أكراد إيران.. صرخات الجرح التاريخي المنسي

إيران والأكراد

أكراد إيران.. صرخات الجرح التاريخي المنسي


12/01/2020

"روجهيلات"، أو كردستان الشرقية، هكذا يسمي الأكراد مناطقهم في شمال غرب إيران، التي يرى العديد منهم أنّها واقعة تحت الاحتلال من "عجمستان"؛ أي "إيران"، كما يسمونها؛ إذ يشكل الفرس نسبة 35% فقط من مجموع سكان هذا البلد، أما البقية فينتمون لقوميات وعرقيات متنوعة، من الكردية والعربية والأذرية والبلوشية، إلا أنّ النظام يفرض ثقافته ولغته الفارسية على الجميع بالقوة.
ثاني أكبر أقلية
تتراوح تقديرات تعداد الأكراد في إيران ما بين الثمانية والعشرة ملايين نسمة؛ حيث يشكلون ما نسبته 9% من مجموع السكان، ليكونوا بذلك ثاني أكبر الأقليات الإيرانية بعد الأذريين، ويتركز تواجدهم في محافظات: كرماشان، وإيلام وكردستان وأذربيجان الغربية ولورستان، في شمال وغرب إيران، بالإضافة إلى محافظتي؛ خراسان وطهران، شمال وشرق البلاد.

خريطة توزيع العرقيات في إيران؛ حيث يمثل اللون الأصفر مناطق تواجد الأكراد

ممالك وإمارات كردية
يرجع تاريخ تواجد الأكراد في المنطقة إلى حوالي العام 1500 قبل الميلاد، عندما هاجرت قبائل آرية من حوض نهر الفولغا، لتستقر على ضفاف بحر قزوين. واستطاعت هذه القبائل تشييد ممالك في أزمان لاحقة، كان أهمها "مملكة ميديا"، التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى القرن السابع قبل الميلاد، وبلغت ذروة اتساعها خلال القرن السادس قبل الميلاد.

مملكة ميديا في أقصى اتساع لها خلال القرن السادس قبل الميلاد

وخلال العصور الوسيطة، وبعد الدخول في الإسلام، ظهرت عدة إمارات كردية في المنطقة، كالإمارة الحسنوية البرزكانية (959 – 1015م)، والعنازية (990 – 1117م)، وفي القرن الرابع عشر وصلت ولاية اردلان (1169 – 1867م) إلى أوج قوتها، إلى أن أنهى الملك القاجاري ناصر الدين شاه نفوذ الأردلانيين في العام 1867.
وقد حاول الصفويون أثناء فترة حكمهم إخضاع القبائل والإمارات الكردية تحت نفوذهم، وأدت هذه المحاولات إلى صراعات دموية انتهت بهزيمة الأكراد، وعقاباً لهم قام الصفويون أثناء حكم تاهماسب الأول (1514 - 1576) بتدمير معظم القرى الكردية، وتهجير ساكنيها إلى منطقة جبال البرز وخراسان؛ حيث ما يزالون يتواجدون هناك إلى اليوم.

أمان الله خان آخر ولاة ولاية أردلان

وتعد معركة دمدم، التي يسميها الكرد "ملحمة دمدم" واحدة من أهم المعارك التاريخية الموثقة في تاريخهم، ووقعت العام 1609، بالقرب من بحيرة أرومية؛ حيث فرض الصفويون حصاراً على القلعة من شتاء العام 1609 إلى صيف العام 1610، وانتهى الحصار بهزيمة الأكراد وقام الصفويون بعد ذلك بحملة إبادة وتهجير بحقهم في تلك المنطقة.
ثورة سمكو آغا ومعاهدة لوزان
استمرت محاولات الأكراد للاستقلال عن الحكم الفارسي إلى التاريخ الحديث؛ فمع نهاية الحرب العالمية الأولى، اندلعت في مناطق الأكراد انتفاضة، قامت ضد الحكم القاجاري الإيراني، قادها الزعيم الكردي سمكو آغا من قبيلة توركوفون، ويُنظر إلى هذا التمرد باعتباره أول محاولة لإقامة كردستان المستقلة داخل إيران الحديثة.

يرجع تاريخ الأكراد في المنطقة إلى العام 1500 قبل الميلاد عندما هاجرت قبائل آرية من حوض الفولغا

وبعد أن كانت معاهدة سيفر قد نصت العام 1920 على إقامة دولة كردية، جاءت معاهدة لوزان العام 1923 لتنسخ أي أمل بهذه الدولة؛ إذ قضت بتوزيع الأكراد بين البلدان الأربعة: تركيا وإيران والعراق وسوريا.
وبالرغم من ذلك عزم سمكو آغا على الاستمرار في ثورته حتى تحقيق مطالب الدولة الكردية المستقلة؛ حيث استمرت حركات التمرد والعصيان ضد الحكم الإيراني حتى العام 1930، إذ استدرجت الحكومة الإيرانية سمكو آغا إلى مدينة شنو للتفاوض ونصبت له كميناً واغتالته غدراً.

سمكو آغا أحد أبرز زعماء أكراد إيران في التاريخ المعاصر

جمهورية ماهاباد
بعد دخول قوات الحلفاء إيران العام 1941 مع القوات الروسية للقضاء على حكم رضا شاه بهلوي الموالي للنازيين، أعلن الأذر في شمال إيران إقامة حكومة يسارية مستقلة، مدعومة مادياً وسياسياً من روسيا، وقد شجّع بقاء جزء من الشمال الإيراني، وبالتحديد في مناطق الأكراد، بعيداً عن قوات الدول الحلفاء، الأكراد على إعلان المنطقة منطقة سيادة كردية، وبذلك أعلن عن تأسيس جمهورية مهاباد في 22 كانون الثاني (يناير) العام 1946، برئاسة القائد قاضي محمد، واتخذت من مدينة مهاباد عاصمة لها. وقد تم القضاء على هذه الجمهورية بضغط من نظام الشاه على الولايات المتحدة التي ضغطت بدورها على الاتحاد السوفييتي لسحب قواته، وقامت الحكومة الإيرانية بإسقاط الجمهورية الوليدة بعد 11 شهراً من إعلانها، وتم إعدام قاضي محمد في آذار (مارس) 1947 في ساحة جوارجرا بمدينة مهاباد.

جمهورية أذربيجان المستقلة باللون الأخضر وبجوارها جمهورية مهاباد بللون الأصفر

انتفاضة 1979
ونتيجة لتعرضهم للاضطهادات المتتالية من حكومات الدولة البهلوية المتعاقبة، شارك الأكراد في الثورة على دولة الشاه، وساهموا في إسقاطها خلال ثورة الخميني العام 1979، وبعد الثورة قامت الحكومة الإيرانية الجديدة بإرسال لجان تقصي حقائق للوقوف على حقيقة المظلومية التي يرفعها الأكراد، لكن لم يستطع الطرفان التوصل لحل في ظل سقف مطالب الأكراد المرتفع الذي وصل إلى حد المطالبة بأحقية الحكم الذاتي.
وأعقب فشل المفاوضات اندلاع التمرد الكردي في منتصف آذار (مارس) العام 1979، وأصبح الأكبر بين الانتفاضات على مستوى الدولة في إيران ضد النظام الجديد. وبعد تحقيق المسلحين الأكراد بعض المكاسب، أعلن المرشد الأعلى للثورة روح الله الخميني "الجهاد" ضد الأكراد، وقصف مدنهم بالطائرات، واستمرت هذه الانتفاضة حتى أواخر 1983؛ حيث هاجمت قوات الحرس الثوري الإيراني المناطق الکردیة، في هجوم واسع أدى إلى سقوط آلاف الضحايا من الأكراد.
ولاية خاتمي.. احتجاجات سلمية وحزب مسلح
شهدت حركة الاحتجاجات الكردية في إيران تحولاً مهماً خلال فترة ولاية الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي (1997 – 2005)، حيث انبثق الحراك السلمي الكردي، النابذ للعنف وحمل السلاح، ولكن ذلك لم ينهِ العنف تماماً؛ حيث قتل 20 شخصاً في احتجاجات العام 1999، التي انطلقت ضد الحكومة في عدة مدن كردية؛ إذ وجهت الانتقادات للحكومة الإيرانية على إثر ذلك من قبل المجموعات الحقوقية، كما شهد العام 2005 احتجاجات مماثلة في عدة مدن عقب مقتل عدد من النشطاء الأكراد على أيدي رجال الأمن.

شارك الأكراد في ثورة الخميني على دولة الشاه وساهموا في إسقاطها العام 1979

وشهد العام 2004 تأسيس حزب "الحياة الحرة" الكردستاني، وهو حزب مسلح، تابع لحزب العمال الكردستاني في تركيا؛ حيث أطلق تمرداً مسلحاً، قُتل على إثره مئات من المسلحين الأكراد والقوات الإيرانية والمدنيين، واستمر هذا التمرد رسمياً منذ نيسان (أبريل) 2004 حتى العام 2011؛ حيث انتهت أنشطة الحزب بعد الحملة الإيرانية العام 2011 على قواعده.
احتجاجات 2015
في أيار (مايو) 2015، نزل الآلاف من الأكراد إلى شوارع مدينة مهاباد احتجاجاً على محاولة أحد الضباط بجهاز الاستخبارات الإيراني الاعتداء على فتاة كردية، مما دفعها للانتحار بالقفز من شرفة بفندق، هرباً منه، وردّت الشرطة الإيرانية بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وهو ما نجم عنه سقوط العشرات من الجرحى وأربعة قتلى بين المتظاهرين.

المحتجون الأكراد في شوارع مهاباد عام 2015

احتجاجات 2017
في أيلول (سبتمبر) من العام 2017 عمّ الغضب كافة المدن الكردية احتجاجاً على جرائم القتل الوحشية، التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني ضد العمال الأكراد، في المناطق الحدودية مع العراق؛ حيث خرجت مظاهرات كبيرة في مدينتي "بانة" و"سنندج"، احتجاجاً على قتل الحرس الثوري عاملين كرديين.

شهدت حركة الاحتجاجات الكردية تحولاً مهماً خلال فترة الرئيس محمد خاتمي حيث انبثق الحراك السلمي الكردي

وتزامناً مع إعلان حكومة إقليم كردستان العراق استفتاء الاستقلال في أيلول (سبتمبر) 2017، خرج الأكراد في عدة مدن، مندّدين بالتهديدات التي أطلقتها حكومة طهران ضد الإقليم العراقي ورئيسه مسعود بارزاني، ومطالبين باحترام إرادة الشعب الكردي بالإقليم في تقرير مصيره، ووقف الممارسات الإيرانية الاستفزازية ضد الشعب الكردي؛ حيث أنشد المتظاهرون النشيد الوطني لدولة مهاباد، ورفعوا أعلام كردستان.

وقد شاركت المدن الكردية في الاحتجاجات ضد النظام الحاكم في بداية 2018، التي عمت مؤخراً مختلف أنحاء البلاد، فما تزال المطالب الكردية حاضرة وتلقى التفافاً من مختلف التيارات والشرائح في الوسط الكردي.

آلاف الأكراد يتظاهرون في إيران تأييداً لاستفتاء إقليم كردستان

استحالة الخيار الديمقراطي
وعند سؤاله عن رؤية الأكراد لواقع ومستقبل علاقتهم بالدولة الإيرانية، أجاب رئيس حزب "سربستي كوردستان" عارف باوهجاني لـ(حفريات)، أنه: "خلال السنوات التسعة والثلاثين من عمر النظام في طهران، قام ومايزال يقوم باستثمار الثروات والقدرات الاقتصادية في الأقاليم الكردية، والعربية، والبلوشية، والإقاليم الأخرى للشعوب المغلوبة على أمرها، للتدخل في شؤون دول الجوار، والمنطقة، والعالم، بغية خلق المشاكل، والفوضى، والصراعات القومية والطائفية فيها، كما نراه ونلمسه الآن في العراق، واليمن، ولبنان، وسوريا".

باوهانجي: على الأكراد وأقليات إيران أن يتعظوا من التجارب الماضية وعدم الانخداع بشعارات الديمقراطية والفدرالية المزيفة

ويؤكد باوهجاني أنّ "أبناء الشعب الكردي، والشعوب الأخرى في إيران، التي ترزح تحت هيمنة النظام، لهم تجارب مريرة من حيث الوعود بمنحهم حقوقهم القومية ومن ثم خذلانهم؛ لذلك أقول وبصراحة إنّ فكرة بناء إيران متحدة في المستقبل، تحترم فيها حقوق الإنسان، وتستند إلى حقوق المواطنة الحقيقية، فكرة أشبه بالخيال، ولا تنسجم مع الواقع في ظل التجارب المريرة الماضية؛ سواء في عهد الشاه أو النظام الحالي".

وعن رؤيته المستقبلية أضاف: "ينبغي للشعب الكردي، والعربي، والبلوشي، والأذري، والقوميات والأطياف الأخرى أن تقرر مصيرها بنفسها وتختار النظام الذي يمكنها أن تعيش بحرية وكرامة، إما بالاستقلال، أو بتشكيل الفدراليات، أو كونفدراليات، كما حدث لجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وأن يتعظوا من التجارب الماضية، وعدم الانخداع بشعارات الديمقراطية والفدرالية المزيفة التي يستمر النظام الحالي باضطهادهم باسمها".

عارف باوهجاني


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية