للقصة بقية.. الجزيرة حين تدخل الحلبة بقفاز التطرف (2)

قناة الجزيرة

للقصة بقية.. الجزيرة حين تدخل الحلبة بقفاز التطرف (2)


04/03/2018

لمعت عينا سلامة عبد القوي وبرقت أمام عدسة كاميرا "الجزيرة"، حين تحدث، زاعماً، عن الأموال الطائلة التي يتقاضها شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، من الإمارات فاقتنصت بها ولاءه!، فإذا كانوا لا يعرفون حقاً من هو الشيخ المطعون في نزاهته، فلنعطيهم لمحة من موقع الجزيرة الرسمي، علهم يتذكرون ما خطته أيديهم ثم يتفكرون. 

ذات يوم من أيام العام 2011 نشرت "الجزيرة.نت" خبراً ذكرت فيه أنّ شيخ أعلى مؤسسة دينية في العالم الإسلامي تبرع براتبه منذ توليه المنصب لصالح دعم الاقتصاد المصري.. ما هو راتب الإمام الأكبر إذن؟ يؤكد الموقع أنه يحصل في العام الواحد على (6300 دولار) فقط.

ليس هذا فحسب؛ بل طلب "الطيب" من وزير المالية المصري وقف إصدار راتبه، وأن يستمر في عدم الحصول على مستحقات مالية، وذلك لرغبته في القيام بخدمة المؤسسة والدعوة دون تقاضي أجر..وعندما اقترح عليه مقربون بالتبرع بنصف الراتب، انزعج الشيخ، وردد قوله تعالى "قل ما أسألكم عليه من أجر إلا المودة في القربى".

الجزيرة سبق أن نشرت خبراً يفيد أن أحمد الطيب تبرع براتبه منذ توليه مشيخة الأزهر لصالح دعم الاقتصاد المصري

تبدلت الأحوال بعد مرور 7 سنوات، فإذا بالجزيرة تشكك في نزاهة المتعفف -الذي بات عدواً لجماعة الإخوان المسلمين- في برنامجها "للقصة بقية .. أبوظبي التدين الجديد"، واختارت من تغدق عليهم بأموال طائلة حتى يهاجموا من قالت عنه في السابق أنه رفض الحصول على راتبه وتبرع به لصالح دولته.

شبّ الإمام الطيب صغيراً على وقع ترانيم المديح وأهازيج الورع، التي لم تخلُ منها ساحة جده الطيب الحساني، العالم الأزهري الجليل، وداعية الطريقة الخلوتية في قرية القرنة جنوب مصر، فقد عرفت عائلته بالصلاح والتقوى، وأوقف جده وأبوه أرضهم الزراعية للإنفاق على فقراء الطريقة ومساكينها في "ساحة الكرام"، ونذروا أنفسهم لإصلاح ذات البين.

 

 

تصدى للإخوان

ذات مرة دعا الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، لتجديد الخطاب الديني، طالباً من الأزهر وشيخه، إعادة النظر في قضية الطلاق الشفهي؛ حيث رأى أنه لا يمكن أن يبقى هذا الحكم الشرعي دون تجديد، بعد أن أثبتت أنه آتى مشكلات أسرية واجتماعية كبرى، إلا أن شيخ الأزهر أصر على موقفه من هذه القضية، مما أشعل غضباً عارماً عليه وعلى المؤسسة من قبل المنابر الإعلامية الموالية للدولة، إلا أنه صمد في مواجهة كل هذا.

لسنا هنا في معرض تقييم صوابية موقف الأزهر وشيخه من هذه القضية من عدمه، لكننا نتحدث عن موقف أثبت "الطيب" فيه أنه بعيد عن تبعية السلطة هو ابن الجنوب المصري، المعروف بالصلابة والجلد، فقد تصدى لمحاولة الإخوان إرهابه وقت كان رئيساً لجامعة الأزهر ، ولم ترهبه مليشياتها شبه العسكرية، التي ضربت عرضاً قتالياً خارج مكتبه، وحاولت اقتحامه فقال وقتها "لن أترك حق كسر باب الدار فعندنا في الصعيد أن هذا ذنب لا يمكن غفرانه"، رجل صلب وعنيد كيف لحفنة من الدراهم أن تستأنسه!

يقول ضيف الحلقة وهو أستاذ الأخلاق السياسية في جامعة حمد بن خليفة، محمد المختار الشنقيطي "الإمارات وجدت في بعض المشايخ من ضعيفي الحصانة الأخلاقية، ممن قد يكون لديهم علم شرعي، لكن ليس لديهم موقف شرعي، وجدت من هؤلاء مطية للسير في هذا المسار"، يثبت الشيخ الطيب في الموقف الأخير، الذي عاند فيه الدولة المصرية، أنه ممن لديه مواقف شرعية عكس ما حاول الشنقيطي أن يثبت حين يقول "الإمارات وجدت شخصيات طامحة مثل أحمد الطيب وعبدالله بن بيه، الشخصيات التي لا تريد اتخاذ موقف سياسي تجاه الأنظمة"، أين طموح يسعى إليه شيخ للأزهر فوق  منصبه هذا!.

إذا كان من الممكن اتهام أحد بمحاولة استلاب استقلالية الأزهر وتحطيمها، فهم الإخوان والجماعات السلفية المتطرفة المتحالفة معها

تخيل القائمون على الماكينة الإعلامية في قطر أنهم بزجهم مشهداً يجمع بين شيخ الأزهر ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، في ظل سياق يتهم الأخير باستمالة الأول واحتوائه عبر إغداق المال عليه، أنه بذلك قد يكون أتى بالأدلة القاطعة التي تثبت ما تزعمه في عقل المشاهد ووعيه.

إذا كان من الممكن اتهام أحد بمحاولة استلاب استقلالية الأزهر وتحطيمها، فهم الإخوان المسلمون والجماعات السلفية المتطرفة المتحالفة معها، وقت أن كانوا يضعون نصوص الدستور المصري، بعد صعودهم بعيد ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ إذ حاولوا أن يجعلوا منصب شيخ الجامع الأزهر محدداً بمدة، وبالانتخاب عبر هيئة كبار العلماء، الذين حاولوا اختراقها وتغيير مكوناتها، فقد كان الأزهر عدوهم القديم الجديد، الذي يمثل وسطية الإسلام في الوجدان الشعبي، الذين حاولوا امتلاكها عبر فترات ممتدة من الزمن، لكنهم خابوا وخسروا.

تتفكك مقولة سلامة عبدالقوي وتتحطم حين قال: "الأزهر هو المحك الخطير بالنسبة له إذا لم يستطع السيطرة عليه، والسيطرة على الأزهر تقتضي السيطرة على شيخه، وتم السيطرة على الشيخ أحمد الطيب في رئاسة مجلس حكماء المسلمين".

 

 

الصيد في الماء العكر

نالت مؤسسة "طابة" نصيبها من الهجوم في وثائقي الجزيرة، الذي أبرز مشهداً للحبيب علي الجفري في مؤتمر الشيشان، الذي اتهمت الإمارات بدعمه، وهو يتحدث قائلًا: إن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية اعتقاداً والآخذون بفقه المذاهب الأربعة أصولاً وفروعاً، والمعتنون بالتصوف تزكية وسلوكاً، ثم  يتداخل سالم عبدالجليل، وهو يقول إن هذا المؤتمر الذي تحدث عن أن الأشاعرة هم أهل السنة وغيرهم لا، كان خطاباً طائفياً غير مقبول.

يرتدي عبدالجليل زياً أزهرياً أيضاً، وتبدو من عينيه الدهشة والانفعال وهو يردد كلماته، وكأنه لا يعرف أن هذا الموقف الذي عبر عنه "الجفري"، هو الموقف الرسمي للمؤسسة الأزهرية، التي ينتسب لها سالم عبدالجليل، منذ أن فتح الظاهر بيبرس الجامع الأزهر، للمرة الأولى منذ أن أغلقه صلاح الدين الأيوبي، وليس لأن الإمارات من حرضت على تبنيه في إطار معركتها مع السلفية!

هل من المعقول أنّ أبو هنية لا يعرف أنّ السلفية هي التي تخرج الأشاعرة والماتريدية من نطاق أهل السنة والجماعة؟!

نذهب إلى حسن أبو هنية حتى نتعرف على رأيه في المسألة: "مؤتمر الشيشان الأخير الذي أخرج السلفية الوهابية من إطار أهل السنة والجماعة، هذا المشكل الكبير في طبيعة الرؤية الإماراتية، التي تناهض ليس فقط الإسلام السياسي بل تناهض السلفية الوهابية وتخرجها حتى عن إطار أهل السنة والجماعة"، أفضى مؤتمر الشيشان في النهاية إلى إدخال المدرسة السلفية في نطاق أهل السنة والجماعة.

لكن هل من المعقول أنّ الخبير في الجماعات الإسلامية لا يعرف أنّ السلفية هي التي تخرج الأشاعرة والماتريدية من نطاق أهل السنة والجماعة، وأن احتواء شيوخ المؤتمر في جروزني في النهاية للسلفية وإدخالها في إطار أهل السنة، هو إثبات ضمني على أنهم أكثر قدرة على قبول الآخر الإسلامي!

تمادى الوثائقي في غيه، حينما ركز بشدة على إبراز عدد من الأخبار التي تتحدث عن تبرع دولة الإمارات للأزهر الشريف، تحت عنوان متناقض ومتنافر "الأزهر ومحاولة التدمير"، ما مظاهر هذا التدمير وفق الفيلم: "الإمارات تقدم مشاريع للأزهر بقيمة 155 مليون درهم إنشاء مكتبة بأحدث تكنولوجيا لحفظ تراثه على مساحة 14 ألف متر، إقامة مبان للطلاب الوافدين والمصريين، معهد للشعبة الاسلامية ومستشفى تخصصي"؛  إذن فعشرات الدول الإسلامية التي اعتادت التبرع للأزهر  كانت تساهم في تدميره أو الاستحواذ عليه وإجباره على السير في ركابها!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية