الإسلاميون المستقلون مخطّط أم مرحلة؟

الإسلاميون المستقلون مخطّط أم مرحلة؟


25/04/2018

اختار الدكتور محمد حافظ دياب هذا العنوان، ليختم به كتابه اللافت "الإسلاميون المستقلون الهوية والسؤال"؛ حيث حاول الكاتب الإجابة عن سؤال غير متداول في الساحة الفكرية، عن تلك الشريحة من الكتّاب والمفكّرين، الذين أطلق بعض الناس عليهم هذا الوصف "الإسلاميين المستقلين"، في تمييز لهم عن شريحتَي "الإسلاميين الحركيين"، المنتمين تنظيمياً وفكرياً لتلك التنظيمات، التي فقدوا معها صفة الاستقلال الفكري والسياسي؛ حيث بقي منتجهم وسلوكهم ظلًّا سياسياً وفكرياً باهتاً لتلك الحركات، وتلك الشريحة التي تعبّر عنها فئة "الإسلاميين الرسميين" المحسوبين على المؤسسات الدينية الرسمية.

اختار دياب، في الإشارة إلى تلك الفئة، أربعة رموز فكرية ينتمون للساحة المصرية، يجمعهم، ربما، انتماء سياسي، مضمَر أو معلَن، لجماعة الإخوان المسلمين هم: د. أحمد كمال أبو المجد، والمستشار طارق البشري، والصحافي المخضرم فهمي هويدي، والدكتور محمد سليم العوا، مؤكّداً ضرورة التحرز في التعامل، رغم ذلك، مع تلك الرموز على قاعدة التماثل، مهما بدا من توجّه عام يهيمن على خطابهم، ويكتسب قدرة حاسمة على فرض رؤيته، دافعاً ببقية التفاصيل في هذا الاتجاه أو ذاك، تبعاً لتمايزهم في النشأة والتكوين والمهارة، غير أنّ الثوابت المشتركة بينهم تفتح مجراها، على رأسها أنّهم نتاج حقبة معينة، وأنّهم لم يتلقوا ثقافة فقهية وأصولية منتظمة خلال أعوام تعليمهم الأولى؛ بل تكونوا في إطار النظام المدرسي الحديث، وأغلبهم أميل في انتمائه السياسي نحو جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى جمعهم بين صفة المفكرين، باعتبار عملهم الفكري، والإنتلجنسيا الثانوية باعتبار أدوارهم المهنية.

اختار دياب في الإشارة لتلك الفئة 4 رموز فكرية ينتمون للساحة المصرية يجمعهم انتماء سياسي لجماعة الإخوان

من المهم الإشارة إلى أنّ النماذج الأربعة درسوا القانون وميّز بنيتهم واختياراتهم الفكرية والسلوكية، إلى حدٍّ ما، كما أنهم جسدوا ربما في مراحل تاريخية متباينة، دور الجسور بين السلطة السياسية والحركات التي اتّهموا بالعمل لحساب مشروعها السياسي؛ بل ربما انخرطت رموز منهم في التأسيس لبنية قانونية ودستورية لحكم الإخوان، لم تعمّر طويلاً، اختارت جماعة الإخوان المستشار طارق البشري، ليكون رئيساً للجنة تعديل الدستور الذي تم الاستفتاء عليه شعبياً، في آذار (مارس) 2011، وكان أهم محطات الاستقطاب بين الإسلاميين والمعسكر المدني في مصر، كما سبق أن استطلعت الجماعة رأيه سراً ضمن دائرة ضيقة في برنامج الجماعة السياسي، الذي أطلقته فور تلقيها إشارة الرضا الأمريكي عام 2004.

وبين رمز عُدَّ من المتعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين، دون أن يحول ذلك بينه وبين الاندماج مع النظام الناصري ثم الساداتي، بل وظلّ يحظى برضا نظام مبارك، إلى حدّ اختياره رئيساً للمجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو الدكتور أحمد كمال أبو المجد، وبين رمز قضائي أيضاً؛ هو المستشار البشري الذي تعرضنا لبعض أدواره، أو الدكتور محمد سليم العوا الذي كان متزوجاً بابنة أحد رموز الرعيل الأول للإخوان، السيدة أماني حسن العشماوي، كذلك بقي الدكتور العوا المحامي الأبرز ضمن فريق ممن ترافعوا في قضايا الإخوان المختلفة.

دون أن يخفي ذلك، بالطبع، جهوده الفكرية في القراءة الجادة حول الحاجة لفقه جديد، يستصحب أصول الشريعة ومناهج الاستدلال المقررة، ويلبّي حاجات الواقع المتجددة، كما أنتج مقاربات في أزمة المؤسسات الدينية بمصر، عبر رموزها الثلاثة: الأزهر، ودار الإفتاء، والأوقاف.

وقد تميزت كتاباته بالرصانة ومواكبة العصر، وهو ما بدا في رفضه إنشاء حزب للإسلاميين، وتأكيده سقوط الجزية عن غير المسلمين، بنشأة الدولة الحديثة.

يشفع له باختيار تلك النماذج إنجازه كتابه بمطلع الألفية الثانية قبل أن تكشف أضواء السياسة حقيقة أفكار كثيرين

أما فهمي هويدي، الذي سجن في مطلع شبابه مع الإخوان، هو ووالده وعمه، قبل أن يبتعد عن التنظيم ويمارس مهنة الصحافة في الجريدة الحكومية الأبرز "الأهرام"، برعاية عميدها الأستاذ هيكل؛ حيث اكتسب ثقته ودفعه للانطلاق في مسيرته الصحافية، بعيداً عن التنظيم، وقد اختار هويدي الكتابة الصحفية؛ لأنّها بتعبيره تشكّل جرعات سهلة التناول تتسرب إلى العقل والوجدان، في ثنايا مواد أخرى تستر خطرها، لكنها لا تصادر مفعولها؛ بل تضمن تحقيق ذلك المفعول في هدوء شديد، ولقد توخّى في كتاباته التأكيد على استقلال لم يصمد طويلاً، بعد أن وصل الإسلاميون للحكم في مصر.

يجمع الرموز الفكرية الأربعة؛ أنّ معظم ما أنتجوه، وعُدَّ لوناً من ألوان التجديد الفكري، ظلّ يخرج في مسارات الإخوان الفكرية أو منصاتهم، فكلّهم كتبوا لمجلة إسلامية المعرفة، المؤسسة الإخوانية التي يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي في ماليزيا، أو مجلة "المسلم المعاصر"، أو "المنار الجديد".   

كما جمعتهم حالة الانكشاف في المواقف السياسية، والانحيازات السافرة أو المبطّنة لجماعة الإخوان، وترفّقهم في نقدها، خصوصاً أنّهم في معظمهم تورطوا في مواقف سياسية فضحت هذا الاستقلال المزعوم؛ فقد قدم  البشري معونة واضحة لمشروع الجماعة في حكم مصر، كما قبل العوّا تكليف الجماعة له بالترشح للمنافسة على منصب الرئيس نكاية في عبدالمنعم أبو الفتوح، قبل أن يأتي التكليف الأمريكي للجماعة بترشيح أحد قياداتها للمنافسة على المنصب، وكذلك هويدي الذي لم نقرأ له حرفاً واحداً ينقد ممارسات الجماعة في فترة حكمها لمصر، أو فترة المعارضة التي مزجت فيها الجماعة بين السلمية والعنف.

ربما يبقى د. كمال أبو المجد الأبرز في درجة الاستقلال عن الجماعة والأكثر انحيازاً للوطن بمفهومه الواضح

ربما يبقى د كمال أبو المجد، الأبرز في درجة الاستقلال عن الجماعة، والأكثر انحيازاً للوطن بمفهومه الواضح.

لكنّ القاعدة تؤكد أنّ النماذج الأربعة التي قدمها الكاتب -وربما يشفع له في اختيار تلك النماذج أنّه أنجز كتابه في مطلع الألفية الثانية، قبل أن تكشف أضواء السياسة الكثيفة حقيقة أفكار وسلوك كثيرين- حيث أكد دياب أنّ هؤلاء، في معظمهم، كانوا جزءاً من مخطط وتوزيع أدوار مع الجماعة، التي ظلّت تؤكد أنّ كثيرين ممن يعملون في الساحة الفكرية، وإن لم يكونوا أعضاءً في التنظيم، فإنّهم يقدمون لهم أهم الأدوار بتوسيع دائرة الولاء لما يطلقون عليه "المشروع الإسلامي"، وأنّ الانتماء لمشروعهم نوعين؛ الأول تنظيمي، والثاني فكري، وقد يبدو عدم الجمع بينهما مفيداً على المستوى التكتيكي والإستراتيجي، بمنطق الخلايا النائمة الذي ربما يكون محوراً لمقال قادم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية