كيف تعرف أنك فاشي؟

كيف تعرف أنك فاشي؟


01/03/2018

الفاشية لم تعد مجرد كلمة ترقد في صفحات قاموس؛ بل صارت وباءً يسكن الإنسان العربي والمسلم، بعضهم تمّ شفاؤه، والمعظم ما يزال يعاني، والأخطر أنّه يرفض العلاج؛ لأنّه يعيش حالة إنكار، ويتفاخر بمرضه المزمن، الفاشية لدينا ليست فاشية سياسية فحسب، أو دينية فقط، فالأخطر هي الفاشية الاجتماعية، الزوج الذي يضرب زوجته فاشيّ، الأب الذي يقهر ابنته فاشيّ، المدير الذي يتلذّذ بتعذيب موظف في مؤسسته فاشيّ، الشيخ الذي يرعب المصلّين بالثعبان الأقرع وعذاب القبر فاشي،..إلخ، لذلك لا يهمّني كثيراً الأصل التاريخي واللغوي لكلمة الفاشية، لكن ما يهمني حقاً؛ هو هذه الرؤية السيكولوجية للشخصية التي لا تقبل الآخر، وتصفه بأنّه عميل مأجور، أو ساذج جاهل، وخارج على أصول الشرع والقانون، ولا يمثّل إلّا أقلية، ولن يتغير، وشبه كلّ من معه في التنظيم، إلى آخر هذه التصنيفات.

الفاشية لدينا ليست فاشية سياسية فحسب، أو دينية فقط، فالأخطر هي الفاشية الاجتماعية

كتب د. قدري حفني، أستاذ علم النفس المرموق، في مجلة "الطليعة 21" الجديدة، عن الشخصية الفاشية، يشرحها بقلمه الرشيق، ويشرّحها بمشرطه البتّار، ويقدّم مقياساً لأحادية الرؤية نابعاً من دراسة مصرية، وهمٍّ مصري كان يشغله مع فريق من الباحثين المهتمين بالإجابة عن سؤال مرض التعصب، الذي صار وباءً حتى فى عقول بعض المثقفين! بعض هذه الأبعاد التي تحدّد الشخصية الفاشية، وترسم ملامحها هي:

أحادية المدخلات: بمعنى أنّ الشخص الأحادي لا يرتضي إلّا مصدراً واحداً يستقي منه المعلومات، ويمثّل إطاره المرجعي الوحيد، حتى لو ثبت له وجاهة المصادر الأخرى.

الإطلاقية: الفاشي يدّعي احتكار الحقيقة، بمعنى أنّ الذي يمتلك مدخلاً واحداً لمصادر المعلومات، يعتقد لدرجة اليقين أنّه وحده الذي يمتلك الحقيقة، كلّ الحقيقة.

التمامية: والمقصود بها؛ أنّه ما دام الشخص الأحادي الإطلاقي يدّعي أنّه يمتلك الحقيقة، إذاً فليس هناك داعٍ لتصحيح المسار؛ لأنّه لا يخطئ أبداً.

الفاشي لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، ولذلك فإنه لن يشاهد أو يصنع مستقبلاً

استبعاد الأحادي للمتعدّد: الأحادي لا يطيق أن يخالفه، أو يعارضه، أحد في الرأي، وإذا فعل أحد ذلك فإنه يقصيه؛ بداية من التجنب والإهمال، حتى التصفية الجسدية، ثم يلي ذلك ردّ فعل إقصاء المتعدد للأحادي، أستعير من طبّ العيون مصطلَحين للتعبير عن تلك الأحادية والفاشية؛ الأول: الجلوكوما، التي تؤدي إلى قصور زاوية الرؤية، أو ما نسمّيه نحن في الطب " tunnel vision " ويعني أن أرى الأمور، وكأنّني أشاهد من خلال نفق، لن أشاهد ما يوجد خارجه، عن اليمين، أو عن الشمال أو فوق، أو تحت. والمصطلح الثاني: "ميوبيا" أي قصر النظر، فالفاشي لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، ولن يشاهد أو يصنع مستقبلاً. أظنّ أنّنا تجاوزنا تلك المراحل، ودخلنا المرحلة التي لا عودة بعدها، ولا علاج لها، وهي مرحلة العمى الكامل المصحوب بانفصال شبكي تام، لا رجعة فيه، مع ضمور العصب البصري الناتج عن ضمور المخ! هل نستطيع علاج الفاشية ومناهج تعليمنا فاشية في اتجاه واحد، وعلاقة الطالب بأستاذه هي علاقة عبد مع سيّده، التلقين هو الشعار والطريق، والإذعان هو الأسلوب، والنتيجة تخرج طالب مسطّح مكفّر، سهل الوقوع في براثن أمير الجماعة المتسلّط، بديلاً عن المدرّس المتسلط؟!، كيف نعالج الفاشية، وإعلامنا مجرد كورس في لحن جنائزي رتيب وحيد مأزوم؟! كيف نعالج الفاشية وشبابنا لايعرف الحبّ؛ بل يفتعله بعواطف مزيفة، وشعوبنا لا تعيش الحياة؛ بل تمثلها بأقنعة تنكرية، وكلّنا ندّعي الديمقراطية، وننادي بها في برلماناتنا، ونحن في بيوتنا ومدارسنا ومؤسساتنا نمارس الفاشية في أبشع صورها؟!

إنّها الشيزوفرينيا التي لا تعالج إلّا بالصدمات الكهربائية، لا بالمسكّنات والمنوّمات الوقتية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية