نتنياهو لن يسارع إلى الضمّ الفوري

نتنياهو لن يسارع إلى الضمّ الفوري


04/06/2020

في الأسابيع التي أعقبت انتخاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للرئاسة الأميركية كانت هناك فترة للإثارة في الضفة الغربية في تشرين الثاني 2016. في الشوارع التي تؤدي إلى المستوطنات تم تعليق آلاف اللافتات التي كتب عليها شعار «سيادة الآن». ظهر نشطاء مجلس «يشع» في أروقة «ترامب بلازا» في نيويورك في أوساط الجمهور الذي حضر أداء يمين الرئيس للقسم. مقربون مزعومون ومقربون حقيقيون أكدوا بأنه منذ اللحظة التي سيجلس فيها رجلهم في الغرفة البيضوية ويتسلم شيفرة القنابل النووية فان كل شيء سيكون مختلفا.

في كل لقاء طلب زعماء المستوطنين من بنيامين نتنياهو الإسراع، وأن لا يفوت الفرصة التاريخية، وأن يقوم بالضم. سمع نتنياهو وطلب منهم انتظار لقائه الأول مع الرئيس الجديد.
عندما وصل نتنياهو إلى البيت الأبيض في 15 شباط، قال ترامب امورا مستغربة عن الحل المفضل لديه للنزاع مع الفلسطينيين («دولتان، دولة واحدة، ما يتفق عليه الطرفان»). ولكن كان له طلب واحد، «كنت أريد مشاهدتكم وأنتم تكبحون قليلا المستوطنات». وجد المستوطنون صعوبة في كبح الغضب. «نتنياهو خدعنا»، قال أحدهم منتقداً. ولكنهم أدركوا بأنه لن يتحمل مجرد التفكير بأن يديروا سياسة خارجية مستقلة مقابل الإدارة الأميركية. لقد بنى كل تاريخه السياسي حول أسطورة أنه زعيم اليمين الوحيد الذي يمكنه الوقوف في مواجهة الضغط الأميركي. ولم يكن لديهم أي خيار سوى انتظار أن تجري الأمور بوتيرة ترامب ونتنياهو.

وبعد مرور ثلاث سنوات ونصف اقتربت فترة الانتظار من نهايتها. ويمكن أن تصل لحظة حقيقة الضم في بداية الشهر القادم، كما يبدو، لكن نتنياهو كالعادة يبقي المستوطنين مع نصف طموحاتهم في أيديهم. هو يتحدث عن 1 تموز موعدا محظورا تفويته، لكنه لا يفسر كيف ينوي فرض السيادة. لا توجد خريطة ولا توجد صيغة لقانون، ولا يوجد جدول زمني. المستوطنون منقسمون بين الذين يريدون أن يذهب نتنياهو حسب خطة ترامب، الآن وعلى الفور قبل أن يتم غلق نافذة الفرص التاريخية، والذين يخافون من الدولة الفلسطينية في صفقة القرن وتحويل المستوطنات المعزولة إلى جيوب دائمة. ولا ينجح نتنياهو في تهدئتهم بخصوص نواياه، وليس مؤكدا أنه يستطيع ذلك.

من السهل نسيان أن المستوطنين ونتنياهو هم بالفعل حلفاء سياسيون، لكن كانت وما زالت بينهم فجوة كبيرة. ايديولوجية الاستيطان للعودة ووضع اليد على كل ذرة من الأرض المقدسة بوساطة أمر إلهي، تتساوق بالفعل مع رؤيا تجديد وتعزيز سيادة اليهود على الوطن التاريخي لنتنياهو. ولكن هناك بعض النقاط البارزة والأولويات المختلفة.

يعتبر المستوطنون الفلسطينيين في غرب «ارض إسرائيل» العدو الرئيسي والعائق المركزي الذي يجب التغلب عليه بأي طريقة ممكنة. باقي العالم – الدول العربية والمجتمع الدولي – ليس اكثر من عقبة بعيدة يمكن تجاهلها. نتنياهو غير مستعد لأن يعتبر الفلسطينيين عدوا. من ناحيته هم جزء هامشي من تجمع عربي كبير. لا يعتبر النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني حدثا بحد ذاته، بل هو جزء من صراع اكبر يجري بين القومية العربية والإسلام الراديكالي الذي يعتبر إسرائيل موقعا متقدما للعالم الغربي، لذلك هو معني بتدميرها. يعارض نتنياهو تقديم تنازلات للفلسطينيين؛ لأن هذا حسب رأيه يضعف الموقف العام لإسرائيل. ولكن الحرب الحقيقية هي أمام عدو عربي وإسلامي أكبر بكثير، يستغل فقط الفلسطينيين.

الفرق في الرؤية يفرض أيضا فجوة اجتماعية. مشروع الاستيطان هو محاولة الصهيونية الدينية لوراثة الطلائعيين العلمانيين للاستيطان العامل، ليس عن طريق الكراهية أو الاغتراب، بل عن طريق الرغبة في مواصلة وتوسيع طريقهم. لا يعتبر نتنياهو نفسه وريثا للذين جاءوا قبله. هو تربى على كراهية «مباي»، كراهية أقوى بكثير من اتباع مناحيم بيغن. رضع نتنياهو من والده «الذي كان يستخف ببيغن المترهل حسب رأيه»، الاشمئزاز من المؤسسة «البلشفية». ومهمة حياته هي تأسيس نخبة قومية جديدة برئاسته.

بالنسبة لنتنياهو، المستوطنون مشبوهون بسبب تأييدهم وتطلعهم إلى أن يشبهوا أبناء الكيبوتسات وأعضاء «مباي»، الذين كانوا ذات يوم. عدد من المستوطنين تم تضليلهم بسبب العدد الكبير من الزعماء المتدينين الذين يحيطون بنتنياهو وبسبب الثناء الذي يغدقه عليهم. ولكنه فعليا يعتبرهم مؤيدين، ولم يعتبرهم في أي يوم شركاء في القيادة. الزعماء القدامى والمجربون من المستوطنين سيتذكرون دائما أنه بالنسبة لنتنياهو «ارض إسرائيل» ليست هدفاً، بل وسيلة.

الفرق الأساسي بين نتنياهو والمستوطنين هو أن مشروعه السياسي مكرس لتخليد تمسكه بالحكم. ومشروع الاستيطان، في المقابل، بدأ عندما كان رئيس الحكومة الثالث، ليفي اشكول، ما زال في الحكم. شاهد المستوطنون عشرة رؤساء حكومة يأتون ويذهبون. وهم ينوون أن يبقوا هنا أيضا بعد نتنياهو. فقد تدبروا الأمر أيضا مع رؤساء حكومة من الوسط – اليسار.

توجد للمستوطنين ذاكرة طويلة. هم لم ينسوا أن رؤساء حكومة من «الليكود»، بيغن وشارون، هما اللذان قاما بتفكيك المستوطنات في سيناء وغزة وشمال الضفة. أيضا لم ينس نتنياهو أن ممثلي المستوطنين في الكنيست اسقطوا حكومتين لليمين – حكومة اسحق شامير في العام 1992 بسبب ذهابه الى مؤتمر مدريد، والحكومة الأولى لنتنياهو في العام 1999 بعد تنازله في اتفاق واي ريفر عن 13 في المئة من أراضي الضفة الغربية للسلطة الفلسطينية.

ومنذ عودته الى الحكم في العام 2009، نجح نتنياهو والفلسطينيون في الحفاظ على التحالف بينهم. رغم أن نتنياهو خضع لضغط براك أوباما وكان هو رئيس الحكومة الاول الذي وافق على تجميد البناء في المستوطنات لفترة معينة. توصل المستوطنون الى استنتاج بأنه خلافا لشارون وبيغن، فان نتنياهو كما يبدو لن يقوم بتفكيك المستوطنات. ولكن بقي الشك موجودا.
«نتنياهو على الاكثر سيقوم بضم مستوطنتين – ثلاث مستوطنات بشكل رمزي»، قال بتشاؤم مؤخرا أحد رؤساء المستوطنين، الذي ما زال يأمل بأكثر من ذلك. وهو محق كما يبدو.

فنتنياهو سيضم جزءاً كبيراً من الضفة الغربية فقط إذا اقتنع بأن هذا الأمر لن يضر بإنجازاته في العقد الأخير – إبعاد القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال الدولي وإنشاء تحالف غير رسمي ضد إيران مع الأنظمة في الخليج. لذلك، لا توجد بعد أي خطة عملية للضم، فقط يوجد تاريخ. وهو يحتفظ بجميع الخيارات مفتوحة ويدرك جيدا الثمن الجيوسياسي والاقتصادي الذي يمكن أن يجبيه الضم. وسيتقدم فقط إذا اقتنع بأنه لن يكون ملزما بدفع ثمن باهظ من الإدانات عديمة الاسنان. والمستوطنون يدركون ذلك.

المستوطنين بالمسؤولية عن تفويت الفرصة التاريخية. وهذا سيكون دليلاً آخر على أنه هو فقط الجدير برئاسة معسكر اليمين.

مصدر الترجمة عن العبرية: انشل بابر-"هآرتس"/نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية