أكاديمية التغيير "المدعومة من قطر": تغيير أم تدمير؟

قطر

أكاديمية التغيير "المدعومة من قطر": تغيير أم تدمير؟


22/10/2017

تثير قضايا الحرية والديمقراطية اهتماماً واسعاً في المنطقة العربية، خصوصاً مع بدء أحداث ما يسمّى بـ"الربيع العربي"، ولعلّ انخراط الشباب في الفضاء العام ومواقع التواصل الاجتماعي لعب دوراً مهماً في مجريات تلك الأحداث، ولكن المسألة لا بد أن تحوم حولها الشبهات في حالِ تمّ توجيه وتمويل جهود الشباب العربي من جهات أو دولٍ معينة، لتصبّ نتائج حراكهم أيّاً كان، في مصلحتها.

أكاديمية التغيير تأسست في لندن العام 2006 ويترأسها هشام مرسي زوج ابنة يوسف القرضاوي

وتُشكّل "أكاديمية التغيير"، واحدةً من المؤسسات التي عملت في اتجاهين مضادين في الوقت نفسه؛ إذ سعت إلى توجيه الشباب العربي في دولٍ كالبحرين ومصر حتى يقوموا باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للتجمع، وحثّ بعضهم على مطالبات تمسّ الحريات العامة وغيرها، لكن من خلال نشر مفهوم "العصيان المدني".
الأكاديمية، التي تأسست في لندن العام 2006، وترأسها هشام مرسي زوج ابنة يوسف القرضاوي وأحد المقربين من جماعة الإخوان المسلمين، جاءت في سياق ما سمّي بـ"مشروع النهضة" المدعوم من الدوحة، ويديره جاسم السلطان، أحد مؤسسي جماعة الإخوان في قطر، وعرّاب مراجعاتها السياسية خلال تسعينيات القرن الماضي، وهو ما لا يذكره الموقع الإلكتروني للمشروع http://www.4nahda.com/ في السيرة الذاتية التي ينشرها للسلطان.

ما يمكن أن يحصل من خراب في الدول المستهدفة أمرٌ لا يعني الأكاديمية

موقع "النهضة" الذي يحمل شعار "إطلاق ممكنات الإنسان"، يصف مهمة المشروع بأنها "سعي إلى توصيف هوية ثابتة للدولة، تقوم على إنتاج المعرفة والاعتزاز بهذه الهوية"، ورغم التناقض الداخلي الذي يكمن في فكرة إنتاج المعرفة والاعتزاز بهوية ثابتة ربما تكون طائفية أو سياسية مثلاً، إلا أنّ التناقض الأكثر وضوحاً، يتمثّل في أكاديمية التغيير نفسها، المنبثقة عن مشروع النهضة.

موقع "مشروع النهضة" يتستر  بالشعار الخادع "إطلاق ممكنات الإنسان"

تقوم هذه الأكاديمية بعمل برامج تدريبية للشباب، تسعى إلى ترسيخ مفاهيم "اللاعنف"، "العصيان المدني"، و"الفوضى الخلاقة"، إضافة إلى تصنيع الثورات وتمكين العقل الثوري، كما هو مطروح ضمن موقعها الإلكتروني، لكن المثير للجدل هو أن تسعى مؤسسة، تقبض رسوماً رمزية لتدريب الشباب "500 دولار يتم إيداعها في مصرف قطر الإسلامي"-وفق ما كشف عنه متدربون التحقوا في الأكاديمية- وتمتلك مكاتب في عدة دولٍ أجنبية وعربية، إلى تأطير وتوظيف مثل هذه المفاهيم  "اللحظية" التي غالباً ما يتم توليدها في الشارع وفقاً لاحتجاجات الشعوب وإرادتها العامة، دون الأخذ بالاعتبار اليوم التالي للتغيير المزعوم.

تقبض الأكاديمية 500 دولار رسوماً لتدريب كل شاب يتم إيداعها بمصرف قطر الإسلامي

ويبدأ التناقض من هذه النقطة، حين تتم عملية التخطيط والدعم والتمويل لاحتجاجات شعبية سواء كانت عنيفة أم غير عنيفة، ليتم وضعها في إطار محدد يخدم مصلحة الجهة الداعمة. وهنا، تجدر الإشارة إلى مقولة وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم: "الشعب يريد تغيير هذا الشخص مثلاً، ونحن نساعد الشعوب المظلومة".

مقولة بن جاسم، التي تظهر ضمن برنامج وثائقي نشره تلفزيون البحرين على قناته في موقع يوتيوب بتاريخ 21/8/2017 بعنوان "أكاديمية التدمير" تبدو مقولة عامة أيضاً، من باب الإجماع الشعبي وربط عملية التغيير باستبدال أو تنحية شخص واحد محدّد دون أية رؤى برامجية أو فكرية أو حتى مطلبية واضحة، وفي هذا إشارة إلى تبنّي التغيير كعملية هدم، دون وضع أسس لأي بناء لاحق.

 

 

 

الوثائقي نفسه، يكشف معلوماتٍ تشيرُ إلى أنّ الأكاديمية تعزز أعمال العنف والفوضى، بعكس ما تعلنه عن دعم للنهضة والتغيير السلمي في المنطقة العربية، وذلك من خلال استضافة شابين بحرينيين هما؛ يوسف البنخليل وعبدالعزيز مطر، تدرّبا بفرع المؤسسة في النمسا.
ويقول البنخليل في سياق البرنامج: "تم تجنيدي لإسقاط النظام في البحرين عام 2012 من خلال تكتيكات اللاعنف، لكنها في النهاية تطرح أسئلة عن ممكنات العنف في حال تم الاضطرار لممارسته، ومن يملك الحق بممارسة هذا العنف".
من جهته، أشار مطر إلى انتشار مكاتب المؤسسة في عدة دول أوروبية وعربية؛ حيث إنّها تقدم دعماً مادياً ولوجستياً لمتدربيها أينما حلّوا، وتركز على التركيبة الطائفية في الدول، وكيفية إدارة الصراع فيها، قائلاً إنّ المدربين هناك عرضوا عليه "خريطة معقدة للطوائف الدينية في البحرين" وأنّهم بادروه بأسئلة حول إمكانية وجود تبريرٍ لأعمال "كالسرقة والاغتصاب" في حال انتشرت الفوضى.


ويضيف البنخليل قائلاً: "تحدث القائمون على برنامج التدريب أن خلخلة موازين القوى هو الهدف الأهم، بغض النظر عمّن يمكن أن يصل إلى السلطة فيما بعد، حتى لو كانت قوة متشددة أو مدعومة من الخارج".
البنخليل ومطر، تحدثا كذلك عن برنامج مكثف وخاص، يركز على كيفية زعزعة العلاقات بين الدول العربية كواحدة من الأساليب الأساسية في إشاعة الفوضى، وأن الأكاديمية في النهاية، تعلن عن أهدافها بشكل مباشر لمنتسبيها، ذلك أنّها تنشر ما تسميه بـ"العلم"، أما ما يمكن أن يحصل على أرض الواقع حتى لو أدّى إلى خراب في الدول المستهدفة، فهو أمرٌ لا يعني الأكاديمية، كما قالا إنّ الأكاديمية تركز معظم جهودها على المملكة العربية السعودية.

ويظهرُ برنامجٌ منشورٌ على موقع يوتيوب بتاريخ 12 تموز (يوليو) 2017 مقاطع نقلها الكاتب الإماراتي رعد الشلال عن قناة العربية، تشير إلى دعوة متدربي الأكاديمية للتركيز على مهاجمة ما أسماه هشام مرسي بـ"الدول الداعمة" وهي الإمارات والكويت والبحرين والسعودية، التي اعتبر مدير مكتب الأكاديمية ومؤسسها أنّها "تقف ضد التغيير".

 

 

وبالرغم من وجودٍ مكتبٍ رئيسي للأكاديمية في دولة قطر، وعلاقة الإخوان "المشبوهة" بالأكاديمية، إضافة إلى دور مصرف قطر الإسلامي "الغامض"، وتركيز الخارجية القطرية غير مرةٍ على القول إنّ قطر تدعم "المظلومين في بلادهم"، إلا أنّ تأطير أفكار الفوضى، وتدريسها، وتمويلها، لا يمكن وفق منطق العلاقات وموازين القوى إلا أن يعني شيئاً واحداً: وهو توظيف هذا كلّه في خدمة الدولة الداعمة، التي تستخدم التدمير والهدم، لفرضِ السيطرة.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية