فيلم "قصة زواج": هل يموت الحب؟

فيلم "قصة زواج": هل يموت الحب؟


06/04/2020

بينما يبحث المرء عن "الحب" بشكله المتخيل والمثالي والمتين، القادر على غرس جذوره في الأرض التي نمشي عليها، وفي القلب الذي يخفق، الذي يجعل الروح تتمدد وتتسع، لتتجاوز حصن الجسد، وتتملك جسد وروح الآخر، المحبوب، يأتي واقع الحياة، ويسقط الحبّ بشكله وصورته السامية والكاملة والطوباوية، في ماكينة حياتنا اليومية وخشونتها، لتحوّل شكله ومضمونه من شيء كنا نراه صلباً ومن الصعب أن ينكسر، إلى شيء هشّ قابل للكسر بسهولة.

هذا أحد التصورات التي لا يقين ولا ثبات فيها؛ هل الحب بهذه الهشاشة، أم هو خيال المرء عنه؟ هل الحبّ يموت؟ لا جواب، هل الحب وهم أم حقيقة؟ لا جواب أيضاً.

قد تتبادر أسئلة كثيرة عن الحب والارتباط أثناء مشاهدة فيلم "قصة زواج"، لمؤلفه ومخرجه نوح بومباخ.

اقرأ أيضاً: 10 أغنيات عربية جديدة لمجابهة فيروس كورونا

تدور قصة الفيلم حول مرحلة انفصال الزوجين تشارلي ونيكول (آدم درايفر وسكارليت جوهانسن)، ومن ثم البدء بإجراءات الطلاق الرسمية، موضوع فكّ الارتباط دون تحطيم العلاقة العاطفية نهائياً، والحفاظ على علاقة ودّية بين الزوجين بعد الطلاق، ومحاولة تجنيب ابنهما، هنري، الذي يبلغ من العمر 8 أعوام، أيّة آثار سلبية على انفصالهما، الذي هو أحد الخيوط الأساسية التي يتطرق إليها موضوع الفيلم. 

أظهرت الممثلة سكارليت جوهانس والممثل آدم درايفر أداء على مستوى عال من الحرفية، إضافة إلى السيناريو المكتوب بإحكام

هل ينتهي الحب بين الزوجين بعد الطلاق؟ يحاول الفيلم أن يُبين تلك التعقيدات التي تتداخل بين حالة الامتنان والمزايا التي من الممكن أن يحظى فيها رجل وامرأة متزوجان من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى أيّ مدى تستطيع العلاقة الزوجية أن تحافظ على هوية كلّ فرد منهما، لا بوصفهما زوجين، بل بوصفهما فردَين مستقلَّين؛  كلّ واحد منهما له هويته وشخصيته المتفردة، المحمية من الانسحاق، وعدم تخلي كلّ واحد منهما عن طموحاته وأحلامه من أجل الآخر/ الشريك، أو من أجل ما يريده، أو ما يراه هو مناسب.

تدور قصة الفيلم حول مرحلة انفصال الزوجين تشارلي ونيكول ومن ثم البدء بإجراءات الطلاق الرسمية

العلاقة الندِّية والتنافسية بين رجل وامرأة متزوجين، تظهر حدّتها بشكلٍ واضحٍ حين يكون كلاهما يعمل في المجال نفسه، كما أنّها تكون مكشوفة وعارية عندما يكون المجال الذي يعملان فيه هو الفنّ؛ فتشارلي مخرج مسرحي طليعي في مدينة نيويورك، ونيكول ممثلة في الفرقة المسرحية التي يشرف عليها تشارلي، لكنّ نيكول كانت ممثلة سينمائية في بداية مشوارها، قبل أن تأتي من مدينتها لوس أنجلوس في زيارة إلى نيويورك، وتقع في حبّ تشارلي، وتنجب منه طفلاً، ويتغيّر مسار حياتها، وبدلاً من أن تصبح نجمة سينمائية، باتت ممثلة ضمن فرقة مسرحية، والنجم هنا هو المخرج المسرحي تشارلي، الذي يصفه من حوله بـ "المخرج العبقري".

تظهر الندية والتنافسية بين الزوجين حين يعمل كلاهما في المجال نفسه

بيقى حلم نيكول معلقاً؛ إذ إنّ حياتها محصورة في التمثيل مع الفرقة التي يخرج لها تشارلي المسرحيات، بينما هي تطمح بأن تتابع حلمها بالتمثيل في التلفزيون، يكون لها تحققها الخاص كنجمة وفنانة مستقلة عن زوجها تشارلي، إلى أن تأتي الفرصة أخيراً، وتضع نهاية للعلاقة، فتشارلي يرفض العيش في لوس أنجلوس، ويُسخّف من فكرة تمثيل نيكول في مسلسل تلفزيوني.

اقرأ أيضاً: أشهر 6 أفلام عن الاضطرابات النفسية.. هل شاهدتها؟

عند هذه اللحظة تتعرى العلاقة، وتتكشف الخيوط التي ربطت بين زوجين لفترة 10 أعوام من الحياة الزوجية، وكيف يرى كلّ منهما تضحياته من أجل العلاقة، ضمن سياق أهدافه وطموحاته الفردية.

يحاول الفيلم تقديم صورة عن عملية "طلاق" بأقل الخسائر الممكنة، وأقلها عنفاً،  بهدف استمرار العلاقة الإنسانية بين الزوجين

يُفكّك فيلم "قصة زواج" التعقيدات التي تحكم علاقة الحبّ التي يليها ارتباط وتنتهي بالزواج؛ إذ إنّ موضوع استمرار الزواج في مرحلة ما، يكون غير مرتبط في الحبّ فقط. بالمقابل، الطلاق ليس سببه انتهاء الحب أيضاً؛ إذ تبيّن قصة الفيلم أنّ اللحظة التي يحدث فيها الحب بين اثنين، قد تكون لها دوافع مختلفة لكلّ منهما، هذه الدوافع قد تتلاقى، وقد يحدث الحب، لكنّ هذه الدوافع التي صنعت الحب ستبنى عليها لاحقاً استمرارية العلاقة في حال حصل الزواج، هذا ما نفهمه في بداية الفيلم من كلام نيكول في أول جلسة  لها مع المحامية "نورا"، تبدأ نيكول في الحديث عن بداية علاقتها بتشارلي؛ إذ تقول إنّها في تلك المرحلة كانت تشعر بأنّ هناك جزءاً ميتاً داخلها، رغم أنّها كانت مخطوبة لرجل آخر قبل تشارلي، في بداية مشوارها في التمثيل، حين كانت تبلغ من العمر 20 عاماً تقريباً، وعندما التقت بتشارلي شعرت أنّ الجزء الميت داخلها عاد للحياة.

يرفض تشارلي العيش في لوس أنجلوس ويُسخّف من فكرة تمثيل نيكول في مسلسل تلفزيوني

في ذلك الوقت؛ كان نجم تشارلي في صعود، ورأت فيه شخصاً مبدعاً وعبقرياً، مع الزواج والإنجاب، ورفض تشارلي المتكرر إعطاء فرصة لنيكول في السفر للوس أنجلوس، لتحظى بفرصة لمتابعة مشوارها بالتمثيل في السينما والتلفزيون، وتأجيله المتكرر أيضاً لفرصة أن تخوض نيكول تجربة الإخراج المسرحي مع الفرقة المسرحية، عند هذه اللحظة بدأت نيكول تشعر أنها تفقد هويتها، بحسب ما تقول لمحاميتها "نورا".

اقرأ أيضاً: 5 أفلام إيرانية مُنعت من العرض .. تعرف إليها

من الوارد جداً أن يبدأ حبّ المرء لشخص ما انطلاقاً من احتياجه العاطفي، الذي يخصّه هو لا غيره، وأنّ هذا الشخص الذي أحبّه هو الشخص المناسب الذي غذّى كلّ الاحتياجات وملأ كلّ الفراغات التي بداخله في اللحظة المناسبة، وقد تتطور مشاعر الاحتياج لشخص ما، في لحظة ما، إلى حبّ يستمر لزمن طويل، لكن ومثلما كانت للحظة الحب الأولى دوافع تمّ البناء عليها، يجب أن تكون هناك أيضاً دوافع ما للاستمرار بعد مرحلة نضج ما في العلاقة، أو عدم التمسك بالدوافع الأولى كذريعة أو شيء يجري من خلاله استغلال الآخر/ الزوج أو الحبيب، أو حتى النظر للعلاقة بوصفها صورة ثابتة، وخطّاً مستقيماً يجب ألّا تحيد العلاقة عنهما، وهذا يتمثّل بالجانب الذي يرى فيها تشارلي علاقته بنيكول إلى حدّ ما، فهو كان يرى أنّه طالما نيكول هي من قدمت لوس أنجلوس إلى نيويورك، وتعرّفت إليه في هذه المدينة، وقبلت بأن تتزوجه وتنجب منه في نيويورك، والتخلي عن مشروعها كممثلة سينمائية، والعمل مع الفرقة المسرحية، بأنّها، وعلى هذا النحو؛ قَبِلتْ بشروط علاقة ارتباط - زواج، والتي كانت بطبيعتها وسياقها الزماني والمكاني مناسبة لتشارلي، أي إنّ هذه العلاقة لم تُحدث تغييرات جذرية في حياته، كما جرى مع نيكول.

يُفكّك فيلم قصة زواج التعقيدات التي تحكم علاقة الحبّ التي يليها ارتباط وتنتهي بالزواج

يحاول الفيلم من جهة أخرى تقديم صورة عن عملية "طلاق" بأقل الخسائر الممكنة، وأقلها عنفاً، بهدف استمرار العلاقة الإنسانية بين الزوجين، وحفاظاً على السلامة النفسية لابنهما، كما ركّز الفيلم من جهة أخرى على التفاصيل المشتركة التي تبقى بين الزوجين بعد انتهاء علاقتهما.

اقرأ أيضاً: رواية "حصن الزيدي": عودة الإمامة برداء جمهوري!

أظهر كلّ من الممثلة سكارليت جوهانس والممثل آدم درايفر أداء على مستوى عال من الحرفية، إضافة إلى السيناريو المكتوب بإحكام من قبل الكاتب والمخرج نوح بومباخ، وقد رُشّح الفيلم للمنافسة على 6 جوائز، أبرزها جائزة أفضل ممثل لآدم داريفر، وأفضل ممثلة لسكارليت جوهانسن، وأفضل سيناريو، وهذا ضمن جوائز الغولدن غلوب الأمريكية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية