داعش في أفغانستان الآن .. تعرف على الأسباب

أفغانستان

داعش في أفغانستان الآن .. تعرف على الأسباب


19/02/2018

لم يكن ثمة شيء لافت فيما أصدره "داعش" في أعداده السابقة في مجلتيْ "النبأ" و"دابق"، المعبِّرتين عنه، سوى تركيزه على فرعه في "خراسان"، وهو مصطلح يعني في أدبيات الجهاديين أفغانستان وأجزاء من إيران وباكستان، في الوقت الذي يتعرض جسد التنظيم وخاصة في سوريا والعراق لضربات موجعة أفقدته مناطق نفوذه والمئات من كوادره.

الهجرة إلى "دار الإسلام"

إذن؛ يبدو أنّ التنظيم أخذ يوجه نظره شطرَ أفغانستان؛ المعقل الأصلي لغريمه تنظيم القاعدة، فضلاً عن أنّها تعدّ منطقة هيمنة لحركة طالبان التي مازالت تشمل الأخير بالرعاية، و"داعش"؛ إذ يفعل ذلك يذهب لتكثيف هجماته الإعلامية عليهما، إلى الدرجة التي وصف فيها "طالبان" بأنها تروج للمخدرات، وترتكب مخالفات عَقَدية تصل حد الكفر والردة، كما تزامن ذلك مع هجمات عسكرية على الحركة، في محاولة لسحب بساط الأرض من تحت أقدامها، كي يحل الوافد الداعشي الجديد وريثاً لها.

كثف داعش هجماته الإعلامية ضد طالبان واتهمها بمخالفات عَقَدية تصل حد الكفر والردة

يأتي ما سبق مع دعوة "والي خرسان"  أتباع "داعش" للهجرة إلى "أفغانستان" بقوله: "على كل مسلم يريد نصرة الشريعة أن يعجّل بالهجرة إلى الولاية فهي دارهم، دار الإسلام، عليهم أن يهاجروا حتى ينجوا من ذل الدنيا وعذاب الآخرة، ليخرجوا من فسطاط الباطل، ويدخلوا في فسطاط الحق الذي لا باطل فيه، ونحن نرحب بهم جميعاً ولا نفرّق بين مهاجر وغيره؛ فالمؤمنون إخوة لا فرق بينهم إلا بالتقوى، والمهاجر أحبّ إلينا من أنفسنا، وشرع الله قائم هنا بحمد الله، فبذلك سيحفظ المهاجر دينه ونفسه وعرضه وماله وعقله"...

"خراسان" هو مصطلح يعني في أدبيات الجهاديين أفغانستان وأجزاء من إيران وباكستان

ملاذ الطائفة المنصورة

لم تكن أفغانستان تمثل لعناصر تنظيم القاعدة مجرد "ملاذ آمن" فحسب؛ بل تجسيد لمخيال مقدّس، يستند إلى أحاديث نبوية فُسّرت أنّ هذه المنطقة هي التي سيتجمّع فيها المؤمنون من الطائفة المنصورة رافعين راياتهم السوداء، للزحف في اتجاه بيت المقدس، مما جعلها منطقة جاذبة للعناصر الجهادية المفترضة، فورد في حديث عن أبي هريرة "إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فاءتوها ولو حبواً على الثلج" وفي رواية أخرى" تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء (القدس)".

تحتل النبوءة حيزاً شاسعاً ومؤثراً في أفئدة الجهاديين، وتحفّزهم في اتجاهات عديدة، إلا أنه بعد ظهور "داعش" في العراق، وإصراره على التواجد بعناصره في الشام، بدأ الحديث عن بداية ظهور المرحلة الثانية من تلك النبوءة وهي تجمع أصحاب الرايات السود في دابق، القرية الواقعة بريف حلب شمال غرب سوريا، التي تبعد 45 كيلومتراً عن الحدود التركية، ولذا فقد ذهب التنظيم للسيطرة عليها، حتى يقتنص رمزية نبوءة آخر الزمان.

لا تمثل أفغانستان للعناصر الجهادية مجرد ملاذ آمن بل تجسيد لمخيال مقدّس يستند إلى أحاديث نبوية

فقد ورد في  "صحيح مسلم"، عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قوله:  "لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق - أو بدابِق - فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافّوا، قالت الروم: خلوا بينا وبين الذين سُبُوا مِنَّا نقاتلْهم، فيقول المسلمون: لا والله، كيف نُخَلِّي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثُلُث ولا يتوب الله عليهم أبداً، ويُقتَل ثلثُهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يُفتَنون أبداً، فيفتَتحِون قسطنطينية".

وبعد أن أوشك "داعش" على السقوط المدوّي، برزت أفغانستان مجدداً في خطابه الإعلامي، فيما بدا أنه محاولة للعودة إلى خراسان (أصل النبوءة)، التي تحتل مكانة خاصة لدى الجهاديين حول العالم.

وبالنظر إلى التاريخ الجهادوي نجد أنّ "أفغانستان" ليست مجرّد أراضٍ شاسعة تسيطر عليها قبائل متنوّعة؛ بل هي مفتاح للسيطرة على القارة الآسيوية كلها، حسب كتابات لعبد الله عزام، وأبو مصعب السوري.

ضرب "القاعدة" في عقر دارها

المتابع لـ "ولايات التنظيم الداعشي"، خاصة خلال الــ4 أشهر الأخيرة، سيجد أنّ منها ما ظهر وسرعان ما اختفى سريعاً كـ "ولاية الفلبين"، ومنها ما يعاني نقص الموارد والوقود والعناصر كما الحال في سوريا والعراق، وهناك ما تنافسه القاعدة عليها؛ بل وتسعى لفضحه وكشف ألاعيبه، مثلما تفعل جماعة "جند الإسلام" مع "عناصر ولاية سيناء" في مصر، إلا أنّه وسط تلك الاتجاهات جميعاً كان ثمة توجّه مختلف تماماً يتنامى يوماً بعد يوم، هو سعي "داعش" لضرب "القاعدة" في عقر دارها، وإعادة نفوذه عبرها وهو ما تفعله الآن من خلال "ولاية خرسان" في أفغانستان.

باتت لأفغانستان أهمية كبرى في عقل "داعش"، فقد دعت كثير من تسجيلات التنظيم إلى أهمية "تطهيرها"، وتحريرها من الحكومة الأفغانية، وحركة طالبان "المرتدين"- وفق عقيدته- ولعل الأهمية الكبرى تأتي عن رغبته في تجميع قواه مرة أخرى في "خراسان"، بعد خروجه من الرقة والموصل وطرده من الأراضي التي يسيطر عليها.

تحتل النبوءة حيزاً شاسعاً ومؤثراً في أفئدة الجهاديين وتحفّزهم في اتجاهات عديدة

ومنذ إعلان وجوده رسمياً بأفغانستان في كانون الثاني (يناير) 2015، ينفذ إعدامات جماعية بحق المنتمين لحركة طالبان، وبث المكتب الإعلامي لـ"ولاية خراسان" في فترات متفاوتة، إصدارات مرئية وصوراً تظهر ذبح وقتل عدد من مقاتلي طالبان الذين انخرطوا في الحرب ضده.

كما جاء على لسان الشيخ حافظ سعيد خان، والي "داعش" على خراسان، في حوار أجرته معه مجلة "دابق"، الناطقة باللغة الإنجليزية في العام 2016: "‏‏الحرب بيننا وبين طالبان ما زالت قائمة".

وقال "سعيد خان" نصاً: "ولاية خراسان ذات أهمية كبيرة للإسلام والمسلمين، فقد كانت هي ومناطق حولها تحت سلطان المسلمين، ثم تغلّب على بعضها المرتدون من العلمانيين والروافض.. فالولاية بإذن الله باب لفتح جميع هذه المناطق حتى تُحكم بشرع الله الحنيف من جديد، وحتى تتوسّع رقعة الخلافة المباركة".

ويضيف: "أهل خراسان يحبون الإسلام والقتال عموماً، ولذلك فإنّ المنطقة لديها قوة كامنة لنصرة التوحيد والجهاد، فإذا تجلّت حقيقة الخلافة لأهل خراسان، فإنهم سينضمون إلى الولاية أكثر وأكثر، ويعزّزون جهادها ضد أعداء الإسلام، وبالتالي سيكونون لبنة قوية للخلافة".

بعد أن أوشك "داعش" على السقوط المدوّي برزت أفغانستان مجدداً في خطابه الإعلامي كمحاولة للعودة إلى خراسان (أصل النبوءة)

تحذيرات أممية

في أيلول (سبتمبر) العام 2015، بعد إعلان "ولاية خرسان الداعشية" بـ8 أشهر، خرجت لجنة "القاعدة وطالبان" التابعة للأمم المتحدة، تقول في تقرير لها، "إنّ النسخة الأفغانية من تنظيم داعش تنتشر في 25 ولاية بأفغانستان من أصل 34".

وبحسب التقرير فإن معظم المنضمين الجدد يعدّون أفراداً تم تجنيدهم من مجموعات مسلحة، بعضهم على خلاف مع القيادة المركزية لحركة "طالبان" أو يسعون إلى هوية مختلفة من خلال ابتعادهم عن حركة طالبان "التقليدية".

ويشير التقرير إلى أن "داعش خرسان" نجح في استقطاب مئات الشباب من مناطق الشرق الأفغاني خاصة من "المدارس الدينية التابعة للتيار السلفي"؛ حيث يتلقون تدريبات في المنطقة الجبلية في شرق البلاد، كما لفت إلى أن هناك أعداداً "ليست قليلة" قدموا مباشرة من العراق وسوريا، وخرج بعدها مندوب أفغانستان الدائم لدى الأمم المتحدة محمود صقيل، يحذر من ازدياد عدد المسلحين الأجانب في بلاده الذي يصل إلى سبعة آلاف مقاتل.

أكّد تقرير أمميّ أنّ النسخة الأفغانية من داعش تنتشر في 25 ولاية بأفغانستان من أصل 34

وفي نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، كان خرج تصريح آخر للمندوب الروسي الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة فاسيلينيبينزيا، يقول فيه "إن عدد مسلحي تنظيم داعش في أفغانستان بلغ 10 آلاف مسلح"، حيث نجح التنظيم في جذب مختلف الشرائح العمرية من الرجال والنساء الأفغان إلى صفوفه، لافتاً إلى أن "ازدياد قوة المسلحين تتم أيضاً عبر نقل مقاتلين أجانب كسبوا خبرة قتالية في سوريا والعراق"، رغم أنّ  حركة طالبان تستمر في السيطرة على نصف الأراضي الأفغانية تقريباً.

حرص تنظيم داعش الإرهابي منذ الإعلان عن تواجده في أفغانستان، على تنفيذ عمليات نوعية هي الأكثر شراسة في "ولاياته"، فقد شهد الشهران الأخيران، هجمات دموية للتنظيم على مراكز لتدريب الأطفال والمرأة ومعسكرات التدريب التابعة للجيش، والمؤسسات الإعلامية، ما جعل منظمات حقوق الإنسان والهيئات الإعلامية تصف "أفغانستان" بأنها من الأكثر خطورة على العاملين في مجال الإعلام، والأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان، كما في ورد التقرير الذي أصدرته منظمة "صحفيون بلا حدود " في نهاية العام 2017.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية