أسماء المرابط.. محاربة شرسة يبعدها الإسلاميون ليهيمنوا على العقول

أسماء المرابط.. محاربة شرسة يبعدها الإسلاميون ليهيمنوا على العقول


10/04/2018

محمد بن امحمد العلوي

موضوعات الشريعة والحقوق الفردية موضوعات شديدة الحساسية والتأثير في المجتمعات الإسلامية والعربية التي ما تزال تتحكم بها عوامل عديدة، ليس أقلّها العامل الاقتصادي واتصاله بالعامل الاجتماعي، حيث ينظم هذا بذاك الحكم الديني بدلاً من الحكم العقلي المدني المتطور.

والمساواة في الإرث بين المرأة والرجل في الإسلام، يعتبرها حرّاس الشريعة من الخطوط الحمراء التي لا يمكن لأي كان تجاوزها، فما جاء فيه قطعي الدلالة والنزول وهو مفصل فيه بدقة في القرآن لا تتأتى لبشر، في المقابل هناك ممن يصنّفون أنفسهم دعاة الحداثة والتحديث يقولون ومن بينهم أسماء المرابط، الوجه النسائي المغربي التي أرادت بأبحاثها خلخلة البنية التقليدية في فهم النصوص حسب قولها، كون المساواة في الإرث بين المرأة والرجل فرضتها متطلبات العصر باعتبار المرأة هي أيضا أصبحت مساهمة في تمويل وإعالة أسرتها، وبالتالي لماذا لا تكون متساوية في الأنصبة مع الذكر.

البداية من حرب العراق

المرابط تحمل لواء المدافعات عن قضايا المرأة وإشكالياتها في الإسلام. مع أن خلفيتها علمية، فهي طبيبة متخصصة في تشخيص أمراض سرطان الدم، كما اشتغلت بين عامي 1995 و2003، طبيبة متطوعة في مستشفيات عمومية في إسبانيا وأميركا اللاتينية، ولا سيما في سانتياغو والمكسيك.

هذه المرأة غير التقليدية المولودة بالرباط في العام 1959، عاشت في كل من فرنسا ولبنان والجزائر مع والدها، تتحدث بطلاقة الفرنسية والإنكليزية والإسبانية، مع صوت يجمع بين شيء من الصراحة والدفء، حسبما تصفها دينيس كوتور، أستاذة العقيدة وعلوم الأديان بجامعة مونتريال بكندا.

نالت فرصتها لإتمام تعليم عصري وشجعتها عائلتها على الخروج للعمل خلافا للكثير من العائلات المغربية التي كانت تؤمن بان الفتاة مكانها فقط داخل بيت الزوجية، وبموازاة عملها كطبيبة متطوعة، فهي زوجة دبلوماسي تنقّل بين دول ومدن أوروبية الشيء الذي جعل منها مدمنة على التعاطي مع كل منتوج الفكر الإسلامي والتراث الفقهي بدءا بالقرآن الكريم، وكتب السنة النبوية، و“التفاسير” مرورا بالتاريخ وعلم الاجتماع.

وتتحدث المرابط عن أولى خطوات علاقتها بمجال البحث في الإسلام وقضاياه وهي الناهلة من نبع الثقافة الغربية، تقول “عشت متغربة عن انتمائي الديني، حتى جاء حدث سياسي ضخم هزني من الأعماق، ألا وهو حرب الخليج الأولى. هناك هاجمني سؤال ملحّ عن هويتي الإسلامية، فملأ جميع الآفاق حولي ولم أعد أراه إلا هو. شعرت بأن القيم الغربية التي تلقيتها في طفولتي ودراستي دون تمحيص قد خانتني، وطعنتني. كان العدوان العسكري نقطة انطلاقي نحو إعادة التعرّف على الإسلام. وساءلت نفسي أسئلة بسيطة مثل أي مسلمة أنا؟ وأين هو الإسلام؟”.

تضليل الحجاب
نال موضوع الحجاب نصيبه من اجتهاد المرابط التي أبرزت أن هناك تيارا إسلاميا جعله فرضا ووضعه كأولوية، حتى كاد أن يجعل منه ركنا من أركان الإسلام. وآخر ينظر إليه على أنه اقتراح وشيء إيجابي بالنسبة للمرأة إذا اقتنعت به، أما التيار الثالث فلا يؤمن به نهائيا ويرى أن الإسلام لم يُشرّع أبدا شيئا اسمه الحجاب، وهي تتفق مع ذاك الذي يجعل من الحجاب حقا للمرأة، ليس بمنطق الإجبار، ولكن بمنطق الإقناع.

سنوات من البحث والتأليف خلالها أسست المرابط إلى جانب باحثات أخريات في الرباط “مجموعة عمل للشؤون النسوية والحوار ما بين الثقافات” مجموعة نسوية تجمع بين خطابين محافظ وحداثي، لتقتحم منذ العام 2011، العمل المؤسساتي كرئيسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

لا يمكن نعتها بالفقيهة بالمعنى التقني للكلمة لكنها استطاعت أن تغني تجربتها في المجال الفقهي ككاتبة وباحثة، بالطبع، بعد اقتحامها حمى المحافظين تحت عنوان ضرورة المساواة بين المرأة والرجل في مسألة الإرث، فتح عليها أبواب النقد القاسي والعنيف أحيانا من كل من له علاقة بمجال الفقه تحت مبرر أن السيدة لا علاقة لها بالمسائل الفقهية.

وهي لا تدعي أنها فقيهة أو عالمة دين بل تؤكد على أنها باحثة، تقول “قبل كل شيء أنا مسلمة أمارس الشعائر الدينية وأحترم ثقافتي. ولكن، في الوقت نفسه، أمحص وفق نظرة نقدية، وضعي ومكانتي في المجتمع، وحقوقي، وغير ذلك. ولا يمكن أن أُسلب هذا الحق في التفكير والنقد لمجرد أني لا أتوفر على شهادة في الدراسات الإسلامية، أو لأني اكتسبتُ تعليمي الديني بالممارسة وفي إطار من الاستقلالية والعصامية”.

حسبت المرابط أنها تتنقل بين ألغام الفكر والثقافة الإسلامية بحذر وحنوّ تنشد التقريب بين وجهات النظر بشيء من الاحترام، ولهذا تقول إن علماء الأمة من أهل الأصول وأهل الفقه والحديث، قديما وحديثا، نبّهوا إلى أنه لا ينبغي للنّاظر في النوازل والواقعات التسرعُ بإطلاق الأحكام إلا بعد النظر والتثبت، حرصا على سلامة قلوب الأفراد والمجتمع من البغضاء والفتن، ورغبة في جمع الكلمة، والتعاون على الخير، وبناء المجتمع على معالي الأخلاق. فكم من أبواب للمفاسد انفتحت بسبب التسرّع في إصدار الأحكام، وتسفيه الأقوال، تضيف المحاورة.

القرآن المجيد والسنة النبوية كما ترى المرابط، هما الإطار المرجعي والمعرفي الذي لا بد من الرجوع إليه في مختلف السياقات أخذا لها بعين الاعتبار كذلك، لإيجاد الحلول الملائمة لمختلف قضايا المرأة وغيرها من القضايا، ومن خلالهما كمرجعين، تقول إن علاقة المرأة مع الرجل على كافة المستويات هي علاقة تكامل في إطار وحدة الخلق.

بعد أن صرّحت بأن المساجد يجب أن تكون مختلطة بين الرجال والنساء، مشيرة إلى أن المساجد ليست مقدّسة ولكن الصلاة هي المقدّسة، وبالتالي فعلى المساجد أن تصبح مختلطة، صححت المرابط ما قالته بأنه من خلال سياقات الأحاديث النبوية وسيرة الرسول أن النساء كنّ حاضرات إلى جانب الرجال في المسجد، بما يمكنهنّ من الوقوف على مُلابسات الحال التي تكون أسعف لهنّ في فهم المقصود من الخطبة، وأن المسجد آنذاك لم يكن مكانا خاصا بالتعبّد فقط، بل كان قلعة علمية أيضا تحتضن الكثير من النشاطات، لذلك حرّم النبي منع النساء من الذهاب إلى المسجد.

تشتغل المرابط من داخل النص الديني لا كفقيهة وإنما كمنقبة لإبراز استنتاجات متجدّدة في قضايا إشكالية كالمساواة وهي تجعل العدل مقدَّما عن المساواة وحاضنا لها، ومن هنا تحلل قضية الإرث مبرزة أن فهمها لآية “للذكر مثل حظ الأنثيين” ليس فيها مساواة لكن فيها عدل، إذ يمكن أن يرث الذكر أكثر، من أجل تحمّل المسؤولية، والمقصد فيها هو العدل ولو مع عدم وجود المساواة ظاهريا.

المساواة في الإرث تعتبرها المرابط مشكلة عندما تؤكد أن هوية مجتمعنا هي الدين والتديّن، وصلبه هو الإسلام. فكيف يمكن أن نحقق المساواة قانونيا، ونحن نعتقد أنها غير كاملة في الدين. إذ أن الجميع متديّنون أو غير متديّنين، يجزمون بعدم وجود مساواة في الدين، بين النساء والرجال. فالمساواة في الحقوق موجودة في النصوص القرآنية، وفي آخر أبحاثها، تقول المرابط، “وجدت اثنين وعشرين آية قرآنية عن المساواة بين الذكر والأنثى”.

الأسئلة المستفزة

قبل أن تتصدى للإجابة عن أسئلة الإرث والحجاب والتعدّد في الإسلام وغيرها من القضايا التي تغالب فيها فقهاء لهم باع طويل في هذا الشأن، أهّلها تكوينها العلمي الأكاديمي المتحرر والصارم لطرح أكثر الأسئلة إحراجا في قضايا تتعلق بجسم الإنسان وتكوينه الفيزيائي والكيميائي الدقيق جعلها تكون لديها قناعة راسخة بأن الإسلام لم يكن قط تمييزيا أو غير منصف للمرأة، وإنما التأويلات الخاصة لعلماء الدين هي التي أفرزت التمييز وعدم الإنصاف.

تقول “لا أستفز عندما أطرح قضايا يعتبرها القائمون على الشأن الديني تطاولا على الإسلام”. هكذا تقول. لكنها تستخدم مشرط النقد لإصلاح وتصويب تأويل النص الديني المكرّس عبر العصور.

وفي كتابها الموسوم “الأسئلة التي تُغضب”، أوضحت أن أغلب التأويلات القروسطية الكلاسيكية هي نتاج لوسطها الاجتماعي والثقافي بنيت على هامش القرآن، وأحيانا خلافا للقرآن الذي يحمل رؤية أكثر عدالة وانفتاحا.

وَلَعها بقضية المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق جعلها تستند على قراءة حديثة للقرآن الكريم في ضوء الراهن والمعيش اليومي، فالنص القرآني حسب المرابط، متجدد ولا بد من إعادة قراءة النصوص من جديد ووصف التفسيرات السائدة حتى الآن بصفتها- ذكورية وأبوية.

القراءة والتفسير التقليدي للنصوص التشريعية من منظور متجدّد هو طموح هذه المرأة المغربية، لكنها لا تراهن على علماء الدين القدماء في هذه المهمة بقدر ما تفضل علماء دين متشبعين برؤية متجدّدة ومتصالحة مع التحوّلات التي تعيشها المجتمعات الإسلامية.

وفي الوقت الذي اعتبر فيه التيار الديني المحافظ الداعين إلى المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة في المغرب وضمنهم المرابط، تحكمهم “أجندة أخرى لا علاقة لها بتاتا بإنصاف المرأة، ومقاربة الكثير من القضايا بنفس حقوقي سيُزيّف الحقائق ويشعل الحرائق”، دعت هذه الباحثة المثيرة للجدل إلى مراجعة شاملة للفكر والتربية الإسلامية باسم الدين، وحتى لا تثير ذلك التيار أكثر نفت المرابط أن تكون تتحدث عن النص القرآني، لأنه منفتح ومقصده الأسمى هو العدل وعدم التمييز، كما أن الرؤية الإصلاحية، ستقودنا لفكرة أن الإسلام هو منبع الحق والعدل.

إبعاد المرابط

بعد اشتغالها قرابة سبع سنوات رئيسة مركز “الدراسات والأبحاث في القضايا النسائية في الإسلام” التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، استقالت منه في 19 مارس الماضي، الاستقالة أحدثت ضجة واعتبرها البعض إقالة مبطّنة بسبب رأي أدلت به الباحثة يعارض توجه هذه المؤسسة، لتقول المرابط إن تقديم استقالتي كان بسبب الاختلاف حول قضايا تتعلّق بمقاربة إشكالية المساواة في الحقوق من داخل المرجعية الإسلامية.

إقالة أم استقالة لا يهم عندها. لكن السياق الذي جاء فيه قرارها فسّره التيار الحداثي بأنه ردّة حقوقية وتراجع في مسألة حرية الرأي. وكان موضوع الإرث بطريقة أغضبت على ما يبدو التيار المحافظ، القشّة التي قصمت ظهر المرابط، رغم أنّها غاصت بعيدا في خضم مجموعة المواضيع الشائكة منها الصلاة والتربية والحجاب.

وكانت المرابط قد مُنحت جائزة الأطلس الكبير في دورتها الرابعة والعشرين، خلال حفل تمّ تنظيمه بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، عن كتابها “الإسلام والنساء: الأسئلة التي تُغضب”، مشددة على أن عملها يقترح “حلولا ومقاربات جديدة لتجاوز رؤية تقليدية ومتهالكة”. وصدرت لها كتب عديدة، تناولت فيها بالدرس والتحليل قضايا المرأة في الإسلام، منها “مسلمة وكفى” و“عائشة، زوجة النبي أو الإسلام بصيغة المؤنث” و“القرآن والنساء: قراءة للتحرر” و“النساء، الإسلام، الغرب: الطريق نحو العالمية” و“النساء والرجال في القرآن: أية مساواة؟” و“مؤمنات ونسائيات، نظرة أخرى حول الأديان”، والكتاب الأخير يمثل حسب ناشره أداة للمقاومة، وإعادة تملك للمعرفة الدينية من قبل امرأة مسلمة.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية