بماذا أوصى تونسي نجا من كورورنا؟

كورونا

بماذا أوصى تونسي نجا من كورورنا؟


07/04/2020

هو وحده يدرك كيف يبدو الشعور بالموت، فهو العائد إلى الحياة من جديد، بعد أن منحته العناية الإلهية والأطباء، أو كما يحلو له أن يسميهم "ملائكة الرحمة" حياةً جديدةً، إثر شفائه كأوّل حالةٍ أُصيبت بفيروس كورونا المستجد في تونس، رغم قلة التجهيزات والإمكانيات الطبية.

اقرأ أيضاً: مليونية "كورونا" والسقوط الإنساني
محمد الغزال (43 عاماً)، أصيل محافظة قفصة (جنوب تونس)، الذي عاد من إيطاليا (أكثر البلدان التي سجلت وفيات وإصاباتٍ بفيروس كورونا)، يوم 27 شباط (فبراير) 2020، وأُعلنت إصابته بالفيروس في 2 آذار (مارس) 2020، بدا أكثر قوّةً وتماسكاً، وهو يدعو التونسيين إلى ضرورة تنفيذ قرارات السلطات، والالتزام بالعزل الصحي للمحافظة على حياة من نحبهم والعودة إليهم، وفق ما قاله لـ "حفريات".

 تونس توقف جميع الرحلات الجوية والبحرية في إطار حربها على الكورونا
وكانت محافظة قفصة قد سجلت حالةً وحيدةً من إجمالي 75 حالة إصابة و3 حالات وفيات في تونس، إلى حدود 22 آذار (مارس) 2020، ويتوقع المسؤولون بقطاع الصحة، ألّا تصل تونس إلى مراحل خطيرة في مواجهة هذا الوباء، في حال التزم الشعب بالتعليمات التي أعلنها رئيس الدولة، ورئيس الحكومة.

الناجي محمد الغزال: يجب اتباع الإجراءات التي أقرتها وزارة الصحة، خاصةً العزل الصحي من أجل الشفاء

وبحسب آخر الإحصائيات المسجلة، حتى أول من أمس الأحد، بلغ عدد إصابات فيروس كورونا في تونس 574 حالة و22 وفاة، بحسب وزارة الصحة.
يقول محمد غزال لـ "حفريات"؛ إنّه مقيم في الخارج وتعوّد على قضاء عطلته الشتوية في تونس، وأنّه عاد إلى تونس من إيطاليا عبر باخرةٍ، حيث انتقلت إليه العدوى، مشيراً إلى أنّ الأعراض المعروفة عن الفيروس لم تظهر عليه خلال الأيام الأولى من عودته، لكنّه شكّ في إمكانية إصابته، خاصةً أنّ إيطاليا باتت تعدّ بؤرة لهذا الوباء، ولدى إجرائه تحاليل للاطمئنان على سلامته الصحية، تبيّن أنّه حامل للفيروس.
المتعافي الأوّل من كورونا أكد أنّه نُقل إلى أحد مستشفيات محافظة سوسة (ساحلية)، وخضع لعلاج عادي؛ لأنّه لم تظهر عليه أيّة أعراض (سعال، حرارة، ضيق في التنفس) طيلة إقامته بالمستشفى، داعياً العائدين من الخارج إلى ضرورة الالتزام بالحجر الصحي من أجل أحبائهم وبلادهم.
كابوس أسود
هذا "الطاعون الأسود" فتح قوساً مؤلماً ومثيراً للقلق؛ إذ أحدث هزّة قوية بعثرت نمط حياة الشعب التونسي، وأدخلتهم في دوامة من الخوف والرعب؛ إذ باتوا يتبعون إجراءاتٍ وقائية مشدّدة بوجه هذا الفيروس، ما ألزمهم البقاء في المنزل، وأجبرهم على اتّباع قواعد صحية قائمة بالأساس على التنظيف المستمر، كما غيّر عاداتهم الاستهلاكية اليومية.

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا يفجر العنصرية ضد الأفارقة.. ما القصة؟
وخلت الشوارع من السياح ثم من التونسيين أنفسهم، بعد أن فرض عليهم حظر التجول جزئياً، ثم الحظر الصحي الشامل في مرحلة ثانية، على أن يلزموا بيوتهم ولا يغادروها إلا للضرورة القصوى، قبل أن تغلق المدارس والجامعات، وكذلك المطاعم والمقاهي، وتأجلت كل الأنشطة الثقافية والرياضية، ولم تبقَ غير محلات بيع المواد الغذائية والصيدليات مفتوحة.

الرئيس التونسي يدعو التونسيين إلى ملازمة بيوتهم وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى
تقول في هذا الشأن، حياة زيتوني (29 عاماً)، مواطنة تونسية عادت من تركيا مؤخراً، إنّها التزمت الحجر الصحي الذاتي فور عودتها، دون أن تشعر بأيّة أعراضٍ، كي تجنب عائلتها وأصدقاءها خطر العدوى، خاصّةً أنّها تعلم أنّ بداية هذا الفيروس تكون صامتة عادةً، ولا يمكن الجزم أو التنبؤ بالإصابة به أو معرفة أعراضه مبكراً.
الزيتوني تشير في حديثها لـ "حفريات"، إلى أنّها تحاول ملء فراغها بتصفح الإنترنت، والطبخ ومتابعة أفلامي المفضلة، بعد أن تغيّر سير حياتها اليومي، وتنصح "الجميع بالالتزام به لحماية البلاد، لأنّها مجرّد أيامٍ وستمر، ولأنّ تفشي الفيروس لا تمكن محاصرته إلا بهذه الطريقة".

اقرأ أيضاً: مخاوف من قنبلة موقوتة تتعلق بفيروس كورونا.. ما هي؟
من جانبه، أشار رئيس قسم لجنة الصحة بالبرلمان التونسي، خالد الكريشي، في تصريحه لـ "حفريات"، إلى أنّ اللجنة ظلّت في حالة انعقاد دائمٍ منذ تمّ تسجيل حالات إصابات بهذا الفيروس، وإنّها راقبت التعاطي الحكومي مع الأزمة، اقترحت جملةً من الإجراءات.
ونبّه الكريشي المسؤولين في القطاع الصحي إلى ضرورة اتّخاذ قرارات جريئة لمقاومة هذا الفيروس، وحماية التونسيين، وفي حال لم تتخّذ الإجراءات اللازمة فإنّ اللجنة ستستدعي كلاً من وزير الصحة، ووزير الداخلية، والدفاع لمساءلتهم حول الوضع الذي تمرّ به البلاد، وحول جهودهم في حماية التونسيين.
سخرية ولامبالاة
وواجه البعض الآخر من التونسيين الوضع بالتهكم والسخرية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وغاب الوعي عن جزءٍ منهم لم يتقيّد بالإجراءات الحكومية التي أقرّتها السلطات، حتى إنّ بعضهم أحدث مجموعةً على موقع فيسبوك باسم "مصابي فيروس كورونا في تونس"، يتبادلون فيها التعليقات الفكاهية والسخرية من الفيروس ومن الإجراءات التي تقوم بها السلطات التونسية لمواجهة تفشي الوباء.
ويرى الباحث في علم الاجتماع، معاذ بن نصير، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ الكورونا تسبب بظهور ما يُعرف بالخوف الاجتماعي لدى التونسيين، وهي حالة نفسية تسبّب القلق المفرط لدرجة الهوس عند التعرض لمواقف اجتماعية معينة مرتبطة بمعيشنا اليومي.

تونس تتخذ إجراءات وقائية هامة لمقاومة كورونا
ويؤكّد بن نصير؛ أنّ هذا الشعور بالخوف عادي أمام المخاطر والكوارث؛ حيث يعتمد الفرد إستراتيجيته الخاصة لتجنب المصيبة أو لخلق وسيلة دفاعٍ ذاتية؛ كالهروب، أو الابتعاد عن مكان الحادثة، أو في بعض الأحيان صنع سيناريوهات خيالية كوسيلة نفسية لتحقيق نوع من التوازن النفسي وإشباع الذات الخائفة، فتكثر بذلك الخرافات أو الشائعات عموماً، وهو ما يفسّر الكمّ الهائل من الإشاعات والأكاذيب الملقاة على قارعة الفيسبوك.

الكورونا تسبب بظهور ما يُعرف بالخوف الاجتماعي لدى التونسيين وهي حالة نفسية تسبب القلق المفرط لدرجة الهوس

الباحث في علم الاجتماع لفت أيضاً إلى وجود نوعٍ من الاستخفاف بهذا الوباء؛ إذ وصل الحدّ ببعض التونسيين إلى الضحك والتندر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهو سلوك طبيعي بالنسبة إلى الأفراد الذين يشعرون بأنّ الخطر بعيد عنهم، ولا يقلق وجودهم أو راحتهم، فيتعايشون مع الأمر كأنّه لم يكن.
وفسّر بن نصير لامبالاة بعض التونسيين أمام وقع الكارثة، بأنّه إستراتيجية يستعملها البعض للتخفيف من حدة المصيبة على نفسيته، ولمساعدته في تجاوز الألم، وتعدّ ردّة فعلٍ عكسيةٍ كي يتعايش مع الواقع المتأزم، فيلجأ إلى خلق الهزل والتندر داخل الفضاء الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي.
الطواقم الطبية على أشدّ استعدادها
هذا الفيروس لم يغيّر فقط نمط حياة الشعوب، ولم يشتّت فقط المجهودات الحكومية، بل غيّر أيضاً بوصلة حياة الطواقم الطبية، والممرضين بتونس، الذين كانوا أبطال هذه المعركة منذ بدايتها دون منازعٍ، ومحاربيها المجهولين، بعد أن غامروا بأنفسهم لإنقاذ من هاجمهم المرض، باعتبارهم الوحيدين الذين يتواصلون بشكلٍ مباشر مع المصابين.

اقرأ أيضاً: هل يمهد وباء كورونا لأفول نجم الولايات المتحدة؟
صعوبة عملهم تشتدّ بتدهور المنظومة الصحية بتونس، وظروف العمل في المستشفيات العمومية؛ بسبب النقص الفادح في أعداد المستشفيات الحكومية خصوصاً بالمحافظات الداخلية، فضلاً عن النقص الفادح في العنصر البشري، إلى جانب النقص الكبير في الفريق الطبي وشبه الطبي، بسبب ما تعانيه البلاد من هجرة الأدمغة، ورغم ذلك فقد تضافرت الجهود لإنقاذ حياة المصابين وذويهم.

تونس تخلو من كل مظاهر الحياة بسبب فيروس كورونا
ويرى رئيس قسم الاستعجالي بمستشفى سيدي بوزيد، واصل مكني، أنّ هذه الأزمة أدخلت عدّة تغييرات على العمل بالمستشفى؛ إذ تمّ تركيز وحدةٍ خاصّةٍ لمرضى نزلات البرد دون غيرهم، لتجنّب العدوى، كما تمّ تشديد المراقبة على حاملي أعراض الكورونا، لحماية أعوان المستشفى والأطباء والممرضين والمرضى.
وأفاد المكني في تصريحه لـ "حفريات"؛ بأنّ عدّة أطباء وممرضين بالقطاع الخاص، أو بالطبّ الشرعي قدموا إلى المستشفى وعبّروا عن استعدادهم للعمل طوعاً في حال اقتضت الحاجة، لافتاً إلى أنّ أغلب أعوان الصحة بالمستشفى الذي يشرف عليه لم يعودوا إلى منازلهم منذ أيام لتأدية واجبهم الوطني، في محاربة هذا "الطاعون".
رئيس قسم الاستعجالي قال أيضاً إنّهم تلقوا كميات مهمة من المساعدات من قبل بعض رجال أعمال الجهة والبرلمانيين، وتمثلت المساعدات في تقديم كميات من التجهيزات الطبية، ومواد التنظيف، ومواد للتعقيم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية