التدين الجديد: تهمة الجزيرة الساذجة للإمارات والسعودية!

قناة الجزيرة

التدين الجديد: تهمة الجزيرة الساذجة للإمارات والسعودية!


01/03/2018

يبدو أنّ الأزمة الخليجية آخذة بتحطيم العديد من القيم الأخلاقية والمهنية والموضوعية في خضم ما تقدمه قناة الجزيرة التابعة لدولة قطر من برامج. لا تتقصى فيها أدنى درجات المصداقية والوعي الإعلامي، موجهةً خطابها لخلق العداء ربما، تجاه دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية.

ولم تتورع القناة من خلال برنامجها "للقصة بقية: أبو ظبي والتدين الجديد"، عن كيل التهم جزافاً للإمارات والسعودية، بتصدير مقولاتٍ مثل "شبكات تجسس"، "مؤسسات دينية مشبوهة"، "العبث بمؤسساتٍ دينية سعودية ومصرية عريقة"، وأخيراً، التهمة الأكثر سخريةً: "السعي نحو دول ديموقراطية في العالم العربي".

حين تصبح الرجعية منهجاً

وانطلاقاً من أنّ التجديد تهمة، يبدأ البرنامج، الذي بثت الجزيرة حلقته بتاريخ 26 شباط (فبراير) 2018 ، واضعاً النتائج والتهم قبل أن يشرع بالمقدمات والأدلة، وذلك بإشارة المذيعة منذ الدقائق الأولى إلى التهم المذكورةِ آنفاً. ثم استضافتها لشخصيتين مواليتين لدولة قطر وجماعة الإخوان المسلمين، وتمثلان الخطاب الرجعي والمتشدد إسلامياً، لمهاجمة ما أسمته "التدين الجديد".

البرنامج على موقع يوتيوب: 

 

 

ويتجه البرنامج بعد ذلك، إلى عرض فيديو، يضم مقتطفات مجتزأة لبعض رجال الدين والباحثين في الإسلام والجماعات الإسلامية، من برامج سابقة لقناة الجزيرة، وقنواتٍ أخرى استضافت هؤلاء، ومنهم من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبعضهم الآخر يعمل في مؤسساتٍ تابعة لدولةِ قطر، ويدعم سياساتها. كما أنّ كلمات معظمهم، تم أخذها من سياقٍ مختلف لا يعرفه المشاهد للبرنامج، ليتم توظيفه حتى يبدو هجوماً ربما، على دولة الإمارات.

أما مشروع "التدين الجديد"، الذي أظهره البرنامج على أنه "مؤامرة كونية" ضد الإسلام والمسلمين في البلدان العربية، فقد سوقته المذيعة والضيوف من خلال الإشارة إلى "فرض تدينٍ يقود إلى عبودية السلطة"، ويشكل خطاباً مضاداً لما يسمى الربيع العربي، إضافة إلى ما حمله هذا الربيع من مضامين سياسية ودينية وثقافية.

الشنقيطي ليس مجرد باحثٍ أو موظفٍ في إحدى المؤسسات القطرية؛ بل يعد أحد المدافعين عن جماعة الإخوان

وبالعودة إلى ضيفي الحلقة، اللذين سوقتهما الجزيرة على أنهما "محايدان"، فإنّ أستاذ الأخلاق السياسية في جامعة حمد بن خليفة في قطر محمد مختار الشنقيطي، ليس مجرد باحثٍ أو موظفٍ في إحدى المؤسسات القطرية؛ إذ يعد الشنقيطي أحد المدافعين عن جماعة الإخوان، كما أنه عمل لسنواتٍ لدى "زعيم الإخوان في اليمن عبد المجيد الزنداني" بحسب تقريرٍ لصحيفة "ميدل إيست أونلاين"، نشر بتاريخ 3 أيلول (سبتمبر) 2012. ويرد في التقرير نفسه، أن الشنقيطي دافع من موقعه في موريتانيا، عن "مظلومية الإخوان في الإمارات"، وذلك بعد اتخاذ الإمارات إجراءات مشددة بحق التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وهو شأن داخلي إماراتي، زج الشنقيطي نفسه فيه آنذاك.

ولم يكن الشنقيطي بعيداً، عن دعم دولة قطر مثلما يورد التقرير، حين مدح زيارة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لموريتانيا؛ حيث جاءت الزيارة عام 2012، مترافقةً مع "عرضٍ سخي للمساعدات، مقابل ترك حركة الإخوان المسلمين تتحرك بحرية في موريتانيا". ولما رفضت موريتانيا العرض، قام الشنقيطي الذي يصفه التقرير "بالباحث المأجور"، بمهاجمة بلاده.

من جهته، لا يبتعد السياسي والقيادي الإسلامي المغربي أبو زيد المقرئ الإدريسي عن ذات السياق، كونه يعد قيادياً إسلامياً صاحب تجربةٍ في حركة التوحيد والإصلاح الإسلامية، ومقرباً من جماعة الإخوان المسلمين لعقود، مما جعله أيضاً، ممثلاً متشدداً أو رجعياً للإسلام السياسي، وله مواقف عديدة يدعم فيها دولة قطر، وذراعها جماعة الإخوان.

من أبرزها هذا الفيديو الذي يثني فيه على قطر ودورها، ويذم دول التحالف العربي: 

 

 

بأمرٍ من أمريكا!

لعلّ أكثر نقطةٍ مثيرةٍ للانتباه، هي تلك التي تتسبب بإدانةٍ إعلامية لقناة الجزيرة، أكثر من أي طرفٍ آخر استهدفت الجزيرة تشويهه في برنامجها، وهي تلك التي يتحدث فيها الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية، وترد في الدقيقة الثالثة، حين قال إنّ "المشروع الإماراتي، ترافق مع رغبة أمريكا وأوروبا التخلي عن مشروع الإسلام السياسي في المنطقة العربية".

