بعد وقف الدعم الإماراتي للصومال: مخاوف من تصاعد إرهاب "حركة الشباب"

الصومال

بعد وقف الدعم الإماراتي للصومال: مخاوف من تصاعد إرهاب "حركة الشباب"


18/04/2018

يُجانبُ الصوابَ من يُصوِّرُ علاقات دولة الإمارات بالصومال وكأنّها جاءت للتوّ مع تداعيات أزمة قطر منذ حزيران (يونيو) الماضي. والحقيقة أنّ الإمارات ربما تكون الدولة الوحيدة، أو أنّها من بين دول قليلة جداً في العالم، التي بدأت منذ نحو ربع قرن بالعمل من أجل ضمان استقرار الصومال وأمنه. وفي جردة حساب تقييمية لعلاقات الإمارات مع الصومال منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، نجد كيف أنّ الإمارات فتحت أبوابها لأهل الصومال عبر التجارة، وكانت بمنزلة كوّة أمل كبيرة لهم في أعقاب انهيار الدولة الصومالية مع العام 1991.

فقدان داعمٍ أساسي

لعلّ هذا ما أفصح عنه الرئيس الصومالي الأسبق، الشيخ شريف شيخ أحمد، الذي أبدى أسفه في مقابلة تلفزيونية مع "سكاي نيوز عربية"، إزاء التطورات الأخيرة التي شهدت توتراً في العلاقات بين الصومال والإمارات، ورأى شيخ أحمد أنّه "يتوجب على الحكومة الصومالية تغليب مصالح الشعب وألا تدعم جانباً ضد آخر، في علاقاتها الدولية، خصوصاً وأنّ دولة الإمارات قد وقفت مع الصومال في مرحلة صعبة". وأضاف الرئيس الأسبق أنّ "العلاقة التاريخية بين الإمارات والصومال لا يمكن لأحد إنكارها، فقد وقفت الإمارات مع الصومال في أحلك ظروفه"، لافتاً النظر إلى أنّ أوج التعاون بين الحكومتين؛ الإماراتية والصومالية كان في فترة رئاسته بين عام 2009 إلى عام 2012، "فقد قدمت الإمارات دعماً شهرياً للحكومة، وساعدوا في بناء القوات الأمنية ومكافحة القرصنة"، مشيراً إلى أنّ هذا التعاون استمر وامتد إلى دعم البنى التحتية والزراعة. واعتبر شيخ أحمد أنّ الصومال بهذه الأزمة "فقد دعماً كبيراً في المجال الأمني خصوصاً؛ لأن قدرات قوات الجيش والبحرية الصومالية في مكافحة الإرهاب والقرصنة ستتأثر كثيراً".

لا يُخفي المحور التركي-القطري طموحاته في هذه المنطقة الإستراتيجية

الحاجة لمنظومة جماعية لأمن البحر الأحمر

وكما هو معروف، فإنّ الصومال تقع ضمن بلدان القرن الإفريقي، ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة؛ وذلك بسبب أنّها تمثل ممراً دولياً، وتحظى بإطلالة محورية على البحر الأحمر، وعلى مضيق باب المندب، وكذلك على شواطئ خليج عدن، فضلاً عن المحيط الهندي. وثمة تنافس أقليمي ودولي كبيرين على منطقة البحر الأحمر، وتزايد للأهمية الاقتصادية والإستراتيجية لموانئه. ولعلّ من الأهمية بمكان على جميع الأطراف المتنافسة هناك أن تذهب إلى توافقات وتفاهمات تُبعد "المعادلات الصِفرية" عن سياساتها تجاه بعضها بعضاً في هذه المنطقة الحيوية من العالم، وهذا قد يقود إلى أهمية التفكير بصياغة منظومة أمنية جماعية لأمن البحر الأحمر، يكون فيها الحضور العربي والخليجي محورياً ووازناً؛ حفاظاً على ما تبقى من منظومة الأمن القومي العربي، وخصوصاً أنّ منطقة الخليج العربي تنفتح على ذلك كله، وهي في حسابات الجيوبولتيك غير بعيدة، وخصوصاً المملكة العربية السعودية المطلة على البحر الأحمر، ما يفرض تفاهمات إستراتيجية مشتركة بين الرياض والقاهرة أيضاً، لتوسيع دوائر المصالح المشتركة وانتهاز الفرص المفيدة لكلا البلدين.

دائرة توتر وتنافسات

وتكتسب منطقة القرن الإفريقي أهمية خاصة ليس فقط لكونها ممراً مائياً، وإقليماً غنياً بالثروات والموارد الطبيعية، ويربط شمال العالم بجنوبه، فضلاً عن قربها من منابع النفط في دول الخليج، وإنما أيضاً تمتد تلك الأهمية لتشمل مكوناته الاقتصادية مثل؛ البترول والمعادن، بالإضافة إلى الجزر العديدة التي تمثل أهمية إستراتيجية من الناحيتين؛ الأمنية والعسكرية. هذا الأمر جعل من منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر تقعان في دائرة التوتر والصراعات في سياق التنافسات الإقليمية والدولية، كما أنّه أصبح مصدراً للخطر وعدم الاستقرار، لاسيما بعد ظهور الحركات الإسلامية الراديكالية المتشددة، كحركة الشباب في الصومال، وحركة تحرير الأوغادين الصومالية، بالإضافة إلى أعمال القرصنة التي مثلت تهديداً مباشراً لحركة التجارة وسلامة العبور.

تحاول تركيا فتح أو استعادة العلاقات في هذه المنطقة المرتبطة بحركة التجارة الدولية

ولا يُخفي المحور التركي-القطري طموحاته في هذه المنطقة الإستراتيجية؛ حيث ظهرت تركيا كلاعب من خلال ترسيخ وجودها الإقليمي. ويأتي النشاط التركي المتزايد في القرن الأفريقي والبحر الأحمر في هذا الإطار، وفي ظل التكالب من قوى إقليمية أخرى مثل؛ إيران الكيان الصهيوني. وتحاول تركيا فتح أو استعادة العلاقات في هذه المنطقة المرتبطة بحركة التجارة الدولية، كما توجهت تركيا، وفق دراسة نشرها "مركز الإمارات للسياسات"، نحو شرق أفريقيا أكثر من غربها وجنوبها بشكل خاص لأسباب عدة منها:

1.  باعتبار منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر إحدى المستعمرات التركية سابقاً.

2.  أنّ أنقرة لا ترغب في أن تترك هذه المنطقة لمنافسين إقليميين مثل؛ مصر والإمارات أو إيران، أو إسرائيل، وبذلك تعمل تركيا على الاستفادة من نفوذها في شرق أفريقيا.

3.  رغبة تركيا في تطوير شراكتها مع أفريقيا بصورة شاملة. وقد كانت المشاريع المنوي أن تديرها أنقرة في جزيرة "سواكن" السودانية جزأ أساسياً من تلك الاستراتيجية التركية الشاملة.

إذا صحت الاتهامات للدوحة بدعمها "حركة الشباب" المتطرفة فإنّ في وارد الاحتمالات استعادتها لنشاطها

هل تمول الدوحة "حركة الشباب" المتطرفة؟

ولقد وقفت الإمارات طيلة الأعوام الماضية إلى جانب أطراف دولية وإلى جانب الجهود الفاعلة للقوات التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال، وذلك من أجل انتشال هذا البلد من دوامة القرصنة من جهة، ومن دوامة الإرهاب من جهة ثانية. لقد أنفقت أبوظبي ما يقارب 300 مليون دولار من أجل هذين الهدفين، وهو ما أثمر تحجيماً لخطر الإرهاب الذي مثلته "حركة الشباب"، ولخطر عمليات القرصنة. وليس مؤكداً مدى دقة الوثائق المسربة، والتي نشرت على موقع ويكيليكس، ونسبت إلى السفيرة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة، سوزان رايس، تأكيدها في العام 2009 على ضرورة الضغط على دولة قطر لوقف تمويل "حركة الشباب" لمتطرفة. وإذا صحّت هذه الاتهامات للدوحة فإنّ في وارد الاحتمالات استعادة "حركة الشباب" لنشاطها الإرهابي، وزيادة زخمه، في ظل الفراغ الذي تركته الإمارات؛ في أعقاب وقفها مؤخراً برنامجها التدريبي لقوات الأمن الصومالية.

التوتر في العلاقات بين الصومال والإمارات قد يكون مقترنا بتقارب بين الصومال وكل من تركيا وقطر

من هنا، فإنّ أحد المداخل التفسيرية لفهم خلفيات التوتر في العلاقات بين الصومال والإمارات قد يتطرق إلى مسألة اقتران هذا التوتر بتقارب بين الصومال وكل من تركيا وقطر منذ اندلاع أزمة قطر في الصيف الماضي. وفي هذا الإطار تتحدث عديد الأنباء والتقارير عن:

1. افتتاح الجيش التركي في أيلول (سبتمبر) الماضي أكبر مركز عسكري له خارج البلاد في العاصمة مقديشو، وذلك من أجل تدريب ضباط الجيش الصومال وتأهيل جنوده.

2. توقيع الدوحة في تشرين الثاني (نوفمبر) اتفاقية مع الصومال بقيمة 200 مليون دولار.

3. تسليم الدوحة في شباط (فبراير) الماضي مساعدات عسكرية جرى الاحتفاء بها في ميناء مقديشو الدولي.

يبقى القول إنّه في ظل الاتهامات لكل من أنقرة والدوحة باحتضان جماعات راديكالية وتمويلها وتسليحها فإنّ الهواجس تتصاعد في أن تكون الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصومالية إنّما تسير بها في طريق معاكس لجهود مكافحة التطرف، وهو ما سيعطي، لا قدّر الله، دفعة جديدة للفوضى في هذا البلد، الذي كان على وشك الاستقرار.

الصومال


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية