"كرداسة" قرية مصرية وأحد مصانع "الإخوان" على خطى داعش

الإخوان المسلمون

"كرداسة" قرية مصرية وأحد مصانع "الإخوان" على خطى داعش


19/02/2018

"كرداسة"، القرية الواقعة شمال محافظة الجيزة، شهدت في التاسعة من مساء آب (أغسطس) 1965؛ حملة موسّعة من الشرطة العسكرية، للقبض على جميع الأسماء التي ذكرها علي عشماوي، عضو جماعة الإخوان المسلمين، في اعترافاته الخاصة بقضية تنظيم 1965، الساعي إلى إعادة إحياء جماعة الإخوان من جديد، وكانت أسرة النقباء في قرية كرداسة، من تلك الأسماء التي ذكرها عشماوي، وعلى رأس الأعضاء فيها، سيد نزيلي محمد العوضية، وأحمد باوة، وجابر رزق الفولي.

أصبح اسم التنظيم أنصار بيت المقدس الذي بايع داعش فى سوريا والعراق عام 2014 ولاية سيناء

في نهاية الشارع، الذي يبعد مسافة كيلو متراً واحداً عن منزل سيد نزيلي، ترجّلت الشرطة العسكرية من السيارات، وفي الطّريق، لفت انتباه الناس أنّ مجموعة من الغرباء يسيرون في الشارع، يرتدون زيّاً مدنياً، يسألون عن سيد نزيلي، في البداية، ظنّوا أنّهم رجال جاؤوا مباركين، لنزيلي وزوجته فوزية عبد المجيد عبد السميع، فقد عقد قرانهم منذ تسعة أيام خلت، في الثاني عشر من آب (أغسطس) 1965، إلّا أنّ الشرطة التي لم تجد نزيلي في منزله، اصطحبت زوجته معها، حتّى يسلّم زوجها نفسه.

جابر رزق: "دعوة الإخوان" وجدت طريقها للقرية في النصف الأول من القرن العشرين، حين حضر البنا لكرداسة مؤسساً شعبة الإخوان

عروس كرداسة

في كتابه "الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965"؛ كتب أحمد عبد المجيد عبد السميع تفاصيل الحادثة، مشيراً إلى أنّ قوات الشرطة العسكرية دخلت القرية مرتدية زيّاً مدنياً لا يفصح عن هويتهم، ما ألقى الريبة في نفوس أهالي القرية، فاعتدوا عليهم بعد أن شاهدوهم يقتادون زوجة نزيلي عوضية، وهي لم تزل عروساً في أسبوعها الأول؛ فقد ظنوا أنّهم لصوص يخطفون الزوجة.

إثر المواجهات، أصيب أحد الضبّاط، وفرّ آخرون، وبعد مرور أقل من ساعة على الاشتباكات، حوصرت كرداسة، بالطائرات الحربية والمدرعات؛ بحثاً عن سيد نزيلي وعروسه، في الموقعة التي سطّرت لها أدبيات الإخوان باسم "عروس كرداسة".

كرادسة القرية التي أصبح أحد أبنائها مسؤول الإخوان في أكثر المحافظات نفوذاً للتيار الإسلامي أخرجت آخرين

ولد نزيلي العوضية في 8 آذار (مارس) عام 1938، بقرية كرداسة، وتدرج في مدارسها حتى التحق بالجامعة، وحصل على ليسانس الآداب في علم الإجتماع. وفي كانون الثاني (يناير) عام 1976، سافر إلى المملكة العربية السعودية ليعمل مديراً للنشاط الطلابي بالجامعة الإسلامية لمدة عشر أعوام.

التحق نزيلي العوضية بجماعة الإخوان المسلمين عام 1952، على يد إبراهيم عبد الفتاح خليفة، وجابر رزق الفولي، وظلّ يترقّى إلى أن نال عضوية مجلس شورى الإخوان، وكان مرشّح جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات مجلس الشورى عام 1989، عن دائرة الجيزة. وأصبح أيضاً مسؤول المكتب الإداري لجماعة الإخوان بمحافظة الجيزة، حتى قيام ثورة كانون الثاني (يناير) 2011 في مصر، غير أنّ القرية التي أصبح أحد أبنائها مسؤول الإخوان في أكثر المحافظات نفوذاً للتيار الإسلامي، حدث وأن أخرجت آخرين، كان لهما النصيب الأوفر في طريق التيار الإسلامي إلى داعش!

 الفولي: كانت الجماعة تستخدم قرية أبو رواش لتدريبات النظام الخاص، لتميزها بصحراء شاسعة، وجبال تجعل المكان هو الأنسب لتلك التدريبات

شعبة كرداسة

كتب عضو جماعة الإخوان، ابن قرية كرداسة، جابر رزق، في كتابه "مذابح الإخوان في سجون ناصر": "إنّ دعوة الإخوان وجدت طريقها إلى القرية، في النصف الأول من القرن العشرين، عندما حضر البنا إلى كرداسة مؤسساً شعبة الإخوان فيها، وكان نائب الشعبة عثمان عبد الرحمن عثمان، لتصبح واحدة من أكبر شعب الإخوان في مصر"، بحسب ما أورد جابر رزق في كتابه، كرداسة شعبة تتبعها ثماني قرى صغيرة، مثل قرى: ناهيا، وأبو رواش، وكفر حكيم، وكفر غطاطي، وبني مجدول.

عن قرية أبو رواش يحكي جابر رزق الفولي، في كتابه، كيف كانت تستخدمها الجماعة لتدريبات النظام الخاص، لتميزها بصحراء شاسعة، وجبال تجعل المكان هو الأنسب لمثل تلك التدريبات.

أما عن مؤسس شعبة الإخوان في كرداسة، عثمان عبد الرحمن عثمان، فلا توجد معلومات كافية عنه، غير أنّ الاسم نفسه ذكر ضمن القضية الشهيرة "السيارة الجيب"؛ عندما قبض على مجموعة من أعضاء النظام الخاص "التنظيم المقاتل للجماعة" بطريق الصدفة، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1948، ومعهم مجموعة وثائق لعمليات الإخوان المسلحة، وكان من بين من قبض عليهم، الطالب في كلية الحقوق عبد الرحمن عثمان عبد الرحمن، ورغم عدم وجود أيّ ذكر في أرشيف الجماعة لمعلومات توضح هل هناك علاقة بين عضو النظام الخاص ومؤسس شعبة الإخوان في كرداسة، إلّا أنّ استخدام القرية لتدريبات النظام الخاص، ربّما يشير إلى أنّ الاسم هو للشخص نفسه.

التيار القطبي

ولد في كرداسة أيضاً، أحمد عبد المجيد عبد السميع عام 1933، وأكمل مسيرته التعليمية حتى حصل على ليسانس الحقوق، ليعمل بعدها موظفاً في وزارة الحربية، وتزوّج بابنة محمد يوسف هواش، أحد ثلاثة أعدموا في قضية تنظيم 1965 مع عبد الفتاح إسماعيل وسيد قطب، وتزوّجت أخته فوزية "عروس كرداسة" من السيد نزيلي، وتزوجت أخته الثانية أم حذيفة من علي عشماوي، ثم انفصلت عنه بعدما أشاعت الجماعة أنّ عشماوي انشقّ عنها، وأدلى باعترافات كاملة عن التنظيم، ثم تزوجت من عبد الرحمن بارود، الشاعر الفلسطيني، وأحد مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين بفلسطين، وكان حينها يدرس الآداب في جامعة القاهرة، في منتصف الستينيات من القرن الماضي.

تولّى أحمد عبد المجيد مسؤولية قيادة الوجه القبلي، كما تولّى أيضاً مسؤولية جمع المعلومات، والاتصال بالإخوان، بمساعدة جابر رزق، في الفترة بين عام 1957 حتى الصدام مع الدولة عام 1965، في محاولات منهم لإعادة إحياء الجماعة من جديد.

عندما قبض عليهم في قرية كرداسة، صدر الحكم ضدّ أحمد عبد المجيد وصهره علي عشماوي بالإعدام، مع سيد قطب، ومحمد يوسف هواش، وعبد الفتاح إسماعيل، غير أنّ الحكم خفِّف بعد ذلك للأشغال الشاقة المؤبّدة، وفي القضية نفسها صاحبهم في السّجن الشيخ عبد المجيد الشاذلي، وقد سبق أن تتلمذ في الإخوان على يد محمد يوسف هواش.

 

 

ولاية سيناء

في منتصف السبعينيات، بعد تصالح نظام السادات مع جماعات الإسلام السياسي، على خلفية تدخّل الملك فيصل بن عبد العزيز ملك السعودية، خرج عبد المجيد والشاذلي من السّجن. وفي العام 1975، أسس الشاذلي مع أحمد عبد المجيد عبد السميع جماعة "أهل السنة والجماعة"، التي اشتهرت باسم "تيار القطبيين"، وهو غير التيار القطبي الذي سيطر على جماعة الإخوان المسلمين فى السنوات الأخيرة.

في 19 أيلول سبتمبر2013 اقتحمت الشرطة وقوات الجيش قرية كرادسة وحررتها من سيطرة الإسلاميين.

وانطلاقاً من تاريخ 1965، أصبحت قرية كرداسة نقطة التحول الأبرز في تاريخ السلفية الجهادية المعاصر؛ فمنها خرج أحد مؤسسي دعوة "أهل السنة والجماعة"، التي تأثّر بها فى سيناء منتصف الثمانينيات، الشيخ أسعد البيك، الذي قبض عليه بعد ثورة حزيران (يونيو) 2013؛ باعتباره زعيم السلفية الجهادية في سيناء، وكتب عن ذلك الباحث وعضو "الجبهة السلفية"، أحمد فريد مولانا، في بحث نشره المعهد المصري للدراسات التابع لجماعة الإخوان المسلمين، تحت عنوان "من التوحيد والجهاد إلى أنصار بيت المقدس"، لافتاً إلى أنّ البيك كان أحد المقبوض عليهم على خلفية تفجيرات طابا وشرم الشيخ، عامي 2004/ 2005، التي نفّذتها جماعة "التوحيد والجهاد"؛ فقد كانت دعوته صاحبة التأثير الأكبر في ابن سيناء، خالد مساعدة، مؤسس تنظيم "التوحيد والجهاد"، وهو التنظيم نفسه الذي فرّ أعضاؤه من السجون، بعد أحداث كانون الثاني (يناير) 2011، متوجهين إلى سيناء، ليعيدوا تأسيسه مرّة أخرى، مع آخريين من غزة الفلسطينية، على حدود سيناء، ينتمون للسلفية للجهادية، لكن هذه المرّة أصبح اسم التنظيم "أنصار بيت المقدس"، الذي بايع داعش فى سوريا والعراق عام 2014، "ولاية سيناء".

توابع كرداسة

في التقسيم الإداري لقرى مصر؛ هناك كفور وعزب ونجوع، وهناك توابع أصغر تتبع القرى الأكبر، ومن توابع قرية كرداسة كانت قرية ناهيا، وأبو رواش، وكفر غطاطي، وهي القرى الأبرز والأكثر تأثراً بدعوة الإخوان، وأيضاً كانت تلك القرى حاضنة لجماعات سلفية أخرى، فخرج عبود وطارق الزمر القياديان في الجماعة الإسلامية من ناهيا، ومن أبو رواش انطلق الهجوم الأكثر دموية، الذي واجهته الشرطة المصرية بعد أحداث حزيران (يونيو) 2013، حين توجّه سلفيون مسلّحون إلى مقرّ قسم الشرطة في كرداسة، واشتبكوا معهم في معركة انتهت باستشهاد 12 ضابطاً ومجنداً، وكان أحد أبرز المتهمين في اقتحام مركز شرطة كرداسة، عضو جماعة الإخوان، وعضو البرلمان عن التيار الديني، عبد السلام زكي بشندي، ابن زكي بشندي، أحد المتهمين في تنظيم 1965، وأحد أبرز مؤسسي دعوة الإخوان فى كرداسة.

ولأكثر من شهر، أسّس أعضاء التنظيمات الإسلامية في القرية، لجاناً شعبية قامت على إدارة كرداسة، وأقامت الحواجز والستائر الرملية في مداخلها، وانتهت تلك السيطرة في 19 أيلول (سبتمبر) 2013، إثر اقتحام الشرطة وقوات الجيش للقرية، وتحريرها من سيطرة الإسلاميين.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية