مدارس الأئمة والخطباء.. التعليم في خدمة سياسة أردوغان

تركيا

مدارس الأئمة والخطباء.. التعليم في خدمة سياسة أردوغان


08/01/2020

من الطبيعي أن تتّجه الحكومات إلى دعم وتحسين ورفع مستوى قطاع التعليم، أما أنّ تركز على دعم نوع معين من المدارس دون غيرها، فهو أمر غير معهود، وقد يكون مشتملاً على غايات ومرامٍ بعيدة عن الأهداف التربوية، وهذا هو ما تقوم به تركيا اليوم في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، وتشير الأرقام والإحصائيات إلى ارتفاع الإنفاق على مدارس التعليم الديني، والمعروفة باسم "مدارس الأئمة والخطباء".

من افتتاح "مدرسة أردوغان الأناضولية للأئمة والخطباء" مطلع العام الدراسي الحالي

زيادة موازنة المدارس الدينية
شهدت السنوات الأخيرة زيادة في مقدار النفقات الحكومية التركية المخصصة لدعم هذه المدارس الدينية بالمقارنة مع الدعم المقدّم للمدارس العادية، كما اتجهت الحكومة منذ العام 2012 إلى إدخال المدارس المتوسطة (المخصصة للفئة العمرية 10 – 14 عاماً) في هذا النظام التعليمي الخاص.

مراقبون: أردوغان يدعم المدارس الدينية لتشكيل المجتمع التركي بما يضمن توسيع القاعدة الانتخابية لحزبه

ومن وجهة نظر المراقبين فإنّ الهدف الحقيقي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية من دعم المدارس الدينية هو إعادة تشكيل المجتمع التركي بما يضمن له ولحزبه توسيع القاعدة الانتخابية؛ حيث ترى الحكومة أنّ هذه المدارس هي وسيلة لتخريج أجيال تحمل قيماً محافظة تتوافق مع توجهات الحزب وسياسته.
ويُذكر أنّ أردوغان نفسه، وغالبية مسؤولي وأعضاء حزب العدالة والتنمية هم من خريجي مدارس "الأئمة والخطباء".

طالبات محجبات في إحدى مدارس "الأئمة والخطباء" المخصصة للإناث

من الحظر إلى إعادة التفعيل
يرجع ظهور هذا النوع من المدارس إلى العهد العثماني، وكانت تعرف باسم مدارس "الأئمة والحفّاظ"، وكانت متخصصة في تدريس العلوم الشرعية، ولكن وبعد تأسيس تركيا الحديثة العام 1923، وإلغاء منصب الخلافة عام 1924، أصدرت الحكومة الأتاتوركية آنذاك قانوناً خاصاً بالتعليم، عُرف باسم "قانون توحيد التعليم"، وقد نصّ على أن تصبح جميع المؤسسات التعليمية في البلاد بيد الدولة، وباسم هذا القانون تم إغلاق المدارس الدينية كافة.
وبعد وفاة أتاتورك العام 1938 عادت المطالبات من جديد بفتح هذه المدارس، خاصة في القرى والأرياف، وفي العام نفسه سُمح بإنشاء بعض الجمعيات التي تطالب بإعادة مظاهر الإسلام في المجتمع التركي.
وبعد وصول عدنان مندريس إلى الحكم، إثر انقلاب عسكري العام 1950، كان من أهم آثار الانقلاب ونتائجه دعم نشاط الاتجاه الإسلامي؛ حيث سُمح بإعادة تفعيل مدارس الأئمة، وازدادت أعدادها، وذلك في إطار التوجه آنذاك لمواجهة المد اليساري من خلال دعم التوجهات الدينية.

أرادت الحكومة الأتاتوركية تكريس علمانية الدولة من خلال حظر مدارس الأئمة والحفّاظ

ومع بروز اسم نجم الدين أربكان وبداية صعود الإسلام السياسي في تركيا، في أعقاب انقلاب كنعان افرين العام 1980، بدأ الالتفات إلى دور هذه المدارس في العملية السياسية؛ حيث كان أربكان من أوائل الأسماء السياسية البارزة المتخرجة من هذه المدارس، وقد ازداد الجدل حولها لاحقاً خاصة بعد تمكن حزب الرفاه من الفوز بخُمس مقاعد البرلمان في الانتخابات التشريعية العام 1995، ومشاركته في تشكيل الحكومة، وذلك بعد ما تبيّن أن معظم أعضاء الحزب كانوا من خريجي هذه المدارس.
وبحلول النصف الثاني من عقد التسعينيات، كان عدد مدارس الأئمة والخطباء قد وصل إلى 600 مدرسة، ووصل عدد الطلاب إلى حوالي نصف مليون تلميذ.
وبعد انقلاب 1997 أعلن الجيش التركي حالة الطوارئ، وأعاد صياغة العديد من القوانين، وفي محاولة لتحجيم قدرة الإسلاميين ومنعهم من الوصول مجدداً إلى الحكم تم حظر خريجي مدارس الأئمة والوعاظ من دخول الكليات الجامعية باستثناء كلية الشريعة (الإلهيات)، وهو ما أدى إلى تراجع الإقبال على هذه المدارس.

تخرّج كل من أربكان وأردوغان من مدارس الأئمة والخطباء

زيادة المدارس الدينية
وبعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بثمانية أعوام، أصدر مجلس الدولة في العام 2010 قراراً برفع الحظر عن دخول خريجي مدارس الأئمة والخطباء إلى الكليات الجامعية، وسمح لهم بدخول ما يرغبون من فروع التعليم، ما دامت علاماتهم تؤهلهم لذلك، ومنذ ذلك الحين شهدت أعداد المدارس الدينية وطلابها ازدياداً مطرداً، صاحبه زيادة في الإنفاق الحكومي الموجه لها خصوصاً.

ازداد الجدل حول مدارس الأئمة والحفاظ بعد فوز حزب الرفاه بخُمس مقاعد البرلمان العام 1995

ووفقاً لتقارير وزارة التعليم التركية فإنّ عدد مدارس الأئمة والخطباء شهد زيادة خلال الفترة بين عامي 2006 و2015 بأكثر من 3 أضعاف، بالإضافة إلى ارتفاع أعداد الطلاب بنحو 4,6 أضعاف، وفي العام 2012 تمت توسعة مدارس الأئمة والخطباء لتشمل أيضاً المدارس من الفئة العمرية المتوسطة (10 – 14 عاماً). بينما شهدت أعداد مدارس الأئمة والخطباء خلال العامين (2015 – 2017) زيادة بنحو 26.56% لتصل إلى 1452 مدرسة.
بدورها ترفض المعارضة التركية هذه السياسات، وترى فيها استعمالاً للمؤسسات التعليمية لتحقيق أهداف سياسية، تتمثل في السعي لتكوين قاعدة من المحافظين تمكن حزب العدالة والتنمية من ضمان استمرار الفوز في الانتخابات.

يعتمد أردوغان وحزبه على هذه المدارس لتوسيع قاعدتهم الانتخابية

وهكذا، فإنّ حكومة العدالة والتنمية باتت تضخ المليارات في التعليم الديني، وبحسب تحقيق صدر مؤخراً عن وكالة "رويترز"، فقد تضاعف الإنفاق على المدارس العليا الدينية (المخصصة للفئة العمرية من 14-18 عاماً) خلال العام 2018 ليصل إلى 6.57 مليار ليرة تركية (ما يعادل 1.68 مليار دولار)، وهو ما يعادل تقريباً ربع الإنفاق على مجموع المدارس العليا، وذلك بالرغم من أنّ عدد طلبة مدارس الأئمة يبلغ 645 ألفاً، وهو ما يشكل نسبة لا تتجاوز 11% من مجموع طلبة المدارس العُليا.
واليوم يبلغ عدد طلاب مدارس الأئمة والوعاظ 1.3 مليون طالب، يدرسون في 4000 مدرسة، وتعتزم حكومة العدالة والتنمية إنجاز بناء 128 مدرسة إضافية خلال العام 2018.
ويشهد الشارع التركي انقساماً متزايداً حول ظاهرة المدارس الدينية وتوسعها وارتباطه بحكم العدالة والتنمية؛ حيث يشتكي أهالي طلاب المدارس العادية (غير الدينية) من تلقيها دعماً أقل؛ إذ إنّ صفوفها أكثر ازدحاماً، فيصل معدل عدد الطلاب في الصف الواحد إلى 40 طالباً، بينما لا يتجاوز العدد 30 طالباً في مدارس الأئمة والخطباء.

تضاعف عدد مدارس الأئمة والخطباء خلال سنوات حكم العدالة والتنمية

تضاعفت نسب الطلاب الملتحقين بمدارس الأئمة والخطباء خلال سنوات حكم العدالة والتنمية

وبحسب تقرير "رويترز"، فإنّ البيانات تشير إلى تراجع مرتبة تركيا في تصنيفات جودة التعليم للمواد العلمية، حيث تراجعت 8 مراكز عمّا كانت عليه قبل ثلاثة أعوام لتصبح اليوم في المركز الـ50 من بين 78 دولة حول العالم، وهو ما يتعارض مع تصريحات أردوغان المتكررة حول عزمه نقل الاقتصاد التركي إلى مصافّ الاقتصادات العشر الأكبر في العالم.
ويُذكر أنّ الإقبال على مدارس الأئمة والوعاظ قد شهد تراجعاً بنحو 10% خلال العام الماضي، وهو ما عزاه المراقبون إلى تدني نجاح هذه المدارس على المستوى الأكاديمي، ولكن يبدو أنّ حكومة العدالة والتنمية ماضية في سياسات أسلمة وإعادة تشكيل المجتمع التركي بما يخدم مصالح الحزب.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية