الوجه الآخر لمنتجات الرفاهية.. اضطهاد وظروف عمل قاهرة

حقوق الإنسان

الوجه الآخر لمنتجات الرفاهية.. اضطهاد وظروف عمل قاهرة


10/05/2018

قد لا يخطر ببال أحد وهو يتلذذ بقطعة شوكولاته، أو أثناء التمتع باستخدام أحدث تقنيات الهاتف الذكيّ، أنّ قصّة إنتاج هذه السلعة تمرّ بحلقة من المعاناة والاضطهاد لطفل في مكان ما من العالم، لم يكن بالإمكان أن تصل إلى المستهلك بصفاتها وسعرها، دون المرور بتلك المعاناة؛ إنها قصة تكشف عن بنية اللامساواة في هذا العالم، حيث يعاني طفل في إفريقيا ويتعرض لخطر الموت، من أجل استخراج معدن أو بذرة، لتستخدم لاحقاً في أماكن أخرى من العالم من أجل الرفاهية.

أطفال في مناجم الكوبالت

في تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية عام 2016، اتهمت المنظمة شركات كبرى للهواتف، والحواسيب، والسيارات الهجينة، باستخدام أطفال في عمليات تعدين وإنتاج الكوبالت الذي تستخدمه هذه الشركات لإنتاج بطاريات الهواتف، والحواسيب، والسيارات الهجينة.
وذكر التقرير كلاً من شركات: سامسونغ، وسوني، وآبل، ومايكروسوفت، ودايملر، وفولكسفاكن، متهماً إياها بـ"عدم التحقق والتثبت من عدم استخدام الأطفال في عمليات تعدين معدن الكوبالت الذي يستخدم في منتجاتها".
ويوثق التقرير كيف يقوم التجّار بشراء الكوبالت من مناطق تنتشر فيها عمالة الأطفال قبل بيعها إلى شركة "دونغ فانغ للتعدين" في الكونغو، المملوكة بالكامل لعملاق صناعة التعدين الصينية شركة "هوايو للكوبالت".
وخَلَصَ باحثو المنظمة إلى أنّ الغالبية العظمى من عُمال المناجم تمضي ساعات عمل طويلة بشكل يومي في تماسّ مباشر مع خامات الكوبالت دون توفّر معدات الحماية الأساسية الكفيلة بحمايتهم من الإصابة بأمراض الرئة، أو الأمراض الجلدية؛ حيث يسبب العمل في مناجم الكوبالت أمراضاً خطيرة كالإصابة بتلف الرئتين المزمن.

يعمل الأطفال نحو 12 ساعة يومياً في مناجم الكوبالت، ويقومون بحمل أوزان ثقيلة، لقاء دولار في اليوم

وأخبر أطفالٌ الباحثين أنّهم يعملون نحو 12 ساعة يومياً في المناجم، ويقومون بحمل أوزان ثقيلة، لقاء الحصول على مبلغ دولار واحد أو دولارين في اليوم. وحسب ما جاء في التقرير فإنّ الكوبالت يقوم باستخراجه أطفال لا تتجاوز أعمارهم سبعة أعوام.
كما كشف تحقيق لقناة "سكاي نيوز" البريطانية، عن حالات منتشرة، لاستغلال أطفال صغار، في مناجم بجمهورية الكونغو الديمقراطية، وسط إفريقيا، وذلك في مناجم مخصصة لاستخراج معدن الكوبالت المستخدم في صناعة بطاريات الهواتف الذكية، والحواسيب، والسيارات الهجينة.
وبحسب التحقيق، الذي أجراه الصحافي "أليكس كروفورد"، فإنّ الأطفال يعملون في مناجم للكوبالت لمدة ساعات طويلة يومياً، تتجاوز الـ 12 ساعة، ويتقاضون مبالغ تقل عن دولار، ليباع بعد ذلك لكبرى الشركات التكنولوجية حول العالم، والتي تقدر أرباحها المليارات سنويا.
يُذكر أنّ معدلات عمالة الأطفال قد تضاعفت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، خلال السنوات الأخيرة، وذلك كنتيجة لزيادة الطلب على المعادن مثل الكوبالت، والنحاس، والكولتان. ووفق تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، يُقدر نحو 40 ألف طفل عملوا خلال عام 2014 في مناجم تتوزع على مناطق جنوب جمهورية الكونغو الديمقراطية تتخصص الكثير منها بتعدين الكوبالت. واليوم، تقدر نسب الأطفال من الفئة العمرية 5 - 14 سنة، العاملين في مجال التعدين، بحوالي الـ 17%.

أطفال يعملون في ظروف قاسية للتنقيب عن المعادن في مناجم بالكونغو

انتحار في مصانع آبل
سجل العام 2010 سلسلة من محاولات الانتحار في مصانع "فوكسكون" بالصين، أسفرت عن مقتل 14 عاملاً، وهو ما لفت انتباه الناشطين، والصحفيين، المهتمين بحقوق الإنسان؛ حيث بدأت التقارير والتحقيقات تكشف عن معاناة عمال المصانع، وتشغيلهم في ظروف قاسية، دفعت بعضهم إلى الانتحار بالقفز من فوق المباني.
وتعتمد شركة آبل الأمريكية على سلسلة مصانع فوكسكون في تجميع أجهزتها، والتي تنتشر في تسع مدن صينية، ويبلغ عددها 13 مصنعاً؛ حيث تتوفر أيد عاملة صينية أرخص من نظيرتها الأمريكية، كما أن القوانين التي تحمي حقوق العمال لا تزال أضعف مما هي عليه في الولايات المتحدة. 
وفي تقرير صدر مؤخراً لمنظمة العَمَالة الصينية، نُشِرَت فيه تفاصيل عن تعدي شركة آبل للحد المسموح في ساعات العمل اليومية في مصانعها والذي يفترض ألا يزيد على 60 ساعة في الأسبوع، وهو ما لم تلتزم به آبل، كل ذلك في إطار سعي الشركة لزيادة الإنتاجية السنوية من منتجاتها كل عام، مع غضّ الطرف عن حقوق العمال وظروف العمل.

عمال في مصنع لفوكسكون في الصين

لم يكن رد آبل بتحسين الظروف في المصانع، وإنما بمبادرة إدارة المصانع بتركيب شِباك على النوافذ وحول المباني لتمنع وتلتقط كل من يحاول القفز، وكذلك تعيين أفراد أمن لتمنعهم من الوصول للسطح والانتحار. وفي عام 2011، اضطر عمال في المصنع إلى التوقيع على بند ضمن عقد العمل يمنعهم من الانتحار، ومع ذلك، استمر عمال فوكسكون بمحاولات الانتحار، فانتحر بين عامي 2010 و2013، 7 عمال آخرون.
قام تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، بزيارة مصانع فوكسكون، ومنحهم دفعات مالية كمساعدة لتحسين ظروف العمالة، كما خصصت آبل صفحة في موقعها الرسمي لتشير إلى تحسن ظروف وتقرير ساعات العمل، وغيرها من التفاصيل التي تبين لاحقاً أنها مجرد تقارير وهمية وفقاً لتحقيق أعدته شبكة "بي بي سي".

تعتمد آبل على سلسلة مصانع فوكسكون في تجميع أجهزتها، حيث تتوفر أيد عاملة صينية أرخص من نظيرتها الأمريكية

وفي ظلّ تصاعد اتهامات المنظمات الحقوقية لشركة آبل، حاولت الشركة التخفيف من حدة القضية، معلنةً عن زيادة الأجور في مصانع فوكسكون، ليبلغ متوسط الزيادة 9.70 دولارات إضافية لليوم، في محاولة لتعزيز معنويات العمال. ولكن الشركة لم تقم بعد بإزالة شبكات منع الانتحار من مبانيها. واليوم يبلغ متوسط الأجور اليومية حوالي 17 دولاراً في اليوم، وذلك في شركة تبلغ ثروة رئيسها التنفيذي نحو 5.9 مليار دولار.

أكبر مصنع لشركة آبل في الصين يثبت شبكات لمنع العمال من الانتحار

مؤخراً، وفي شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي 2017، نشرت "الفاينانشال تايمز" تقريراً عن توظيف فوكسكون بشكل غير قانوني لطلاب مدارس يعملون على تجميع جهاز آيفون X، حيث أكدت ست مدارس ثانوية للصحيفة أن طلابها يعملون بشكل روتيني مدة 11 ساعة يومياً لتجميع هذه الهواتف في أحد مصانع فوكسكون في مدينة "تشنغ تشو" الصينية. حيث أكد الطلاب أنه طلب منهم الذهاب إلى المصنع والعمل هناك لثلاثة أشهر لاكتساب خبرة عمل، بالرغم من أنّ العمل لا يمت بصلة لدراستهم.
تهريب وتجارة بأطفال من أجل الشوكولاته
تقدر حجم مبيعات الشوكولاته بمليارات الدولارات حول العالم، وتعتمد كبرى الشركات المصنّعة على حبوب شجرة الكاكاو، والتي تتركز صناعتها في مناطق غرب إفريقيا؛ حيث تصدّر غانا، وساحل العاج، أكثر من 70% من محصول الكاكاو العالمي.
وتعود نشأة وتطوّر زراعة الكاكاو إلى نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، ونظراً لغياب التشريعات والرقابة الكفيلة بضمان شروط العمل وظروفه، فقد استُخدم الأطفال بشكل واسع في مزارع الكاكاو.

بلغ عدد الأطفال العاملين في قطاع الكاكاو بغرب إفريقيا حوالي 1.4 مليون طفل

وفي عام 1998، صدر أول تقرير لليونيسيف يحذر من تفاقم الأوضاع، تلاه إصدار قناة "بي بي سي" الرابعة حلقة خاصة ضمن السلسلة الوثائقية "العبودية" التي أصدرتها الـ "بي بي سي" عام 2000، حيث تحدثت الأرقام عن حوالي الـ 15,000 طفل، ممن تقل أعمارهم عن 11 عاماً.
كما كشف فيلم استقصائي صدر عام 2010، لـ "روبرت رومانو"، و"هيلي فابر"، عن عمليات واسعة لتهريب وتجارة الأطفال من مالي إلى ساحل العاج، تقوم عليها عصابات تخطف الأطفال وتبيعهم بأثمان بخسة.
وقد صاحب ظهور القضية حملة مقاطعة واسعة لكبرى الشركات المتورطة (كـ: نستلة، ومارس، وهيرشيز)، في الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو ما أدى إلى اجتماع عدد من كبرى الشركات وتوقيعها اتفاقية، عُرفت ببروتوكول "هاركين إنجيل" عام 2001، والذي نصّ على حظر عمالة الأطفال بحلول العام 2008، وهو ما لم يتم، حيث كشفت التقارير والتحقيقات المتتابعة عن استمرار الظاهرة وتفاقمها بعد عام 2008، الأمر الذي دفع الشركات إلى تقديم وعد جديد عام 2012، يتعهد بإنهاء العمالة عام 2020.
وفي تقرير أصدره عام 2015 مركز "بايسون للتنمية الدولية" الأمريكي، تم الكشف عن زيادة بحوالي 30% في أعداد الأطفال العاملين في قطاع الكاكاو بغرب إفريقيا؛ حيث بلغ العدد حوالي 1.4 مليون طفل، تتراوح أعمارهم من 5 إلى 11 سنة، مقارنة مع 1.1 مليون طفل خلال عامي 2008 - 2009.

معاناة الأطفال في مزارع الكاكاو غرب إفريقيا

وهكذا، فإنّ استمرار استهلاك منتجات الشركات دون التأكد من ظروف الإنتاج، يسهم بتمويل وتشجيع استرقاق واضطهاد الأطفال والعمال. واليوم، وفي ظل نظر أصحاب الشركات حصراً إلى الأرباح المجنية، دون اعتبارات أخرى، يصل عدد الأطفال العاملين حول العالم إلى نحو 168 طفلاً، يعملون في مزارع، ومناجم، ومصانع إلكترونيات، وهم معرضون للإجهاد والمخاطر، ومحرومون من اللعب والتعليم.

الصفحة الرئيسية