: أردوغان يعرض على بوتين تقاسم النفط السوري!! و"قُتل الخرّاصون".
هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها أردوغان عن أطماعه في استغلال الثروات النفطية في سوريا؛ ففي كلمةٍ ألقاها خلال مشاركته في المنتدى العالمي للاجئين، بمكتب الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، في كانون الأول (ديسمبر) 2019، وجّه أردوغان نداءً إلى القوى العالمية الفاعلة لاستخراج النفط السوري وإنفاق عائداته على اللاجئين الذين سيتم توطينهم في الشمال السوري. قائلاً: "لنستخرج معا النفط من الآبار التي يسيطر عليها الإرهابيون في سوريا، ولننجز مشاريع بناء الوحدات السكنية، والمدارس، والمستشفيات، في المناطق المحررة من الإرهاب، ونوطن اللاجئين فيها.. ولكن لا نلمس استجابة لهذه الدعوة".
سياسة اللعب على الحبال
العداء التركي للأكراد أعمى أردوغان عن أبسط الحقائق على الأرض؛ فدعوته لبوتين بتقاسم السيطرة على نفط دير الزور لا تخرج إلا من شخص جاهل لأسباب الوجود الأمريكي في المنطقة، أو شخص يريد صداماً بين الروس والأمريكان، فحول حقول النفط في دير الزور ثلاث قواعد عسكرية للولايات المتحدة.

 


وهو الأمر الذي أدركه وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو الذي اتهم واشنطن بالطمع في النفط السوري، وقال: "إنّ واشنطن اعترفت بوجودها من أجل حقول النفط"، مضيفاً: "يعترفون بكل صراحةٍ بأنّهم موجودون في سوريا من أجل احتياطات النفط على وجه الخصوص، فنحن نتحدث عن بلدٍ لا يخفي وجوده هناك من أجل ثروات النفط والاستيلاء عليها، ونرى دعمه تنظيمات إرهابية مثل YPG، وPKK من خلال الدخل الذي يجري الحصول عليه منها".

 

لا تريد تركيا أن ترى ثروات النفط بيد أعدائها الأكراد وتفضل أن تسيطر عليها قوات الأسد

أردوغان وحكومته يمارسون السياسة بمنطق اللعب على الحبال، فتارةً يغازلون الروس، وتارةً يغازلون واشنطن، ويسعون لتعكير العلاقات بين الدولتين، فخلال اجتماع أردوغان يوم 29 شباط (فبراير) الماضي مع أعضاء حزبه، أخبرهم أنّه ناقش الأوضاع في محافظة إدلب السورية مع ترامب، الجمعة الماضي، وقال: "لقد تحدثت مع ترامب الليلة الماضية، وسألني عما يتوقعه بوتين وعما يريده؟ قلت له تلك (القواعد) وأخبرته بأن هناك موضوعاً حول النفط في القامشلي، فسألني عما إذا كان يوجد هناك نفطٌ، وقلت له نعم لكن ليس بحجم النفط الموجود في دير الزور، بل القليل من النفط".
حديث أردوغان مع أعضاء حزبه جاء قبيل التوصل لاتفاقٍ لإطلاق النار مع روسيا في إدلب، والذي جرى توقيعه بعد 5 أيامٍ، في 5 آذار (مارس)، ليعود أردوغان بعدها بعدة أيامٍ للحديث عن التعاون مع بوتين في إدارة النفط، بعد أن سبق واتهمه بأنّ له أطماعاً في نفط القامشلي.

اقرأ أيضاً: أكراد العراق.. لماذا كانوا الأقرب إلى تحقيق الاستقلال؟
يبدو أردوغان أخذ يتخبط في سياساته، دون أن يفرق بين حلفائه وأعدائه، ظانّاً أنّه أذكى من الجميع، لكن الحقيقة عكس أوهامه، فلا روسيا أو أمريكا يثقان به، ولا يتعاملان معه إلا في حدود المصالح المشتركة، والتي تتبدل من حين لآخر؛ جنى أردوغان عاقبة سياساته بالدرس الذي تلقاه على يد الروس والأسد في إدلب، بينما تركه الناتو وحده!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية