ما الذي يحدث في الجامعات المصرية؟

ما الذي يحدث في الجامعات المصرية؟


10/05/2018

يظلّ التعليم قاطرة التقدم في أي مجتمع متقدم، ولا شكّ في أنّ تردّي وهشاشة حال التعليم الجامعي في مصر، له العديد من الأسباب التي ينبغي أن نسردها كي تكون واضحة للعيان، ونجمل بعضاً من هذه الأسباب في مجموعة من المحاور، والمرتكزات الرئيسة، وهي كالآتي:

المحور الأول: الأستاذ

1-هناك حالة ركود كبيرة في أوضاع هيئة التدريس بالجامعات المصرية، سببها غياب التقييم السنوي ونصف السنوي، لأداء هيئة التدريس من الناحية البحثية والتعليمية والمشاركة المجتمعية، وهو ما أدّى إلى اعتقاد العديد منهم بأنّ دوره ينحصر في دخول المحاضرة، وإلقاء كلمتين على الطلاب، مع غياب دوره البحثي والمجتمعي، ومن هناك كانت الحاجة الماسة إلى التقييم الدوري لأداء أستاذ الجامعة، وربط ذلك بالبدلات التي يتقاضاها، وذلك لتنمية الدافعية والحافز لديهم، وأن يتحمل الكسول ضريبة كسله وتهاونه.

أسهم نظام التفرغ للأساتذة المتفرغين، ووجودهم على رأس العمل حتى الموت، في تجميد الحياة الجامعية

2-لقد أسهم نظام التفرغ للأساتذة المتفرغين، ووجودهم على رأس العمل حتى الموت، في تجميد الحياة الجامعية، فبعض منهم عاجز صحياً، وآخرون عاجزون عن الإنتاج العلمي، وغيرهم عاجزون عن القيام بأية أعباء علمية وعملية، ولو كان هناك كشف دوري لهؤلاء الأساتذة، لأحيل العديد منهم للتقاعد، ومن ثم كان من الضروري تحديد سنّ الستين لخروج أساتذة الجامعة للمعاش، على أن يبقى فقط الأستاذ صاحب المدرسة العلمية، ويجدّد له حتى سنّ السبعين، عاماً بعام، وبناء على تقييم سنوي يحدد استمراره، أو عدم استمراره ، وبعد السبعين لا يستمرّ أي أستاذ بالجامعة، مهما كانت قيمته، حتى لا نسلب حقّ الأجيال الشابة في أن يعتلوا أماكنهم مكان الشيوخ بالجامعة، ولا شكّ في أنّ تطبيق شرط الخروج للمعاش في سنّ الستين، مرهون بتوفر معاش معقول لأستاذ الجامعة بعد التقاعد؛ مثل حصوله على 80% من مجمل آخر راتب مع توفير الرعاية الصحية، ولا شكّ في أنّ هذا يتيح تجديد الجامعة بروح الشباب والعقول الواعدة.

3-في ظلّ نظام التلقين، ليس أوائل الدفعات هم الأرقى والأفضل بين زملائهم، بل هم الأكثر مقدرة على الحفظ، ولذا كان من الضروري إلغاء نظام المعيدين، والمدرسين المساعدين، وطرح نظام المنح للباحثين برواتب تقرب من المعيدين في منحة الماجستير، ورواتب تقرب من المدرس المساعد في منحة الدكتوراه، ولا يتم التعيين في درجات المدرس بالدكتوراه، إلّا وفق القيمة العلمية للباحث لطبيعة ومدى نشر هذا الباحث لأبحاث في مختلف الدوريات، ويكون هذا بتعاقد لمدة معينة، خمسة أعوام، ولا يجدّد له إلّا ببيان مستويات تقاريره السنوية، ومدى قدرته على الترقي في عمله.

4-جزء من محنة الجامعة؛ أنّ الأساتذة الذين حصلوا على الدرجات الأكاديمية الرفيعة من جامعات أوروبا وأمريكا على نفقة دافعي الضرائب المصرية، منهم من لم يعد إلى أرض الوطن، وتلقى عروضاً من جامعة أجنبية، ومنهم من عاد إلى مصر، ولكنّه لم يمكث كثيراً بسبب تلقف جامعات الخليج لهؤلاء الكوادر، الأمر الذي أسهم في تجفيف ينابيع الجامعات المصرية؛ لأنّ الجامعات الخليجية باتت تشترط كثيراً على المعارين إليها حصولهم على درجات علمية من جامعات معترف بها، ولم يقاوم الأستاذة المصريون عروض جامعات الخليج المغرية، قياساً برواتبهم في مصر.

5-جزء من أزمة التعليم بالنسبة إلى أستاذ الجامعة، في غياب الحريات الأكاديمية، خاصة في قطاعات العلوم الإنسانية، التي تتقاطع في رؤاها وتوجهاتها مع طبيعة الحياة السياسية، كما أنّ التدخل الأمني الفجّ في الجامعة أفقدها كثيراً من استقلاليتها، وخلق جواً من التآمر والتوتر داخل الجامعة بين الزملاء؛ لأنّهم يعرفون أنّ الجامعة غير مستقلة بقراراتها، وأنّ الكلمة النهائية في الحصول على المناصب الإدارية، باتت بأيدي الجهات الرقابية وتقاريرها، كما تميل هذه الأجهزة الرقابية إلى تعيين أصحاب الولاءات، لا الكفاءات، في المناصب الإدارية التي لها انعكاس سلبي ومباشر، على الأداء التعليمي والعلمي في الجامعة.

جزء من أزمة التعليم بالنسبة إلى أستاذ الجامعة، في غياب الحريات الأكاديمية، خاصة في قطاعات العلوم الإنسانية

6-هناك خلل واضح في تكوين أعضاء هيئة التدريس من الناحية العلمية والبحثية، ومن المهم تطوير صناعة أعضاء هيئة التدريس، فلا بدّ من إرسال البعثات بكثافة في المجلات التطبيقية، خاصة التي ترتبط باحتياجات المجتمع، والإشراف المشترك، وعلى القطاع الخاص، والرأسمالية الوطنية، القيام بدورها في إرسال البعثات العلمية على نفقته الخاصة، قياماً بدورها الوطني، ولا ينبغي تحميل الدولة كلّ شيء، وعقد اتفاقات علمية وبحثية مع الجامعات العلمية المتقدمة، وبثّ روح جديدة في أعضاء هيئة التدريس، ممن يتعلمون في الجامعات المتقدمة بالعالم، ودون هذا التعلم والاحتكاك ستظلّ الحياة العلمية بين أعضاء هيئة التدريس في ركود وتخلّف.

7-ضعف رواتب أعضاء هيئة التدريس بالجامعة أدّى إلى غياب الدافعية لدى قطاع منهم للعمل والإنجاز، بسبب انحصار معظم تفكيره في الحاجات الأولية له ولأسرته، وتخلى قطاع منعم عن الإسهام البحثي، كما أنّ هناك قطاع كبير منهم علاقته بالجامعة مجرد محاضرة يعطيها وفقط، ما يجعل ساعات العمل لقطاع كبير منهم محدودة جداً، وبالتالي لا بدّ من تفعيل نظام للمحاسبة والتقييم المستمر، ومنح المجيد، ومنع وقطع المتكاسل والضعيف.

المحور الثاني: ما يتعلق بالمباني والوسائط التعليمية

1-هناك بنية معمارية متماسكة في معظم الجامعات الحكومية، بنية بمواصفات عالمية، وفيها معامل وتجهيزات علمية معقولة، لكنّ المشكلة تكمن في أنّ هذه التجهيزات تكون محدودة قياساً بأعداد الطلاب الذين يدخلون كل كلية، فعدد الطلاب الذين يدخلون الكليات العملية والنظرية يتضاعف بناء على أعداد الطلاب، وهو ما ينعكس بالسلب على الأداء التعليمي بالكليات والجامعات الحكومية، ويجعلنا نشكو من ضعف الإمكانيات دوماً.

2-تقتصر الوسائل التعليمية، في قطاع كبير من الكليات، على كتاب الجامعة والمحاضرة، والكتاب الجامعي في حاجة إلى التطوير والمراجعة، كما أنّه غير كافٍ للارتقاء بالعملية التعليمية، كما أنّ أداء الأستاذ للمحاضرة أيضاً في حاجة إلى التنمية المستمرة للمهارات، وإلى التقييم الدائم والمستمر من قبل الطلاب ومن قبل مقيمي الأداء والجودة.

الطلاب الذين يدخلون الكليات يتضاعف بناء على أعدادهم  ما ينعكس بالسلب على الأداء التعليمي 

3- ينبغي خلق وسائط جديدة للعملية التعليمية، مثل استخدام الهاتف والإنترنت في العملية التعليمية، فقد صار معظم الطلاب ملاصقين لأجهزة الهاتف وفضاء الإنترنت معظم الوقت، ما يسهّل علينا، في عملية التطوير، الأخذ بمثل هذه الوسائط الفاعلة في العملية التعليمية، وعدم الاقتصار على الكتاب الجامعي، وأن نعلم الطلاب كيفية الحصول على المعلومات العلمية من فضاء الإنترنت، والحصول على الكتب والمراجع الإلكترونية.

4-ينبغي الاتجاه في العملية التعليمية من كون الأستاذ هو الذي يلقي، والطالب هو المتلقّي، إلى كون العملية التعليمية علاقة تفاعلية حوارية بين الطالب والأستاذ، لا يكون فيها الطالب مجرد متلقٍّ سلبيّ، بل يكون الطالب منتجاً للمعرفة، من خلال تعليميه كيف يحصّل المعرفة، وكيف يتخذ منها موقفاً نقدياً.

المحور الثالث: الطالب 

1-يأتي الطالب إلى الجامعة، وهو في حالة فقيرة علمياً؛ لأنّ منظومة التعليم ما قبل الجامعي متهالكة، وقد يسأل التعليم الجامعي عن جانب منها في عجز التعليم الجامعي عن تخريج نوعية جيدة من المدرسين، بما يتطلب إعادة النظر في كليات التربية، التي ينبغي أن تتحول إلى معهد تربوي، ينحصر في عامين أو ثلاثة على الأكثر، يكون دوره منح إجازة المعلم لكل خريجي الآداب، والعلوم، والهندسة، والتجارة، والتعليم الصناعي، والزراعة، كلّ في تخصّصه، وتكون إجازة المعلم أشبه بإجازة الطبّ؛ لأنّ تأثيرها أخطر في المجتمع من الطب نفسه.

2- التعليم الجامعي الآن لا ينمّي مهارات، ولا يمنح قدرات، ولا يعطي معارف حقيقية للطالب، بسبب تدهور أحواله، وهذا ما يجعل الجامعة هشّة وضعيفة في أداء رسالتها، ولذا ينبغي أن تكون رسالة الجامعة، ليس فقط تلقين المعارف للطلاب، لكن من الضروري أن تنمّي مهارات، وتنمّي العقلية الناقدة.

يأتي الطالب إلى الجامعة، وهو في حالة فقيرة علمياً؛ لأنّ منظومة التعليم ما قبل الجامعي متهالكة

3-جزء من محنة الطالب بالجامعة: شيوع اليأس من جدوى التعليم، بسبب ربط الطلاب بين الشهادة التي يحصلون عليها وسوق العمل، وهذا نابع من شيوع ثقافة "الوظيفة الميري" داخل المجتمع؛ لذا لا بدّ من الفصل بين الشهادة والوظيفة، خاصة في قطاعات الكليات النظرية، وأن يعلم الطالب أنّ التعليم الجامعي يمنح المهارات والمعارف، ويكون العقلية، وأنّ العمل مرتبط بمقدرة الطالب على تنمية مهاراته، وتطوير وعيه، كما أنّ من المهم أن تكون هناك إدارة بالجامعة تربط الجامعة بسوق العمل، حتى تسوق خريجيها للمجتمع المدني، دفعاً من الجامعة لطلابها في مجالات الحياة المدنية .  

4- وفي كلّ مرتكزات العملية التعليمية السابقة، لا بدّ من أن تؤسس الجودة كأساس ومرتكز لكل جوانب العملية التعليمية، وأن تكون الجودة ثقافة في التعليم، وليس مجرد تستيف أوراق دون مضمون حقيقي في واقع العملية التعليمية؛ لأنّ الجودة في التعليم الآن عملية صورية، وليست وجوداً فعلياً متحققاً.

الصفحة الرئيسية