وهو ما يحيل مباشرةً، إلى الراعي الإعلامي والسياسي للإسلام المسيس وجماعة الإخوان، وهو دولة قطر، وقناتها الجزيرة، فمن المعروف أنها أول من أظهر تنظيم القاعدة الإرهابي في المنطقة من خلال فيديوهات بن لادن ورجالاته، إضافة إلى جبهة النصرة، ووجوه جماعة الإخوان، وكل ما يتعلق بالحركات والتنظيمات المتشددة، التي شكلت الجزيرة واجهةً لها، بينما ضمت مؤسسات قطرية عديدة رجالاتِ الإخوان المسلمين. الذين وظفتهم في إطار التحالف مع الجماعة مما شكل دفعة سياسية قوية للجماعة في محاولتها السيطرة على الدول العربية، خصوصاً منذ ما يسمى الربيع العربي.

رابط يوضح دور الجزيرة وقطر بدعم القاعدة والاخوان: المشاهد العربي يطوي مرحلة "الغفلة الإعلامية" لقناة الجزيرة

وفي حال كانت أمريكا، بحسب ما قاله أبو هنية؛ راعية مشروع الإسلام السياسي قبلاً، إذن، فلا بد أنّ ممثلها في المنطقة، هو دولة قطر؛ لأنها الداعم الأول للإسلام السياسي وجماعاته. بهذا يدخل أبو هنية في تناقضٍ خطير، تماماً مثلما يفعل البرنامج في معظم مدته، وهو يدعي أنّ مؤسسات دينية إماراتية، مثل مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للأبحاث والدراسات، هي مؤسسة "تهدف لتدمير التدين القائم"، دون أي دليلٍ واحد، طوال مدة الحلقة، التي ركزت على ما أسمته الخطاب الديني المضاد، للخطاب القائم.

حديث أبو هنية في البرنامج عن دعم أمريكا للإسلام السياسي يمثل إدانة للجزيرة التي شكلت واجهة للإسلام السياسي

ورغم أنّ معظم ما جاء في البرنامج، يمكن اختزاله بكلام أبو هنية، حيث إنّه يعبر حقيقةً عن الأفكار التي تروج لها أدوات دولة قطر الإعلامية، بدعم نموذجٍ متصلب للإسلام السياسي، لم ينجز أي شيءٍ طوال 90 عاماً من قيامه، سوى أنه قام على أنقاض الربيع العربي الذي قوضه من خلال تجارب كتجربة محمد مرسي والإخوان في مصر، وتجربة حركاتٍ كجبهة النصرة في سوريا. إضافة إلى تدخلات رجال النموذج الرجعي من التدين القائم على خدمة مصالح دولة قطر وحلفائها.

البرنامج، لم يخرج عن إطار مهاجمة دولة الإمارات العربية المتحدة في سياق الأزمة الخليجية، كما حاول بطريقةٍ سلبية واعية وتحريضية، إحداث فتنةٍ بين دولة الإمارات، والمملكة العربية السعودية، وذلك بقول الشنقيطي إنّ المشروع الإماراتي "يهدم الأساس التاريخي والأخلاقي والشرعي للدولة السعودية"، وأن الإمارات تمول "مشروعاً إسلامياً خاصاً". ولم يأتِ الشنقيطي بأي دليلٍ موضوعي على ما قاله من "ثرثرةٍ إعلامية"، غير أنّه عاب على الإمارات والسعودية كونهما دولتين تسعيان للعب دورٍ فاعل في العالم العربي، ودعمٍ لتحديث الرؤى الإسلامية، بعد أن شهد العرب عملياً المآسي التي جرها فكر جماعة الإخوان والقاعدة وداعش وغيرها من إرهاب.

الإدريسي مقرب من جماعة الإخوان وإسلامي داعم لدولة قطر وقناتها الجزيرة

أما الإدريسي، فرأى بكل بساطة، ما رآه الشنقيطي، وأضاف أنّ الشعوب العربية المسلمة سياسية واعية، لا تمرر مشاريع مشبوهة! في حين تغافل نهائياً عن الأدور التي لعبتها قطر في المسألة الدينية وخصوصاً في تحالفها المستمر مع حركة رجعية مثل؛ الإخوان ومحاولتها احتكار الصوت الديني عن طريق إنشاء ودعم ما يسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة القرضاوي، الذي لعب ويلعب دور المفتي الجاهز لتمرير رغبات مموليه وداعميه.

ويبدو أن أي نظرةٍ تحديثيةٍ ومدافعة عن رحمة وإنسانية الإسلام، تعد في نظر الباحثينِ شبهات وخورجاً عن الإسلام، كما أنّ دور تركيا وإيران وأذرعها في لبنان واليمن والعراق، "ليست مشبوهة". وما يمكن الانتباه إليه بوضوح من خلال هذه الحلقة، أنّ الديموقراطية والعلمانية، تهمتان شنيعتان توصم بهما أية دولة، تحاول رسم صورةٍ إيجابيةٍ للمسلم والعربي، غير تلك التي رسمتها له الجزيرة ودولة قطر وجماعة الإخوان؛ أي إنّ المسلم، لا بد أن يكون مسلماً على طريقة الجزيرة والإخوان، أما عدا ذلك، فإنه سوف يتم رميه بتهم الابتعاد عن الدين ومحاولة اختراع تدين جديد، وكل ذلك يجري تحت ستار زائف من الموضوعية المدعاة، وكيل كل ما هو ممكن من تهم، لجعله الشيطان الرجيم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية