قواعد الفكر الإخواني (13): الحسبة على المجتمعات وفق مفهوم الجماعة

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (13): الحسبة على المجتمعات وفق مفهوم الجماعة


18/02/2018

مثّلت جريمة قتل المصلين في مسجد الروضة بالعريش في مصر في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2017، مثالاً صارخاً على الغلوّ والتطرف في فهم مفهوم الحسبة، ولا تبدو تلك الجريمة النكراء مقطوعة الصلة عن سلوك جماعات سبقت "داعش" والقاعدة، في الوصاية على الناس ومحاولة إكراههم على تصور متعسف للدين تحت راية ما يسمى باستعادة الخلافة الإسلامية.

خلط الدين بمعتقدات التنظيم

تباعدت الشُّقة بين حقائق الدين وما حاولت أن تدخله جماعات كالإخوان والسلفيين والجهاديين في صلب الدين وأصول الاعتقاد، ومن هذه المفاهيم التي حاولت جماعة الإخوان ضمها لحقائق الدين إلحاقاً لها بفريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قضية الحسبة التي تعني؛ الاستدراك على سلوك الإنسان الشخصي وسلوك التجمعات البشرية، بما تراه هذه الجماعات عدواناً على العقائد أو تشويهاً لها في نفوس الناس.

كان الإخوان أول من استخدم سلاح الحسبة على الأفراد والمجتمعات في تعبيد الناس للتنظيم وليس لله

كان الإخوان هم أول من استخدم سلاح الحسبة على الأفراد والمجتمعات في تعبيد الناس للتنظيم وليس لله، عندما أوهموا أتباعهم أنه ينبغي أن يتقيّد الإنسان المسلم بمجموعة من الأخلاق والواجبات وإلا اعتُبر مقصّراً في حق ربه ودينه، ومن طبيعة الإنسان أن تعتريه أحوال مختلفة ما بين نشاط وفتور، عافية ومرض، ضجر وسرور، فمن المحتّم ألا يتقيد بهذا الحجم من الواجبات، ومن ثم يصبح لوم النفس والشعور بالتقصير ذا بعد إيماني، لكن المشكلة تبدأ عندما يكون الشعور الأكبر بالحرج تجاه قيادة التنظيم وليس تجاه الله؛ فيرجو العضو رضا التنظيم معتقداً أنّه الطريق الصحيح إلى رضوان الله، وتحشد الأدلة في سبيل إقناعه بذلك، أما الجماعة فستستغل تلك النقطة جيداً؛ فتصنع في نفسه ما تريد؛ فتضم إلى جانب الواجبات الشرعية من صلوات وصدقات وشعائر تكليفات التنظيم بلبوس ديني، وشيئاً فشيئاً تحل تلك التكليفات محل الشعائر والطقوس الدينية.

 

 

وِرد المحاسبة

يكلف التنظيم العضو بالعديد من الواجبات التي لا يتسع لها وقته أو جهده، إلى جانب واجبات السعي في الأرض تعليماً أو كسباً للمعاش، ومن ثم يقصر العضو ويكشف تقصيره فيما يسمى "وِرد المحاسبة"، الذي يحاسب به التنظيم أعضاءه ويستلب عقولهم عبر إشعارهم بالتقصير الدائم، فيسعون إلى تنفيذ تعليمات الجماعة مهما بدت غير معقولة أو مقبولة، فقد قدّم التنظيم نفسه للأعضاء باعتباره الحريص على الارتقاء بعباداتهم والنهوض بمستوى إيمانهم عبر ما يفرضه من تكليفات، وهو ما في مذكرات حسن البنا إذ يقول: "كل أخ لا يلتزم هذه المبادئ لنائب الدائرة أن يتخذ معه العقوبة التي تتناسب مع مخالفته وتعيده إلى التزام حدود المنهاج، وعلى حضرات النواب أن يهتموا بذلك فإن الغاية هي تربية الإخوان قبل كل شيء".

ألبست جماعة الإخوان التكليفات الخاصة بها التي ألزمت بها أعضاءها لبوساً دينياً أشبه بالشعائر والطقوس يعاقب تاركها

نعم الغاية هي إعادة صياغة الأعضاء ليكونوا جنوداً مخلصين للتنظيم؛ يسمعون ويطيعون دون مناقشة، وأثر هذا المعنى الخطير تشترك فيه كل تنظيمات الإرهاب التي تواجهها المجتمعات اليوم.

 

 

خطاب البنا لتطبيق الحسبة

إنّ تتبع فكرة الحسبة في أفكار الجماعة، وقد سبقت الجماعات التكفيرية في القتل والتخريب أيضاً تحت دعاوى نصرة الدين والعقيدة، يكشف أن أساس الفكرة كان عند الإخوان الذين مارسوا وصاية كاملة على المجتمعات والأفراد، ويمكن ملاحظة ذلك في الكيفية التي كانوا يخاطبون النظام السياسي الحاكم في خطاب أرسلوه بعد سنوات من عمل النظام الخاص كذراع عسكري للتنظيم، بمعنى أنّهم جهزوا القوة العسكرية التي تتناسب مع هذا الخطاب الإملائي الذي ينضح بالوصاية على النظام السياسي والمجتمع.

في الأول من أيار (مايو) 1947 بعث حسن البنا بخطاب إلى الملك فاروق ورئيس الوزراء مصطفى النحاس وملوك وأمراء وحكام العالم الإسلامي، ضمّنه مجموعة من المطالب السياسية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية منها: "القضاء على الحزبية، إصلاح القانون حتى يتفق مع التشريع الإسلامي، مراقبة سلوك الموظفين الشخصي، وعدم الفصل بين الناحيتين الشخصية والعملية، وتعويد الشعب على احترام الآداب العامة ووضع إرشادات معزّزة بحماية القانون في ذلك الشأن، وتشديد العقوبات على الجرائم الأدبية، ومقاومة التبرج والخلاعة، وإرشاد السيدات إلى ما يجب أن يكون والتشديد في ذلك، وبخاصة على المدرِّسات والتلميذات والطبيبات والطالبات ومن في حكمهن".

دعا البنا إلى القضاء على الحزبية ومراقبة سلوك الموظفين الشخصي وعدم الفصل بين الناحيتين الشخصية والعملية

إضافة إلى "إعادة النظر في مناهج تعليم البنات، ووجوب التفريق بينها وبين مناهج الصبيان في كثير من مراحل التعلم، ومنع الاختلاط بين الطلبة والطالبات، واعتبار خلوة أي رجل بامرأة جريمة يؤاخذان عليها، ومراقبة دور التمثيل وأفلام السينما، والتشديد في اختيار الروايات والأشرطة، وحسن اختيار ما يُذاع على الأمّة، ومصادرة الروايات المثيرة والكتب المشكِّكة والمفسدة والصحف التي تعمل على إذاعة الفجور".

أخيراً يؤكد في تلك الرسالة التي تبدو إعلان حرب على الحكومة والنظام السياسي والاجتماعي، ضرورة اعتبار دعوى الحسبة، ومؤاخذة من يثبت مخالفته شيئاً من تعاليم الإسلام أو الاعتداء عليها، كالإفطار في رمضان أو ترك الصلاة عمداً أو سب الدين.

 

 

تسرُّب الأفكار الإخوانية

رسّخت تلكم الممارسات والأفكار في الواقع المصري أفكار الحسبة على طريقة الجماعات الإسلامية، حتى تسرّب بعض من يحملونها إلى مؤسسات الفتوى والتشريع في الدولة، فعرف تاريخها الحديث بعدها دعاوى جر كاتب أو مبدع إلى السجن بدعوى حماية الدين والآداب العامة، فخنق الإبداع وحوصرت الحرية خلف قضبان تلك الجماعات.

لا تبدو ممارسات "داعش" الآن بعيدة عما كان يحلم به ويدعو له الإخوان، عما شرعوا إبان حكمهم لمصر في تهيئة البيئة السياسية والاجتماعية لقبول تلك الصيغ من الحسبة، التي نفّذت "داعش" بعض صورها في سوريا والعراق ومازالت شراذمها تسطر صفحات منها في بلادنا كتلك الجريمة النكراء بقتل المصلين في صلاة الجمعة بدعوى فساد الاعتقاد.

رسّخت الممارسات الإخوانية في الواقع المصري أفكار الحسبة حتى تسرّب بعض من يحملونها إلى مؤسسات الفتوى والتشريع

الخلط بين واقع تاريخي تعسف الناس فيه بفهم الدين ونطاق عمله، وواقع التجربة البشرية الذي تطور حتى أنتج لنا دولة المواطنة، التي تحترم أديان ومعتقدات الناس؛ لكنها لا تفرض على الناس شيئاً إلا عبر الدستور والقانون، الذي يبقى صيغة شعبية صنعها الشعب وارتضاها.

الخلط بين مفاهيم مكانية وزمانية، ومدّ سلطانها ليحكم تاريخ البشر إلى نهاية الدنيا، قدّم السنن على الفرائض، والطقوس على المقاصد، والتاريخي على التشريعي، لنجد أنفسنا في هذا العصر في مواجهة جماعات تدّعي أنها القيّمة على وحي السماء؛ تستبدل سلطان الله بسلطانها، وتعاليم الله بتعاليمها التي تنسبها زوراً وبهتاناً إلى هدي السماء.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية