تأملات في صفقة تحرير الرهائن.. هل تعيد قطر حساباتها مع حلفائها؟

قطر

تأملات في صفقة تحرير الرهائن.. هل تعيد قطر حساباتها مع حلفائها؟


30/04/2018

تتعاون الدول فيما بينها عادة، عند تعرض إحداها لأي أزمة، أو عندما يهدّد خطرٌ ما مواطنيها؛ إذ غالباً ما تستعين الدول بالقنوات الرسمية لحماية أرضها ومواطنيها وفق الاتفاقيات والقوانين والعلاقات الدبلوماسية.

لكن ما كشفته صحيفة "واشنطن بوست" مؤخراً، ودعمته بالوثائق، عن صفقة ماليةٍ كبيرة بلغت ما يقارب "325" مليون دولار، بحسب التقرير الموسع المنشور بتاريخ 28 نيسان (إبريل) 2018، وذلك من أجل تحرير "26 مواطناً قطرياً في العراق بينهم 9 من أفراد الأسرة الحاكمة"، يبدو مثيراً ؛ لأن الأموال ذهبت إلى "قنواتٍ غير شرعية، وميليشيات إرهابية"، بحسب الصحيفة، بينما غابت الدولة العراقية عن المشهد تقريباً.

صيد الصقور كان على أرضٍ تتنازعها الميليشيات المتطرفة من كل اتجاه

البحث في عش النسر

لم يكن صيد الصقور كهواية ليصبح مكلفاً إلى هذا الحد، لولا أنّه كان يحصل على أرضٍ تتنازعها الميليشيات المتطرفة من كل اتجاه، وتصطاد البشر هناك. مثلما يفعل تنظيم داعش الإرهابي من جهة، أو ميليشيات حزب الله في العراق، وظلالها من الحرس الثوري الإيراني.

القصة، بدأت في كانون الثاني (ديسمبر) 2015، حين تم اختطاف تلك المجموعة من صيادي الصقور القطريين في منطقة المثنى جنوب العراق، من قبل مئة من المسلحين الملثمين، بحسب وكالات الأنباء في حينه. أمّا أسباب الاختطاف، فحامت حولها الشبهات منذ البداية، إضافةً إلى التساؤلاتِ حول علاقة هذه العملية، بـ"جبهة النصرة" في سوريا من جهة، وإيران والحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى.

نيويورك تايمز: دولة قطر في المنطقة إمارة ثرية وقاعدة أمريكية ودعم للإخوان المسلمين

بعد إطلاق سراح المعتقلين في نهاية نيسان (إبريل) 2017، قالت وكالة أنباء "سبوتنيك" إنّ مصدراً رفيعاً أخبرها بـ "دفع قطر مبلغاً كبيراً من المال كفدية مقابل إطلاق سراح مواطنيها المختطفين، وأن ذلك يكشف تأثير قطر على "جبهة النصرة"؛ لأنها سبق وتدخلت في صفقة تبادل الراهبات اللواتي اختطفن من قبل "الجبهة" في سوريا بدايات 2014...وهذا يكشف أنّ "النصرة" والفصائل المقاتلة في سوريا تعمل ربما تحت مظلات دولٍ كهذه الدول".

وأضاف المصدر نفسه فيه حينه، أنّ "اختطاف القطريين كان ردة فعل على احتجاز الرهائن العراقيين من قبل جبهة النصرة" بحسب ما نشره الموقع بتاريخ 21 نيسان (إبريل) 2017.

وبالنظر إلى "جبهةِ النصرة"، وهي إحدى الفصائل الإرهابية المسلحة في سوريا، التي غيّرت ولاءاتها أكثر من مرةٍ بين تنظيم داعش والقاعدة، فإنّ علاقاتها المتوقعة مع دولة قطر، وضعت محل تساؤلٍ من قبل المحلل السياسي لشؤون الشرق الأوسط والصحفي المعروف "روبرت فيسك"، الذي أكد في مقاله المنشور بتاريخ 7 حزيران (يونيو) 2015، أنّ "حملة للترويج ودعم جبهة النصرة، توجد على شاشة قناة الجزيرة، لتبدو الحركة حركة إسلامٍ معتدل! إضافةً لدعم قطر ميليشياتٍ مسلحة في سوريا".

مقال روبرت فيسك: Robert Fisk: Al-Nusra is pitching for US backing

فيسك: توجد حملة للترويج لجبهة النصرة على قناة الجزيرة القطرية لتبدو كحركة إسلامٍ معتدل!

أشباحٌ متعطشة للمال!

المعقد في مسألة "صفقة" إطلاق سراح المخطوفين القطريين، هو ما تردد في تقرير "واشنطن بوست" الجديد، حول علاقة جنرال إيران الأحمر وقائد الحرس الثوري الإيراني "قاسم سليماني" بالصفقة، وحزب الله اللبناني، والأتراك من ناحية أخرى.

بدت الصفقة التي دفع فيها الكثير جداً من المال، وفق الوثائق المسربة بتقرير "واشنطن بوست"، مجرد فرصةٍ لتقوم "أشباح الميليشياتِ الإرهابية" بنهش لحم دولة وضعت تحت الأمر الواقع، وهو ما يدعو للتوقف إلى نقطة، والنظر إلى الأزمة الخليجية التي بدأت منذ منتصف العام 2017، وبعد مضيّ وقتٍ غير طويل على إتمام الصفقة.

فمن هم الأتراك والإيرانيون اليوم؟، هل هم حلفاء المرحلة لدولة قطر في مواجهة عمقها العربي؟

هذه الأسئلة، يمكن إحالتها إلى تحقيقٍ موسع لصحيفة "نيويورك تايمز" قام به "روبرت روث"، ونشر بتاريخ 14 آذار (مارس) 2018، ورد فيه أنّ "الصفقة ساهمت في تحقيق إيران بعض طموحاتها في الهيمنة على المنطقة، بما في ذلك أهدافها في سوريا والعراق واليمن؛ حيث إنّ الرهائن القطريين كانوا ذوي قيمة كبيرة لسليماني وحلفائه في حزب الله اللبناني، الذين كانوا يبحثون في عام 2015، عن طرق جديدة لتعزيز نفوذهم في سوريا ومناطق أخرى".

الرهائن القطريين كانوا ذوي قيمة كبيرة لسليماني وحلفائه في حزب الله اللبناني

كما يشير المصدر ذاته، إلى أنّ "اجتماعاً سرياً عُقد في إسطنبول برعاية أممية، خلال عام 2015، سعت خلاله طهران لإحداث تغيير ديموغرافي؛ حيث عرض مبعوث سليماني اتفاقاً عُرف لاحقاً باسم "صفقة البلدات الأربع"، وبموجبه، يُنهي حزب الله حصاره لمدينتين من معاقل المعارضة السنّية قرب الحدود اللبنانية، هما مضايا والزبداني، التي يشكل سكانها تهديداً مباشراً لنظام الأسد، مقابل أن تنهي فصائل المعارضة، المدعومة من قطر، حصارها لبلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين، شمال غرب سوريا".

مقال روبرت روث: Kidnapped Royalty Become Pawns in Iran's Deadly Plot

نيويورك تايمز: الصفقة ساعدت إيران بتحقيق بعض طموحاتها في الهيمنة على المنطقة سيما في سوريا والعراق واليمن

وبناء على ما ذكر، تقول صحيفة "نيويورك تايمز" إنّ شهر نيسان (إبريل) 2017، شهد وصول طائرة قطرية إلى بغداد "محملة بحقائب الأموال" من أجل إتمام صفقة إطلاق سراح المخطوفين القطريين.

هل هؤلاء هم من يقفون على مصالح مع دولة قطر؟ تركيا من جهة، وإيران وميليشياتها وجنرالها من جهةٍ أخرى. وهل تبنى العلاقات على نهب الأموال كفدية، وتحقيق مكاسبٍ لجماعاتٍ إرهابية كجبهة النصرة وغيرها في سوريا أو العراق مثلاً.

أجوبة هذه الأسئلة، موجودة في عمق الأزمة الخليجية، وحديث تحقيق "نيويورك تايمز" نفسه عن دور دولة قطر في المنطقة "إمارة ثرية وقاعدة أمريكية" ودعم "للإخوان المسلمين"، إضافةً إلى ما ورد في مقال "الإندبندنت" عن علاقاتٍ مع "جبهة النصرة" الإرهابية وغيرها.

إنّ تعميق الأزمة الخليجية لصالح من عقد تحالفات مصلحية مؤقتة معهم يبدو منافياً للمنطق، ميليشيات تنهب النقود، ودول مثل إيران تبحث عن النفوذ من خلال أدواتٍ طائفية، وتركيا التي ترعى مصالحها على حساب المصالح العربية المشتركة، ألا يستحق هذا وقفة مطولة، وإعادة مراجعة للحسابات؟

الصفحة الرئيسية