الإمارات وقطر في الصومال: القصة الكاملة

الصومال

الإمارات وقطر في الصومال: القصة الكاملة


19/04/2018

وصل الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، إلى سدة الحكم في مطلع العام الماضي، في حدث جماهيري بامتياز، بحكم الحملة الانتخابية لفرماجو، الذي دغدغ فيها المشاعر القومية للصوماليين، حين قطع وعوداً بتقليص التدخلات الخارجية في الشأن الصومالي، الذي أصبح مسرحاً مفتوحاً للاعبين إقليميين ودوليين شتى.
ما لبث أن وصل الرجل إلى الحكم، ليتبيّن أنّ قراره مرهون بدولة إقليمية عربية، وتبخّرت وعوده بوضع حدٍّ للتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي؛ بل وصلت إلى ذروتها منذ جلوسه على سدّة الحكم، كما واجه الرجل استياءً شعبياً منقطع النظير، حين سلّم مواطناً صومالياً إلى أثيوبيا، ما عدَّ تنازلاً صريحاً عن سيادة المواطن الذي جاء من أجل حمايتها، في خطوة عدَّت تقديماً لأوراقه للجارة أثيوبيا، كي تلقّبه برجلها المفضّل، كذلك صادف في فترة وجوده القصيرة على سدة الحكم حدوث أعنف انفجار إرهابي يشهده العالم، بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، التي راح ضحيتها أكثر من 500 من المدنيين في تقاطع زومبي في العاصمة مقديشو.

الحياد الذي يعني انحيازاً لقطر
جاءت الأزمة الخليجية لتأزّم وضع الرئيس فرماجو، أكثر فأكثر، الرجل ذو التوجهات الوحدوية والقومية، لكن يواجه، في الوقت نفسه، تهماً خطيرة تتعلق بالتفريط في سيادة المواطن، كما تتّهم حكومته بضلوع فساد في قضايا صفقات مشبوهة للتنقيب عن الغاز في الصومال.
أعلنت الحكومة الصومالية الحياد في الأزمة الخليجية، لكنّ جوهر الحياد هنا لا يعني التوسط بين أمرين، حين ننظر إلى أنّ قرار الرباعي العربي يهدف إلى عزل قطر، فمن هنا جاء الموقف الصومالي نقيض هذا الأمر، وبالتالي، ليس حياداً، إنّما وقوف مع أحد طرفي الأزمة.

تعدّ السعودية والإمارات مصدراً رئيساً لتحويلات المقيمين في الخليج، ممّا لا تستطيع قطر التنافس عليه

لم يكن مستغرباً مثل هذا القرار، فقد اتّضحت ما يعتقد أنها هيمنة قطر على القرار الصومالي حين عيّن الرئيس فرماجو فهد ياسين، الرجل الملقَّب بـ "عرّاب قطر"، في منصب مدير الديوان الرئاسي، وكان فهد قد عمل مراسلاً للجزيرة في الصومال، ومن ثمّ باحثاً في مركز الجزيرة للدراسات، قبل أن يتم نقله ليصبح مدير ملفات قطر السياسية في الصومال، وأدار الحملة الرئاسية للرئيس السابق حسن شيخ، الذي انقلب على قطر، ومن ثم كرّس فهد جهوده في توصيل الرئيس الحالي إلى سدّة الحكم بدعم سخيّ من قطر وفقا لتقارير صحفية كثيرة.
وبالنظر إلى الاصطفافات الإقليمية؛ لا يخفى أنّ الحياد ليس بريئاً بالشكل الذي يصوره أنصار قطر، وإنّما يأتي في ظلّ نفوذ تركي- قطري متزايد في الصومال؛ حيث تمتلك تركيا في الصومال أكبر سفارة لديها في الخارج، كما شيّدت مؤخراً قاعدة عسكرية لها هناك، وأعلنت قطر تعيينها "سفيراً فوق العادة" في الصومال، وسخّرت منابرها الإعلامية في مناصرة الرئيس فرماجو، وتغطية فشله السياسي والأمني، وشيطنة المعارضة، وجمهورية صومال لاند المجاورة.
وفي هذا السياق، لم يكن خافياً أنّ تصرفات الحكومة الصومالية كانت بإيعاز من مناصري قطر في القرار الصومالي، وخاصة فيما يتعلق بدولة الإمارات، ويؤكد ذلك الصحافي  يوسف غابوبي، الذي كتب تغريدة على حسابه في تويتر، يقول فيها: "إنّ حكومة الرئيس الصومالي فرماجو، هي الدولة الوحيدة في العالم التي ترتشي من قبل حكومة أخرى (قطر)، بغرض إفساد علاقاتها مع دولة ثالتة (الإمارات)، فرماجو ورئيس وزرائه استبدلا مساعدات الإمارات الإنسانية والتنموية والعسكرية، المقدَّرة بمئات الملايين من الدولارات، ببضعة ملايين تودع لهما في الخارج شهرياً".

تمتلك تركيا في الصومال أكبر سفارة لديها في الخارج

تيارٌ قطريّ مسيطر

يرى الناشط والمدون الصومالي أحمد حنفي، في حديثه لصحيفة "حفريات" أنّ "التيار القطري داخل الصومال له قوة كبيرة، ويتمثل في الرئيس الصومالي فرماجو، ورئيس حكومته خيري، وقبلهما صانعهما فهد ياسين، الذي قاد حملة فرماجو الانتخابية، الذي يتحكّم في كلّ شاردة وواردة داخل القصر الرئاسي، وهو الممثل الرئيس لمصالح قطر في البلاد، وعلاقة فهد ياسين وفرماجو وخيري، لم تكن وليدة العامين الماضيين، بل كانت قبل ذلك بفترة غير قليلة، خاصة في فترة رئاسة شريف شيخ أحمد للصومال، بعدما قرر الرئيس شريف شيخ أحمد إقالة فرماجو من رئاسة الحكومة آنذاك، حينها قررت قطر توظيف قدراتها، على يد موظف الجزيرة فهد ياسين، بتمويل من فرماجو، والذهاب به نحو الرئاسة، أي جعله رئيساً للصومال، بدعم مالي غير محدود، ونجحت في ذالك".
يتابع حنفي القول، إنّ هناك أدوات أخرى تابعة للتيار القطري، مثل ما يُعرف بـ "هيئة علماء الصومال" المدعومة من قطر، التي "تم تأسيها بإيعاز وبقرار من قطر، ولها تأثير كبير داخل المشهد الصومالي، والهيئة جامعة في داخلها تيارين رئيسين، هما: السلفية (السرورية) والإخوان، كالاعتصام مثلاً.
ويشكّل فهد ياسين همزة الوصل بين الحكومة القطرية وحركة الشباب الإرهابية في الصومال، بداية من عام 2006 حتى الآن، تمويلاً وإعلاماً، ناهيك عن استخدام الأدوات الإعلامية، واستخدام المال السياسي لشراء المثقفين والصحفيين والكتّاب، وشراء أعضاء البرلمان، ومحاربة الحكومات الفيدرالية كبونتلاند، أو المنفصلة كجمهورية صومال لاند، التي لا تخضع لإرادة قطر وسياساتها ".

سلوك مضطرب
لم يكن قرار الاصطفاف مع قطر مفاجئاً، كما هو قرار الحكومة الصومالية في مصادرة أموال إماراتية كانت على متن طائرة مدنية، مخصصة لصرف رواتب القوات التي تدرّبها الإمارات، بموجب اتفاقية سابقة بين البلدين، إلى أن جاء الردّ الإماراتي بإنهاء مهمة تدريب الجيش الصومالي، ما استدعى من الحكومة الصومالية إصدار بيان تتراجع فيه عن خطوتها المتهورة، وتتعهد بإعادة الأموال التي تمت مصادرتها.

البيان الرئاسي

تأكّد للرئيس فرماجو أنّ موقفه لا يحظى بشعبية لدى كثيرين في الصومال، من الذين يعتقدون أنّ الفوائد المحتملة للوقوف إلى جانب السعودية والإمارات العربية المتحدة تفوق بكثير تلك المرتبطة بالحياد (وهو في جوهره تصويت لصالح قطر)، ويشير المعارضون إلى أنّ الوقوف مع السعودية والإمارات يقدّم للصومال مكاسب من حيث أسواق تصدير المواشي، كما تعدّ الدولتان مصدراً رئيساً لتحويلات المقيمين في الخليج، ممّا لا تستطيع قطر التنافس عليه.

الصوت المقموع
يرى مراقبون أنّ الرئيس فرماجو يحاول الاستفادة من البناء الوطني الهشّ، ووجود ثغرات دستورية لصالح تمرير أجنداته الخاصة، وأجندات المحيطين به، وإقصاء الفاعلين السياسيين الآخرين من المشهد، كما حدث مع رئيس مجلس النواب، الذي أرغم على الاستقالة من منصبه، بتدخّل من الحكومة.

تصرفات الحكومة الصومالية كانت بإيعاز من لوبي قطر في القرار الصومالي، وخاصة فيما يتعلق بدولة الإمارات

فقد مارست الحكومة الصومالية سياسة تكميم الأفواه للأصوات المعارضة، كما حصل مع نواب من المعارضة، الذين تمّ الاعتداء عليهم بالضرب والسجن على يد قوات خاصة، بسبب مواقفهم المعارضة للحكومة في شأن أزمة الخليج، وهو ما يشير إلى وجود نزعة استبدادية لدى الرئيس فرماجو وحكومته، إلى جانب إعلانها سياسة مناصرة قطر، والتحريض ضدّ دولة الإمارات.
ولاية بونتلاند تخرج عن الحياد
وفي شهر آب (أغسطس) الماضي؛ أعلنت ولاية بونتلاند أنّها تخرج من موقف حياد الحكومة الصومالية، مشيرة إلى علاقاتها الإستراتيجية مع السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقد ظهرت ثغرة يواجهها الدستور الصومالي المؤقت؛ فالمادة 54 منه تجعل المسؤولية الوحيدة عن الشؤون الخارجية تقع على عاتق الحكومة المركزية، لكن في الوقت نفسه تشير (المادة 53) إلى أنّه يتعين على الحكومة التشاور مع الولايات الأعضاء، بشأن المفاوضات المتعلقة بالمعونة الأجنبية، أو التجارة، أو المعاهدات، أو غير ذلك من القضايا الرئيسة ذات الصلة بالاتفاقات الدولية.
وكان عدم التشاور حجة بونتلاند في قرارها الذي تبعه في أيلول (سبتمبر) إعلانات مماثلة من إدارتي جنوب غرب الصومال وغالمودوغ، اللذين تحدّيا علانية سياسة الحكومة الصومالية بشأن أزمة الخليج، وأشار الإقليمان إلى أنّه لم يتم التشاور معهما بهذا القرار، ما يوضح المخالفة الدستورية التي تسير عليها حكومة الرئيس محمد عبد الله فرماجو.
من الجليّ أنّ الرئيس فرماجو يجيد وضع نفسه في مواقف صعبة، لا يجيد كسبها، وليس وراءها طائل، فقد افعتل أكثر من أزمة مع الحكومات الإقليمية، التي أرادها أن تكون دمية في يده، ولم يفلح.
الأمر نفسه مع الجارة صومال لاند، التي يدّعي سيادتها ليل نهار، مع أنّه لا شيء يربطه بها بالواقع، والآن يبدو أنّه حان دور دولة الإمارات، لإرضاء غرور دولة أخرى، لكنّه على يقين، في كلّ الأحوال، أنّه لن يكسب أيّة معركة من معاركه المفتعلة، وربما الآن هو الوقت الأنسب لعودته إلى جادة الصواب، بعد أن تشبّع في تقلّد ميداليات زائفة عن بطولات وهمية من الإعلام القطري.

الصفحة الرئيسية