قراءة في تداعيات الانسحاب الأمريكي المفترض من سوريا

سوريا

قراءة في تداعيات الانسحاب الأمريكي المفترض من سوريا


01/04/2018

شكّل إعلان الرئيس الأمريكي انسحاب القوات الأمريكية من سوريا "قريباً جداً"، وترك الاهتمام بها للآخرين، مفاجأة مدوية، ليس للأطراف المعنية والفاعلة في القضية السورية، بدءاً من روسيا والنظام السوري وإيران وتركيا والأكراد والفصائل الجهادية فحسب؛ بل للأوساط الأمريكية المعنية كوزارة الخارجية ووزارة الدفاع، التي نفت علمها بمثل هذا القرار، خاصة أنّه يتناقض كلياً مع تصريحات الوزارتين التي تؤكّد على البقاء في سوريا، وأنّ مهمة القوات الأمريكية في سوريا تتجاوز قضية القضاء على تنظيم داعش، وهو ما أتاح مساحة واسعة للتشكيك في تصريحات ترامب، رغم أنّه أتبعها بتصريحات جديدة حول قرار أمريكي بتجميد 200 مليون دولار مخصصة لدعم مشروعات إعادة الإعمار في مناطق شمال سوريا.

مقاربة الانسحاب الأمريكي، يكتنفها كثير من الغموض، وتفتح الباب أمام سيناريوهات عدة، في ظلّ استمرار المعارك في سوريا

الإعلان الأمريكي بالانسحاب من سوريا غير بعيد عن معطيات داخلية أمريكية، مرتبطة أساساً باستمرار التحقيقات الأمريكية في قضية التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية لصالح ترامب، وتصاعد الخلاف بين أمريكا وروسيا على خلفية أزمة العميل المزدوج في بريطانيا، وتداعياتها المتمثلة بالحرب الدبلوماسية والطرد المتبادل للدبلوماسيين، وإغلاق القنصليات، إضافة إلى التشكيلات الجديدة في الإدارة الأمريكية، بضمّ المتشدّد جون بولتون على رأس مستشاريه الأمن القومي، والمواقف المتشددة للفريق الجديد تجاه إيران، ومن الواضح أنّ هذا الفريق الجديد، وفق مواقف رموزه المعلنة، يعارض أيّ انسحاب أمريكي مبكر من سوريا، خلافاً لموقف الرئيس ترامب، وهو ما يعزّز احتمال الشكوك بإعلان الرئيس الأمريكي، وأنّه سيذهب باتجاه توجيه ضربة عسكرية لإيران، ولا يريد أيّ تواجد لجنود أمريكيين تحت رحمة رد الفعل الإيراني، وربما يمهّد قرار الانسحاب من سوريا لقرار إقالة وزير الدفاع الأمريكي "ماتيس"، الذي يبدو أنّه أقلّ انسجاماً مع الفريق الجديد.

مقاربة الانسحاب الأمريكي، يكتنفها كثير من الغموض، وتفتح الباب أمام سيناريوهات عدة، في ظلّ استمرار المعارك في سوريا، بما فيها المعارك مع الفصائل الإرهابية؛ إذ تؤكد تقارير دولية أنّه، رغم إعلانات القضاء على داعش من قبل أمريكا وروسيا وإيران، إلّا أنّ خطر الإرهاب ما يزال قائماً، خاصة داعش في العراق وسوريا، كما أنّ مسائل الحلّ السياسي النهائي في سوريا، ما تزال غير واضحة، في ظل التنافس بين مرجعيتي سوتشي وجنيف، بما فيها مستقبل الأسد، وشكل ومضمون الدولة السورية، والأهم من هذا كلّه أنّ التمدد الإيراني في سوريا، من خلال بناء القواعد العسكرية وانتشار المليشيات الشيعية، إضافة إلى حزب الله اللبناني، ما يزال قائماً، وهو ما تتخذ منه إسرائيل "حليفة أمريكا الأهم في المنطقة"، موقفاً متشدداً، لارتباطه بالأمن القومي السعودي، إضافة إلى تحفّظ ولي العهد السعودي على هذا الانسحاب، كما أنّ هذا الانسحاب سيضع قضية الأكراد، حليف أمريكا الأقوى في الحرب على داعش، في مواجهة مع الجيش التركي.

ومع ذلك، فإنّ الانسحاب الأمريكي المفترض من سوريا، إضافة إلى عدم وضوحه، إلّا أنّه يتردد أنّ هناك اتفاقاً مع فرنسا، في أن تقوم بالمهمة الأمريكية في سوريا، خاصة أنّها، فيما يبدو، تسلّمت ملف دعم الأكراد من خلال تبنّيها مبادرة وساطة بين تركيا والأكراد، وهو ما رفضته تركيا بشدة، وتردّد في أوساط تركية أنّ هناك قواعد عسكرية فرنسية في مناطق الأكراد، وربما كان ترامب يقصد بــ "الآخرين" الذين سيقومون بالمهمة فرنسا.

من المبكر الحكم على الأطراف الخاسرة والرابحة من الانسحاب الأمريكي، إلّا أنّ المؤكد أنّ الطرف الكردي في شمال سوريا، حتى بافتراض أن تحلّ فرنسا محل الولايات المتحدة، سيكون الطرف الأكثر خسارة، في ظلّ مواقف الأطراف الأخرى منه، خاصة تركيا التي ستتعامل مع هذا الانسحاب، باعتباره إعلاناً لإطلاق يدها ضدّ الأكراد، ووأد حلمهم بالاستقلال، إضافة إلى إيران والنظام السوري، ولا يستبعد قيام داعش بعمليات انتقامية من الأكراد بتواطؤ وتسهيلات من كافة الأطراف، وربّما تشهد المرحلة المقبلة تنسيقاً إيرانياً تركياً في سوريا، إلّا أنّ مستقبل هذا التنسيق، في ظلّ غياب "العدو" الأمريكي، سيكون محطّ شكوك عميقة لأسباب مرتبطة بتباين المشروعين؛ التركي والإيراني في المنطقة، علاوة على احتمالات تنسيق أمريكا مع تركيا حول هذا الانسحاب وحدوده وشروطه.

من المبكر الحكم على الأطراف الخاسرة والرابحة من الانسحاب الأمريكي، لكن المؤكد أنّ الطرف الكردي بشمال سوريا هو الأكثر خسارة

إضافة إلى خسائر الأكراد في سوريا، فإنّ غموض الموقف الإسرائيلي يثير شكوكاً أعمق حول الانسحاب الأمريكي وتبعاته، فهل ستتولى إسرائيل مهمة مواجهة إيران في سوريا؟ وهل تستطيع روسيا كبح جماح الطموح الإيراني في سوريا، بتقديم ضمانات لإسرائيل بما يحول دون تطور الاحتكاكات الإسرائيلية الإيرانية إلى حرب شاملة في المنطقة، أم سيكون الانسحاب الأمريكي مدخلاً لتفاهمات أمريكية إيرانية بإشراف روسي، على غرار التفاهمات الأمريكية مع كوريا الشمالية، وهو ما تتطلع إليه إيران؟

في الخلاصة؛ ربّما يكون الانسحاب الأمريكي مقدمة لوضع نهاية للحرب في سوريا، والبدء في إطلاق مسار سياسي حقيقي، يتجاوز "مناكفات" جنيف وسوتشي وأستانا، لكنّه سيبقى مجرد "توقعات برغبة"، ما لم يكن هناك اتفاق أمريكي روسي، فهل تصدق مقولات محللين أنّ صفقة القرن تبدأ من سوريا؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية