المفاهيم الموازية للتقدم والتطور

المفاهيم الموازية للتقدم والتطور


30/05/2020

مع عدم وجود حدود واضحة بين مفهومي التطور والتقدم، فهناك أيضاً مفاهيم موازية مثل الرقي والارتقاء والتقدم العلمي والاجتماعي، والتي تبناها الماركسيون والوضعيون الماديون بصفة عامة. إلا أن بعض الإصلاحيين في العالم الإسلامي، وخاصة الأفغاني، كانوا ضد مفهوم «التطور» خوفاً من نظرية النشوء والخلق وخروج الشيء من اللاشيء، بينما تبناها شبلي شميل (1850-1917) وفرح أنطون (1874-1922) وسلامة موسى (1887-1958).. وهي نظرية علمية لا تعارض القرآن الذي يقول: «وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً»، كما يصف مراحل تطور الجنين في رحم الأم: «فإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً».
ومن المفاهيم الأخرى الموازية مفهوم «المستقبل»، وهو الهدف من التطور والتقدم. فدولة المستقبل ليست الدولة القوية الكبيرة أو العظمى التي تقوم بالغزو والهيمنة، بل الدولة المستقرة المتطورة، الدولة الأخلاقية الروحية التي تقوم على الحق والأمانة والإخاء والسلام.. وليست دولة المستقبل إمبراطورية مترامية الأطراف تقوم بإخضاع شعوب كثيرة من مختلف الديانات والطوائف والأعراق، بل هي الدولة المتجانسة في العرق واللغة.. وليست الدولة الدينية التي ترفع شعار «لا حكم إلا لله»، لترتكب باسمه أبشع الجرائم وتنتهك حقوق الإنسان.
ومن المفاهيم الموازية أيضاً مفهوما «الرقي» و«الطموح» إلى العلا، فالرقي سنّة الكون، والطموح نار تشتعل في قلب الإنسان تدفعه نحو التطور الدائم والارتقاء المستمر، أي الصعود إلى الأعلى طلباً للسعادة، وهو ليس أمراً هيناً على أية حال. والعدو هو عالم الجمود والخرافات، وهذا تقتضي مواجهته كثيراً من الصبر وعدم التسرع.
وللتقدم قانونه وسرعته وإيقاعه. الصبر والطموح قرينان. الصبر استعداد، والطموح انطلاق. وتتجلى الحياة في الجمال والقوة. وهي نظرية تماثل نظرية نيتشه (1844-1900)، وقريبة أيضاً من رؤيتي برجسون (1859-1941) ومحمد إقبال (1877-1938).
ومن المفاهيم الأخرى الموازية مفهوم «النهضة»، والذي نبع من قلوب النوابغ في الشرق، مثل محمد علي باشا في بناء الدولة، وطه حسين وعلي عبد الرازق في الفكر والأدب. النهضة، وأحيانا تسمى المدنية، تكتسح الواقع كالسيل، ليس كمظاهر خارجية، بل كتطور روحي ومعنوي واسع وكبير. ليست النهضة مجرد مدارس ولا برلمانات، وإنما هي النهضة العقلية والعلمية في الأذهان والعقول والقلوب، للنخبة وللجماهير. وإذا ما تكلمنا عن أركان النهضة العربية، فإن ركنها الأول قوة الشعب، وهي قوة ما تزال كامنة في العالم العربي، وإن لم تظهر بعد، لأسباب داخلية وخارجية كثيرة. وركنها الثاني القومية، فالهدف الأعلى للنهضة ليس السياسات والثورات المحلية والإقليمية، بل التضامن القومي، فهو الذي يوحد العرب ويحميهم من التفتت والتجزئة. وهو الذي يحمي العرب من الطائفية والمذهبية والعشائرية.
ومن المفاهيم الموازية «التمدن الحديث»، وهو مفهوم سلبي يشير إلى الحداثة الغربية، أي إلى التمدن المادي القائم على الغزو لباقي الشعوب وسلبها ثرواتها، من خلال الشركات الاحتكارية التي تستغل خيرات الأرض لنفسها على حساب العمال والمستهلكين. وليس الاقتراع الانتخابي وسيلة للإصلاح، إذ يمكن تزييف الأصوات وشراؤها. وكم من الجرائم ارتكبت باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان!

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية