"آن أوان اليقظة" يشعل الصراع بين الدعوة السلفية والإخوان (2-2)

الإسلام السياسي

"آن أوان اليقظة" يشعل الصراع بين الدعوة السلفية والإخوان (2-2)


03/05/2018

كان لسلفيي الإسكندرية (جماعة الدعوة السلفية) وشائج بأقرانهم من السلفيات الأخرى، إلاّ أنّهم، منذ البدء، لم يكونوا يحملون في أفئدتهم مودة ظاهرة لجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من خطاب مرصود لهم، يتحدثون فيه عن تلك الجماعة بشبه توازن قلق، قبل ولوجهم في العمل السياسي، بعد ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، وصدامهم الذي بدأ خجولاً، ثم انفجر بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013.
ربما لم ينسَ هؤلاء السلفيون ما كان من جماعة الإخوان في سبعينيات القرن الماضي عندما نجحت بضمّ الغالبية من الجماعة الإسلامية الطلابية، التي سادت الجامعات المصرية آنذاك، وكان سلفيو الإسكندرية ضمن مكوناتها، وفعل الإخوان هذا عرّض السلفيين للتشرذم والتفتيت، فلاذوا بجماعة أنصار السنّة المحمدية، ثم ما لبثوا أن انشقوا عنها، فخاضوا تجارب عدة أفضت في النهاية لتشكيل جماعتهم على النحو التي هي عليه الآن.
وربما كان للصراعات التي اندلعت بينهما، وكانت المساجد ساحة لها، دور فيما ترسب في غور الأعماق، فما يزال ياسر برهامي، أبرز زعماء الدعوة السلفية، يتذكر مشهد اقتحام شباب الإخوان المسجد عليه، وهو يلقي درسه، ثم كيف انهالوا عليه ضرباً، وقذفوا به إلى الشارع.
ياسر برهامي، أبرز زعماء الدعوة السلفية

مناكفة الإخوان
منذ ولوجها العملَ السياسي، إبان ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، يخط قادة السلفية في الإسكندرية خطوطاً تسير في مسارات تخالف تلك التي رسمتها جماعة الإخوان لنفسها، فنجحت عبر الترويض وأساليب الجذب، أن تجرّ وراءها غيرها من الجماعات السلفية الأخرى.
قررت الدعوة السلفية، عبر ذراعها السياسية، حزب النور، أن تضع لنفسها مكاناً داخل البرلمان المصري، في أول انتخابات له بعد ثورة يناير، رأى قادة الإخوان أنّ على الدعوة السلفية المشاركة بتمثيل بسيط، وهم يتلمسون طريقهم في مجال السياسة، إلا أنّهم تحدّوا الجماعة القوية حينها، فاختاروا الانعزال عن قائمة الإخوان، فحصدوا ما يربو على 25 % من مقاعد البرلمان، كانوا كمن أخرج لسانه للجماعة العجوز.

اقرأ أيضاً: "آن أوان اليقظة" يشعل الصراع مجدداً بين الدعوة السلفية والإخوان (1-2)

في فيديو له معنون بـ "توضيح لمقال آن أوان اليقظة" بتاريخ 19/4/2018 يكشف زعيم الدعوة السلفية، ياسر برهامي، أنّ اثنين من قيادات الإخوان التي خرجت من انتخابات مكتب الإرشاد العام 2010، صرّحت له بأنّ القيادات الحالية تستبطن تكفير المجتمع وقتاله، إلا أنّه يستطرد قائلاً: "قلت ليس هذا معقولاً، ووقع في نفسي أنه ربما قالا لي ذلك لأنهما كانا لتوّهما مطرودين من مكتب الإرشاد".

منذ ولوج السلفية العملَ السياسي اتخذ قادتها خطوطاً تخالف ما رسمتها جماعة الإخوان لنفسها

وجّه أحد الحضور سؤالاً لبرهامي: "هل يجوز لنا أن نوضح أنّ جماعة الإخوان المسلمين الآن تقع ضمن جماعات البدع، وأنّ لهم بدعة في الإيمان، كقولهم "المجتمع جاهلي"، وننشر ذلك على المواقع؟ فأجاب في المقطع المنشور على موقع "أنا السلفي": "هذا الأمر دواء يعطى لمن يحتاجه".
ثمّ يعرج على مقاله "آن أوان اليقظة": "هذا المقال كتبته عندما وجدت قطاعاً كبيراً من الشباب ما يزال متأثراً بهذه البدع والضلالات، وما يزال يستخدم طريقة التكفير والطعن في دين المخالف في المواقف السياسية، ويعتقد أنّ الترسيخ لمعاني المصالح والمفاسد أمر من النفاق في الدين، من أجل هذا أنا تحدثت".
"إذاً، لماذا الآن؟" يسأل برهامي نفسه ويجيب: "تربى معظم الشباب الإسلامي في الجماعة الإسلامية (الطلابية التي انتشرت في مصر في سبعينيات القرن الماضي)، وعندما انفصلت أعداد كبيرة منهم، وانضموا للإخوان مرّوا بمراحل متعددة، وبدأوا في التغير في قضايا عملية وفكرية".
وضرب برهامي مثالاً عن ذلك بالأزمة التي ضربت الجماعة الإسلامية إبان الثورة الخمينية في إيران العام 1979، بينما كان السلفيون غارقون في كراهية الشيعة، فوجئوا بأنّ فريقاً من أقرانهم يدّعي أنّ الخميني هو إمام المسلمين، ما أرجعه برهامي "لقلة وعيهم بالخطر الشيعي، ودليل كبير على أنّهم لم يدرسوا عقائد هؤلاء المبتدعة"

مايزال برهامي أبرز زعماء الدعوة السلفية يتذكر اقتحام شباب الإخوان لمسجده وإخراجه إلى الشارع بعد ضربه

يقول برهامي، إنّه في العام 2005، حدث أمر فاصل في جماعة الإخوان؛ حيث فاز في انتخابات مكتب الإرشاد الفريق القطبي، "فقلنا إنّهم سيكفّون عن الحديث حول التغريب والليبرو إسلامية، فكان أن جمعوا بين الاثنين (قضايا التغريب والتكفيرية)، وبدأوا في تربية الناس على هذا الفكر داخل الجماعة، فمعنا نحن تكفيريون، ومع الغرب يتحدثون بما يريده منهم في العقيدة والسلوك".
يرى برهامي أنّ أفكار "التكفير" هذه والقول بـ"جاهلية" المجتمع تغلغلت في قطاعات عريضة داخل الجماعة، لدرجة أنّ القلة هي التي لم تعد معتقدة الاعتقاد الباطل في مسائل الإيمان والكفر، "وبدأت المشكلات تتكاثر في النصف الأول من العام 2013، مع مبادرة حزب النور، وبدأ التكفير والتخوين، واتهامنا بأننا عملاء لليهود والنصارى، ولم تتوقف حملاتهم حتى الآن، بل تضاعفت، وأصبح شبابهم أكثر غلواً إلا القلة".
أزمة السلفيين مع إصلاحيي الإخوان
يضرب برهامي في جذور الصراعات بين الجماعتين، في محاولة منه لإجلاء غبار المعركة بين الفريقين، ذلك الغبار الذي غبّش عقول تابعيه، فلم يعد باستطاعتهم فهم تصرفات الجماعة وتحولات مواقفها.
دخل المئات من الطلبة المنتمين للجماعة الإسلامية الطلابية في جماعة الإخوان على أنّهم تيار إصلاحي، لكنّ مفهوم الإصلاح لديهم آنذاك هو الوصول بجماعة الإخوان إلى نقاء فكري ومنهجي على عقيدة أهل السنة والجماعة، وهو ما يعني تحويل الجماعة للاتجاه السلفي (وفق مذكرات عبد المنعم أبو الفتوح، التي تحدث فيها عن هذه الحقبة).

عبد المنعم أبو الفتوح
رويداً رويداً، بدأ هذا "الإصلاح" يتغير ليبتعد عن الاتجاه السلفي، ويتجه نحو الانفتاح قليلاً على التيارات الأخرى، ثم تحولت الديمقراطية؛ من مفهوم غربي كافر إلى مفهوم إسلامي، بشرط ألا تخالف شرع الله، وكذلك الحرية، بعد أن يضاف إليها القيد نفسه.
اندمج هذا الجيل في العمل العام، وبدأ سريعاً في تغيير قناعاته من السلفية إلى تخوم ما أطلق عليه البعض (الليبرالية الإسلامية)، فقرّر بعد جدالات واسعة خوض المعركة الانتخابية، بعد أن كانت مرفوضة، باعتبار أنّ هذه المؤسسات التشريعية ليست إسلامية، كما كانت تنكر أحقية المرأة في الترشح للانتخابات من الناحية الشرعية، وهو الأمر الذي يتفق مع قناعة معظم التيارات السلفية في مصر.

اختار السلفيون الانعزال عن قائمة الإخوان فحصدوا ربع مقاعد أول برلمان بعد ثورة يناير

وفي العام 2010، نسّب السلفيون الإسكندريون إلى إصلاحيي الإخوان، أنّهم من تسبّب في أخذ جماعة الإخوان، بعيداً أكثر عن التسلف، كما تسبّبوا في الانقلاب على أمور كان موقف الجماعة فيها غاية في الوضوح، كموقفهم من مشاركة المرأة في الانتخابات، التي كانوا يرفضون مشاركتها فيها كناخبة، ثم تحول إلى موافقتهم على دخولها فيه كمرشحة.
عندما انحاز السلفيون لصقور الإخوان
هاجم السلفيون الإسكندريون، وغيرهم، كلّ رموز الجيل الإصلاحي في جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم: عبد المنعم أبو الفتوح، وعصام العريان، كما أنّ الجيل الإصلاحي في الجماعة هاجمهم بدوره، فعمّق الفعل وردّه من عمق الأزمة بين التيارين أصدقاء الأمس.
لقد هال السلفيين ما فعله الإخوان العام 2002، وفق تقارير صحفية آنذاك، من الدفع بزوجة القيادي الإصلاحي إبراهيم الزعفراني إلى الانتخابات البرلمانية، وخلعها للنقاب من أجل إعداد ملصقات الإعلانات، وقيامها بشرح برنامجها الانتخابي في كلمات بعد صلاة الجمعة، في مساجد الإخوان الكبرى، كلّ هذا لإثبات أنّ الموقف الجديد من المرأة موقف ثابت لا يتغير.

عصام العريان
كما غضب هؤلاء السلفيون من زيارة عبد المنعم أبو الفتوح العام 2005 للروائي نجيب محفوظ، ومطالبته بإعادة نشر رواية أولاد حارتنا "الكفرية"، على حدّ تعبير أحد الرموز السلفية، كما غضب هؤلاء ممّا أسموه "تبرؤ أبو الفتوح من سيد قطب"، في حضور جوقة من العلمانيين لم يرضوا منه بما دون ذلك، ونال القيادي الإخواني عصام العريان قسطاً من النقد، واُثّم بأنّه أبدى استعداده، بل استعداد جماعة الإخوان، لمراجعة الموقف من اتفاقية السلام.
ودعا القياديّ السلفي السكندري، عبد المنعم الشحات، في مقال له بداية العام 2010، إلى ابتعاد الجيل السبعيني عن صدارة المشهد، ومن سدة قيادة الإخوان؛ لأنّه أصبح عبئاً على هذه الجماعة، ومسبباً للحرج البالغ لكوادرها، فضلاً عن رموزها، ثم دعا بشكل واضح وصريح إلى عودة الإصلاحيين الإخوانيين إلى جذورهم السلفية، "وإذا كان هذا المطلب بعيداً، فلا أقلّ من أن يبقوا مع إخوانهم من المحافظين، ولو من باب إعطاء الفرصة"، واتهم الشحات الإخوان بأنّهم "في عهدهم تأخّرت دعوة الإخوان، وشوّهت دون أن يقدموا لدعوتهم أيّ نجاح يذكر، حتى انفجر بركان الغضب أخيراً، فلا أقلّ من يتركوا الفرصة للجناح الآخر أن يقود الدفة".

دافع الإخواني وجدي غنيم العام 2010 عن سلفيي الإسكندرية بأنّه لا توجد سوى فروق بسيطة بين المنهجين

وفي إطار حديثه، يستشهد برهامي في فتوى له العام 2010 بمقولات بعض الإصلاحيين، بأنّ: "الإخوان أخطأوا؛ لأنّهم لم يُعطوا النصارى حقّهم في الترشيح والانتخاب"، وأحدهم يقول: "لو أتت صناديق الانتخاب برجل كافر أو قبطي أو زنديق؛ لقبلنا النتيجة، واخترناه رئيساً، وقرَّرنا ذلك! ولو أنّ الشعب اختار إلغاء الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، أو المصدر الرئيس للتشريع، أو أن الديانة الرسمية للدولة هي الإسلام، لقبلنا ذلك".
كانت هذه الآراء وقتها، في نظر برهامي، نوعاً من "الهراء والسخافات، وأنّ من يقولون هكذا كلام "ليسوا إصلاحيين؛ بل هذا بُعد عمّا أُسست عليه الجماعة، ورغم أنّ تأسيسها كان فيه بعض التجاوزات، فإنّ الأمر ازداد سوءاً، فهؤلاء الذين أُقصوا، والذين يسمونهم الإصلاحيين، لا يستحقون أن يُصدَّروا في المسلمين".

غيرت جماعة الدعوة السلفية مواقفها السابقة لتعترف على لسان زعيمها "برهامي" بأنّها تعرضت لخديعة إخوانية

قوبل هذا التضامن والتآزر، من قبل السلفيين، تجاه إخوانهم محافظي الإخوان، بغزل صريح من رموز التيار المحافظ ودعاته، فخرج وجدي غنيم، وقتها، ليدافع عن سلفيي الإسكندرية، مؤكداً أنّه لا توجد سوى فروق بسيطة بين المنهجين، وأنّ يتبنّى الرجل تقريباً المنهج السلفي السكندري، ويتوافق موقفه من الديمقراطية، وامتدت حالة الغزل للتيار السكندري لقيادات إخوانية توصف بالسلفية، كجمعة أمين، ومحمود غزلان، وعبد الرحمن البر.
كل ذلك أصبح من الماضي؛ فعادت جماعة الدعوة السلفية الآن، لتغيير مواقفها السابقة، ولتعترف على لسان زعيمها "برهامي" بأنّها تعرضت للخديعة، بعد أن احترقت بلهيب التكفير القادم من جماعة الإخوان والجماعات الموالية لها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية