"الإخوان المسلمون" تسعون عاماً من الفشل

"الإخوان المسلمون" تسعون عاماً من الفشل


12/04/2018

منير أديب

في آذار (مارس) الماضي حلّت الذكرى التسعون لنشأة حركة «الإخوان المسلمين»، وقد تحولت جسداً كبيراً بلا عقل، في أكثر من 52 دولة. فرغم قوة التنظيم العددية؛ إلا أنه أصبح بلا أي تأثير، فضلاً عن انكشاف وجهه الحقيقي أمام المؤمنين بأفكاره من الداخل، فشهد موجة من الانشقاقات التي قسمت ظهره. بدأت دعوة «الإخوان المسلمين» على يد مؤسسها حسن البنا، والذي كان يعمل معلماً لتلاميذ المرحلة الابتدائية، ولكنها سقطت على يد رئيس دولة عندما خرج النّاس عليه في ثورة 30 حزيران (يونيو) من العام 2013، رافضين أفكار التنظيم قبل سياساته، ومعلنين في الوقت ذاته احتضار هذا الجسد الكبير بعد عمره الممتد خلال هذه العقود.

جماعة الإخوان المسلمين تأبى أن تعترف بفشلها وقراءتها الخاطئة للواقع، فضلاً عن القراءة الملتبسة لنصوص الدين، والتي أنتجت جماعات العنف والتطرف في العصر الحديث، ففي تصرف غريب قامت بالاحتفال بهذه المناسبة، وكأنها تريد أن تثبت لنفسها والآخرين صورة مخالفة لواقعها المأزوم.

جزء من أزمة الجماعة في نمط التفكير الذي يحكمه ثلة من قياداتها التي قضت أعمارها داخل السجن، فَشُوهت، وبدا ذلك من مواقفهم وطريقة إعدادهم الأجيال الجديدة من الحركة، فضلاً عن نظرتهم إلى النصوص الدينية التي تطرّفوا في تفسيرها، وهو ما حدث مع سيد قطب، عندما وصف المجتمع بالجاهلي وتحت مفهوم الحاكمية كفّر الحكام والمحكومين. منهج قطب مازال يُدرس لأعضاء الجماعة في لقاءات «الأَسر» الأسبوعية.

بنظرة عامة نكتشف أن سقوط الحركة بدأ من مصر، فهي ترى في نفسها أنها الجماعة الأم «بلد المنشأ» على اعتبار أن مكتب الإرشاد فيها، وكل المرشدين السابقين كانوا من مصر بخلاف اللائحة المنظمة داخل الإخوان، وهو ما يدلل على أن ما حدث لها لم يكن مجرد تراجع بقدر ما أنه انهزام في مرحلة العمر الطويل، وصلت تداعياته وارتداداته على وجود الإخوان في بقية الأصقاع العربية والأوروبية رغم الدعم الذي يقدم لها.

الجماعة سقطت مرتين، شعبياً، عندما اعتقدت أن الناس من حولها، ففوجئت برفع الثياب عنها من قبل الشعب المصري في ظل حالة من الرفض الاحتجاجي المسبب، وقد كانت تقدم نفسها للناس على أنها جماعة دعوية وخيرية، فاكتشف الناس وجهاً دميماً بخلاف ما كانت تحاول إظهاره، فضلاً عن ترجمة أفكاره للعنف سواء الذي مارسته أو الذي غذت به الجماعات «الجهادية» الأخرى، والسقوط الثاني، عندما اعتقدت أنها مازالت حيّة في قلوب الناس، فبدلاً من مراجعة أفكارها احتفلت بهذه المناسبة، وهو دليل جديد على خروج الروح، أو تعبير عن حياة البرزخ التي تعيشها.

الجماعة تقرأ نفسها بخلاف قراءة الناس لها، ترفض وتلفظ أي أفكار من شأنها أي مراجعة، ليس على مستوى المواقف وحسب وإنما مستوى الأفكار المؤسسة للتنظيم، مثل موقفهم من الفن والمرأة والآخر بكل تجلياته، هناك أزمة حقيقية مع هذا الآخر داخل التنظيم وخارجه، فالجماعة ترفض أن يختلف معها من هم داخل التنظيم، كما ترفض أن يختلف معها من هم خارج التنظيم، فقد تقبل عيوباً في الشخصية والطباع والأخلاق ولكنها لا تقبل عيوباً في التفكير ويا حبذا لو كان خلافاً حول أفكارها المؤسسة.

الجماعة على أعتاب انهيار كامل لأفكارها التي شاخت من دون أن تحاول تجديدها، فما عادت تلائم الزمان ولا المكان، ولا هي جددت فيها، البعض يعتقد أن انهيار التنظيم يمكن أن نترجمه في انهيار مؤسساتها وعرشها الذي بنته، في حين أن انهيارها الحقيقي في الأفكار الذي بنت عليه رصيد كبير عبرت عنها «دوائر الربط» التي تجمعت حول أتباعها، وكانت حاضرة في فعالياتها وأنشطتها.

آن للجماعة أن تحفظ لنفسها وما مضى من تاريخها بحلوه ومره، وتعلن حل نفسها بنفسها، خدمة للمشروع الإسلامي، مدركة أن كل الجماعات والتنظيمات الدينية لا تُعبر عن الإسلام، فقط تُعبر عن رؤيتها للإسلام فقط وغالبًا ما تكون متطرفة، فهذه التنظيمات أهانت الإسلام وشوهت بشكل أكثر مما فعلة أعداء الدين على مدار أربعة عشر قرنًا، فهذه التنظيمات خصماً من رصيد الفكرة الإسلامية التي أضروها كثيراً.

إعلان موقف «حل التنظيم» لن يكون إلا من خلال من إرادة صادقة ممن هم خارجها، فلا يمكن لمفكر من داخل التنظيم أن يُعلن لذلك أو يؤصل له، فغالباً ما يكون هؤلاء جزءاً من التنظيم خاضعين له مهما كانت درجاتهم التعليمية والتنظيمية في تخصصاتهم، فالتبشير بهذه الأفكار لا بد أن يكون من خارجها، في محاولة لطمس معالم كاملة لجريمة أكبر عبّر عنها فشلها على مدى تسعين عاماً.

عن "الحياة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية